صناديق استثمارية لتعظيم الفائدة من تحويلات المغتربين
فيما تستمر تحويلات العاملين في الخارج تسجيلها تحسنا من شهر إلى آخر، شدد خبراء اقتصاديون على ضرورة تعظيم الفائدة للاقتصاد الوطني من هذه التحويلات وتهيئة البيئة المناسبة لاستثمارها وتشغيل هذه التحويلات وضخها في شرايين الاقتصاد الوطني.
وأكد هؤلاء الخبراء في تصريحات خاصة لـ”الغد” أن تحويلات المغتربين أحد أهم الأدوات المالية الداعمة لاستقرار الاقتصاد الوطني لما لها من دور في تحسين مستوى الإنفاق الداخلي إضافة إلى أنها عنصر أساسي في رفد الاحتياطيات الأجنبية وزيادة حجم الودائع في البنوك، فضلا عن تنشيطها لقطاع العقارات وبيع الأراضي.
وبقصد تحقيق الفائدة الاقتصادية من هذه التحويلات واستدامتها إضافة إلى تشجيع المغتربين على استثمار أموالهم داخليا، طالب الخبراء الحكومة بضرورة تهيئة البيئة التشغيلية المناسبة لهذه التحويلات وتذليل العقبات أمام إقبال المغتربين على استثمار أموالهم وإطلاق مشروعات اقتصادية محركة لعجلة الاقتصاد الوطني ومولدة لفرص العمل، بدلا من توجهها إلى ودائع في البنوك، إضافة إلى ضروة استحداث صناديق استثمارية خاصة بالمغتربين وتوفير المزيد من التسهيلات الخاص بهم وخفض الكلف الاستثمارية والتشغيلية لهم، ويضاف إلى ذلك أهمية إيجاد آلية لتواصل بين المغتربين مع القطاع الخاص ودعمهما في تأسيس مشاريع إستراتيجية ضخمة في القطاعات الإستراتيجية والمنتجة لا سيما الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر والمياه والنقل.
يشار إلى أن حوالات العاملين في الخارج خلال الخمسة أشهر الأولى من عام 2024، ارتفعت بنسبة 3.7 % لتبلغ ما مقداره 1.451 مليار دولار، وذلك بالمقارنة مع 1.399 مليار دولار خلال الفترة المقابلة من عام 2023، وفق البيانات الأولية للبنك المركزي الأردني. وكانت تحويلات المغتربين في الخارج قد نمت خلال العام الماضي بما نسبته 1.4 % مقارنة مع عام 2022، لتصل إلى ما قيمته 2.48 مليار دينار.
وبحسب دراسة تحليلية أصدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) مطلع العام الحالي، بلغ إجمالي تحويلات المغتربين الأردنيين في الخارج خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2010 و 2022 نحو 30 مليار دينار، فيما قدر تقرير سابق للبنك الدولي إجمالي تحويلات المغتربين الأردنيين في الخارح خلال السنوات الـ23 عاما الماضية، بنحو 92 مليار دولار.
ويبلغ عدد المغتربين الأردنيين في الخارج نحو 925 ألف مغترب يتوزع العدد الأكبر منهم في دول الخليج العربي 765 ألف مغترب، ما يشكل ما نسبته 81 % من إجمالي المغتربين، في حين يعيش نحو 29 ألف مغترب منهم في مجموعة من الدول العربية غير الخليجية، بينما يعيش حوالي 140 ألفا منهم في بلدان غير عربية بما نسبته 15.2 % من إجمالي عدد هؤلاء المغتربين وفق آخر تحديث لوزارة الخارجية صدر عام 2021.
وقال الخبير المالي والاقتصادي زيان زوانة، إن استمرار ارتفاع تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج مؤشر جيد وخبر سعيد للاقتصاد الوطني، خاصة في خضم سير عدد من المؤشرات الاقتصادية المحلية الاستراتيجية عكس ذلك، لا سيما الدخل السياحي والصادرات وغيرهما.
وأكد زوانة أن تحويلات المغتربين تمثل عنصر رفد للاحتياطيات الأجنبية وضخا في السوق المحلي بما تمثله من مساعدات ومصروفات معيشية وأسرية لذوي المغتربين، وتنشيطها الاستثمار في القطاع العقاري وبيع الأراضي، فضلا عن زيادة حجم ودائع البنوك، ما يمكنها من استمرار تقديم الائتمان للقطاعات الاقتصادية.
ولفت زوانة إلى إن الأردن يشترك في رفد الحوالات الواردة لاقتصاده مع عدد من الدول التي تعد من الأكثر استقبالا لتحويلات العاملين من الخارج ومنها مصر والمغرب والهند وبنغلادش.
ويرى زوانة أن تعظيم الفائدة للاقتصاد الوطني من هذه التحويلات يتطلب من الحكومة تعزيز فرص الاستثمار لهذه الفئة مما سيساعد في مواجهة تحديات البطالة والفقر من خلال خلق مزيد من الوظائف، ويضاف إلى ذلك أهمية إيجاد آلية تواصل بين المغتربين مع القطاع الخاص ودعمهما في تأسيس مشاريع إستراتيجية ضخمه في القطاعات الإستراتيجية والمنتجة لا سيما الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر والمياه والنقل علاوة على أهمية تأسيس شركات مساهمة عامة بالشراكة مع القطاعين وتكون حوالات المغتربين أحد مصادر المساهمة، لافتا أن هناك مطالب منذ سنوات للحكومات المتعاقبة بأهمية تأسيس شركة مساهمة عامة خاصة بالمغتربين لحاجة الاقتصاد الوطني لتنقية هذه الحوالات وضخها في شرايين الاقتصاد المحلي.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن ارتفاع حجم تحويلات المغتربين في الخارج تعد واحدة من أهم الأدوات المالية الداعمة لاستقرار الاقتصاد الوطني، حيث إن لهذه التحويلات دورا كبيرا في تحسين مستوى الإنفاق الداخلي إضافة إلى تعزيز الاستثمار، عدا عن تعزيز الاحتياطيات الأجنبية.
وأشار عايش إلى أن هذه التحويلات لعبت دورا مهما في تعزيز قدرة الكثير من المواطنين على مواجهة الأعباء المعيشية المتزايدة من خلال تحويلات ابنائهم المغتربين في الخارج ، كما انها لعبت دورا مهما في تحقيق الإيرادات السياحية، إذ إن ما نسبته 45 % من إيرادات السياحة خلال عام 2023 جاءت من تحويلات المغتربين وإنفاقهم خلال إجازاتهم السنوية في البلاد.
وأكد عايش أهمية استحداث صناديق استثمارية خاصة بالمغتربين وتوفير المزيد من التسهيلات الخاص بالمغتربين لتشجيعهم على استثمار تحويلاتهم وبما يضمن استدامة استفادة الاقتصاد الوطني منها، منوها إلى ضرورة الانتباه إلى إن تحويلات المغتربين في الخارج لا سيما في دول الخليج غير مضمونة الاستدامة في ظل متغييرات واقع أسواق العمل في دول الخليج العربي.
إلى ذلك بين الخبير الاقتصادي محمد البشير أن ارتفاع حوالات العاملين في الخارج يعد أمرا إيجابيا في توفير العملة الصعبة، وتعزيز رصيد محفظة العملات الاجنبية في الأردن، ما يضمن استقرار الاقتصاد الوطني وقدرته على الاستجابة للأزمات.
وشدد البشير على ضرورة تهيئة البيئة التشغيلية المناسبة لهذه التحويلات وتذليل العقبات أمام إقبال المغتربين على استثمار أموالهم داخليا، وإطلاق مشروعات اقتصادية محركة لعجلة الاقتصاد الوطني ومولدة لفرص العمل، بدلا من توجههم إلى إيداعها في البنوك، داعيا في هذا الصدد إلى أهمية تخفيض كلف الاستثمار المرتفعة وإعادة النظر بالنظام الضريبي السائد محليا.
ولفت البشير إلى إن لارتفاع حوالات المغتربين وتزايد كذلك عددهم في الخارج جانبا سلبيا يتمثل في هجرة الكفاءات الوطنية، لا سيما في ظل تراجع المشروعات التنموية والدورة الإنتاجية في الأردن، مقابل الطفرة التنموية التي تشهدها كثير من الدول المحيطة بنا لا سيما المملكة العربية السعودية، مما أتاح الفرصة لآلاف من الكفاءات الأردنية إلى الخروج بحثا عن تحسين المستوى المعيشي لها، إلا أن لذلك على المدى الطويل تأثيرا على إنتاجية الاقتصاد الوطني ومعدلات النمو داخله.
التعليقات مغلقة.