كتاب ونقاد يعاينون حضور الرواية الأردنية عربيا..اضافة ثالثة وأخيرة
وفي الجلسة الثالثة والأخيرة، والتي ترأسها الروائي رمضان الرواشدة، لفتت الأكاديمية والروائية الدكتورة شهلا العجيلي في ورقتها المعنونة “الجائزة: موقعها من الكتابة وفاعليتها في السياق الثقافي” إلى أن النصّ الروائي يحتاج إلى أن يُعالج بكلّ من الحسّ الواقعيّ، والحسّ التاريخيّ، والحسّ الاجتماعيّ، والحسّ الفنيّ.
وفي هذا الإطار، بينت أن هذا كلّه تصنعه اللحظة التاريخيّة التي يعيشها كلّ من الكاتب والمتلقّي، مشيرة إلى أنّه قد يفرض النصّ نفسه على الجائزة، لكنّه لا يربحها لأنّ معاييرها ليست بالضرورة نصيّة.
وقالت إنه ليس للجائزة موقع في عمليّة الكتابة الأصيلة، لأنها تجعل النصّ يكتب ووفاقاً لسلطة المعايير غير الفنيّة، ويصير دور الجائزة أشبه بدور الرقيب، في الأولى التوخّي وفي الثاني المداراة أو التجنب، وهذا ضدّ حرية الإبداع، فتصير الجائزة هي المتلقّي الافتراضي الذي يكتب له كاتبه، ويكيّف نصّه بحسب معاييره، فيفقد الأسلوب، الذي هو أهمّ ما يميّز الكاتب.
وبحسب العجيلي يجب أن ينطلق النصّ بحريّة، ووفاقاً لمعايير النوع الأدبيّ.
وأشارت إلى أن فاعلية الجائزة قد تظهر في أنّها تحرّك العمليّة النقديّة، وتلتفت إلى علاقة النصّ بمجتمعه، لكنّها حركة مؤقّتة، لا تطوّر الكتابة في مجتمعها بالضرورة، بل أحياناً، إذا كان النصّ لا يستحقّ الجائزة، ستجعل الكتّاب الجدد يستسهلون الكتابة.
بدوره، قال الأكاديمي والناقد عماد الضمور إنه بعيدًا عن حملات التشكيك والتسييس والنقد اللاذع الذي تمّ توجيهه للجوائز الأدبية بشكل عام وجوائز الرواية بشكل خاص، أجد نفسي في هذه الورقة البحثيّة الموسومة بـ” الرواية الأردنية في ميزان الجوائز العربية” أمام منجز سرديّ روائي بدأ ينشط منذ الألفيّة الجديدة وما زال يُمارس ثورته الفكريّة والجماليّة حتى يومنا هذا، بعدما استطاعت الرواية الأردنيّة شقَ طريقها نحو آفاق أوسع من التجربة الفنية والتوغلَ في أعماق النفس الإنسانية بروح مستشرفة، وعينٍ ثاقبة في نظرتها للواقع.
وأضاف الضمور أنّ غزارة الإنتاج الروائي الأردني في السنوات الخمس الأخيرة وما رافقه من حضور عربي واضح جعل من الرواية الأردنية صوتًا مسموعًا وفضاءً واسعًا تتداخل فيه الأجناس الأدبية والفنون البصريّة.
ونوه بأن الرواية الأردنيّة دخلت في معترك الجوائز العالمية، وخاضت بنجاح معركة إثبات أحقيتها بالوجود بين الرويات العربية مُتسلحةً بإرث روائيّ، يعود إلى مرحلة التأسيس، وبما حققه الروائيون الأردنيون من وعي معرفي، ونضج فكري واضح، ومسيرة فنيّة تطورت عبر مراحل مختلفة.
وأكد أن ما أثارته فكرة الجوائز الأدبيّة منذ ظهورها من جدل كبير في أوساط الأكاديميين والمثقفين والأدباء والنقاد لا يقلل من شأن هذه الجوائز أو استحقاق الفائزين لها والوقوف على معالم مسيرتهم الإبداعيّة التي تجسّدت في أعمال روائيّة استطاعت إثبات وجودها بمعايير هذه الجوائز التي وضعت لها، فكسبت الرهان ونافست الروايات العربية وتجاوزتها في مناسبات كثيرة.
وبين أن الرواية الأردنيّة حققت وجودها قبل الجوائز العالمية، كما في روايات غالب هلسا ومؤنس الرزاز، وجمال ناجي، وفي رواية ” أنت منذ اليوم ” لتيسير سبول، ورواية ” أوراق عاقر ” لسالم النحاس.
وأكد ضرورة المحافظة على هذا الحضور الروائي الاردني ومنجزاته في الفضاء الابداعي العربي.
وخلص إلى أن مقدرة الرواية على الانتقال من المحلي إلى الإنساني من المقاييس الأدبية المهمة التي يمكن من خلالها الحكم على الرواية بالتميّز والإبداع فضلاً عمّا تحققه هذه الروايات من قدرة على قبول الآخر ومحاورته تحقيقًا للتجاوز، وتأكيدًا على ترسيخ هويّة الأمة ووجودها الحضاري، مؤكدا أهمية المعايير الجماليّة بتقنياتها الفنيّة.
وعبر تقنية التواصل عن بعد (الزووم)، قال الناقد والأكاديمي العراقي الدكتور سعد محمد علي التميمي في ورقته المعنونة “الرواية الأردنية من المحلية الى العالمية..قراءة في تجربة الروائي جلال برجس”؛ إن الرواية الأردنية حالها حال الرواية العربية إذ ارتبطت مسيرة تطورها وتحديثها بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة بدءًا بالحرب العالمية الثانية وحروب فلسطين فضلا عن حروب العراق وذلك لأن الرواية هو الجنس الأدبي القادر على استيعاب مثل هذه التحولات التي تعصف بالمجتمعات وتخلف وراءها العديد من المشكلات والآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على الفرد والمجتمع.
ورأى هذه التحولات كانت الانطلاقة الحقيقية للرواية الأردنية من تفاعلها مع قضايا المجتمع جراء الأحداث السياسية التي كان لها آثار اجتماعية ونفسية على المجتمع والكتاب، فشرع الروائيون كل حسب رؤيته الفنية ومرجعيته الآيدولوجية والثقافية بمعالجة هذه الأحداث في روايات حققت حضورًا فاعلًا في الساحة الأردنية والعربية.
وتطرق إلى رواية الفائزة بالبوكر “دفاتر الوراق” لجلال برجس والتي وصفها بأنها تمثل تحديات الواقع الاجتماعي والنفسي إذ انها تنطلق من التداخل بين الذاتي والموضوعي عبر رؤية اشكالية في تقديم أجوبة لأسئلة الواقع من خلال أزمة المدينة وتشتت الذات والصراع النفسي والاجتماعي فضلا عن صراع الهوية ومواجهة الآخر والتمرد والاحتجاج على الواقع.
ولفت إلى تعدد الأصوات المهمشة في رواية “دفاتر الوراق”، رائيا أن الروائي برجس استطاع بهذه الرواية أن يخرج بالرواية الأردنية من الإطار المحلي الى العربي والعالمي من خلال التجريب الحر، ومعالجة القضايا المحلية بأسلوب مميز ومؤثر.
وفي ختام الندوة الموسعة قدم الروائي هزاع البراري شهادة إبداعية حملت عنوان: “الرواية.. كتابة الخوف ومساكنة القلق” قال فيها؛ إن الرواية كتابة الضد، أو معاقرة الاحتجاج، فالكتابة عن الخوف فعل شجاعة، واليد المرتجفة، تستند على قلب يربكه الحب، وكل ذلك يتكئ على عين ثاقبة غير مراوغة، فالخوف بلا ملامح مصادره مجهولة وهويته هلامية، وهذا ما يجعل الخوف مرعباً، الخوف مجهول، والمجهول مصدر كل المخاوف”.
ولفت إلى أن الكتابة في حد ذاتها أمل ومواجهة مستمرة للدمار الداخلي والخارجي، أن أفقد الأمل يعني ذلك أن أفقد سبل التواصل من الكتابة والحياة، ولكني لا أنظر للنصف الفارغ فقط ولا النصف المليء فقط، بل أنظر للكأس بكليتها.
وقال إن الكتّاب غرباء، فأنا لا أتفرد بغربتي، والغربة تأتي من موقف الكاتب الاحتجاجي، فالمبدع يجد نفسه دائماً في صدام مع أسئلته وأطروحاته، في مواجهة الواقع الماثل، الوجود الشائك، لذا فإن الكلفة النفسية والفكرية التي يدفعها الكاتب كبيرة، أحياناً يفقد الانسجام مع المحيط وشروطه، وهذا ما يشعره بالغربة والاغتراب، وهذا الشعور هو مصدر أساسي من مصادر الكتابة.
واعتبر أن الكتابة حياة موازية، رائيا أن الكتابة هي كفة الميزان الثانية، إن سقطت اختل التوازن وعمت الفوضى، ويخسر الضمير والوجدان الإنسان نبعاً أساسياً من ينابيعه، وبالتالي فإن الرواية هي خلق لحياة من داخل هذه الحياة، هي مرآة لا تعكس المواجه لها مباشرة، لكنها تغوص فيه وتكشفه فتظهر ما لا يظهر، وتعكس صور ما لا يرى.
–(بترا)
التعليقات مغلقة.