مزارعون يحبسون أنفاسهم وسط آمال بتحسن الموسم المطري

– يلقي تراجع سقوط الأمطار بشكل لافت خلال الموسم الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بظلال ثقيلة على المزارعين الذين بدأت المخاوف تراودهم، ما أدى إلى عزوف عدد منهم عن زراعة أراضيهم بالغراس الجديدة.

وقال مزارعون في عجلون، إن هناك مؤشرات سلبية على الأعشاب البرية والمراعي التي تأخر نموها والمهددة بالجفاف لشح الأمطار، مؤكدين أن هذه الحالة، ومع اقتراب أربعينية الشتاء، تثير قلق المزارعين على مزروعاتهم وأشجارهم المروية والبعلية.

Unmute

ولا يختلف الحال في جرش، حيث يؤكد مزارعون، “أن هذه الأيام، تبدو الأصعب على غالبية المزارعين، وثمة قناعات بأن تأخر نمو المزروعات لقلة الأمطار سينتهي بفشلها، إلا أن الآمال معلقة على أربعينية الشتاء التي تكون فيها منخفضات طويلة نوعاً ما، وبأن تحمل قادم الأيام كميات وفيرة من الأمطار”.
وأضافوا، أن نمو المزروعات ما يزال بطيئاً حتى الآن نظراً للتغيرات المناخية، وهو ما يعني تأخر حمل الثمار ونموها أيضاً، مشيرين إلى أن هناك مواعيد محددة لزراعة البذور ونموها ومن ثم حملها للثمار، وأي تأخر بالمواعيد يعني فشل الزراعة.
ويقول المزارع حسين الخطاطبة، “إن العلامات السلبية بدأت تظهر على الأعشاب الطبيعية والمراعي التي ما تزال في بداية نموها وتهدد بجفافها مبكراً، ما بات يتسبب بعزوف الكثير من المزارعين في عجلون عن زراعة المحاصيل الحقلية والأشجار الموسم الحالي، مع بدء حراثة أراضيهم، فيما بدأ بعضهم بالاستعداد لمواجهة تزايد الطلب على مياه الري خلال أشهر الصيف ولتأمين زراعاتهم وغراسهم من المواسم السابقة وأشجارهم المروية بما يضمن ديمومتها، وتجاوزها الموسم الحالي بأقل الأضرار”.
أما المزارع سامي فريحات، فيؤكد “أن الانحباس المطري سيقلل من فرص نمو الأعشاب البرية وجودتها في حال وجودها، كالفطر والحميض والخبيزة وأنواع أخرى عديدة من الأعشاب التي كانت تشكل مصدر غذاء، وباب رزق للعديد من الأسر”.
وأضاف فريحات، “أن الأعشاب ضعيفة وبالكاد تظهر، ومهددة بالجفاف في حال استمرار الانحباس المطري، ما سيؤثر كذلك على مربي الثروة الحيوانية الذين يعتمدون على المراعي الطبيعية والتي تخفف عليهم من أثمان الأعلاف”، داعياً الجهات المعنية إلى “البحث عن حلول استباقية لمواجهة تزايد الطلب المتوقع على مياه الري، خصوصاً في الأراضي المصنفة بالمروية والتي تعتمد أشجارها على الحصص المائية من الأقنية المنتشرة على الأودية”.
وشدد فريحات، على “أهمية ضخ كميات من مياه سد كفرنجة وإسالتها عبر وادي كفرنجة لتزويد الأقنية، خصوصاً في حال استمرار انحباس الأمطار وتراجع أو جفاف العيون السطحية المغذية للأودية خلال أشهر الصيف”.
إلى ذلك، يقول صبحي شريدة، وهو أحد مربي الثروة الحيوانية، “إنه قلق على المراعي الطبيعية الموسم الحالي، وقد تكون مهددة بالجفاف قبل نموها بشكل مكتمل في حال استمرار الانحباس المطري، ما سيتسبب لهم بكلف إضافية لإطعام مواشيهم التي تشكل مصدر رزقهم”.
وبحسب الناشط البيئي خالد عنانزة، “فإن تراجع الأمطار سيؤثر كثيراً على الغابات والثروة الحرجية، وقد يتسبب بجفاف بعضها، وأغصان بعضها الآخر وتراجع خضرتها ونضارتها، ما قد يسهل من انتشار النيران في حال نشوب الحرائق”.
ويظهر أحدث تقرير لمديرية زراعة محافظة عجلون لكميات الأمطار التراكمية، تراجعاً كبيراً بكميات الأمطار الهاطلة على مختلف مناطق المحافظة، بحيث لم تتجاوز في متوسطها زهاء 30 ملم حتى الآن، في حين تجاوزت الموسم الماضي لذات الفترة زهاء 180 ملم، وهو ما يعتبره المزارعون “الوسم”.
وأعرب المزارع محمد العنانبة عن قلقه من “أن يتسبب تراجع المعدلات المطرية، بعزوف المزارعين عن حراثة أراضيهم وزراعتها بالحبوب كالقمح والفول والحمص، ويمتنع آخرون عن استصلاح المساحات المهملة من الأراضي الصالحة للزراعة في المحافظة، والمقدرة مساحتها بزهاء 50 %”.
ويقول الخبير المائي الدكتور ثابت المومني، “إن التغيرات المناخية التي تشهدها محافظة عجلون، باتت تلقي بآثارها السلبية على أنواع من الزراعات”، مبيناً “أنه ومنذ مواسم عدة يتم رصد آثار سلبية على الزراعات نتيجة التغير بالأجواء المناخية، وهي مرتبطة بالتغيرات المناخية العديدة، كتقلبات الطقس، والتباين المفاجئ بدرجات الحرارة، والرياح الشديدة، وتساقط البرد والأمطار الغزيرة في غير وقتها، وأثناء بداية الأزهار، ومع تراجع معدلاتها السنوية وسوء توزيعها خلال الموسم، وتسببها بانجراف الأتربة، بدأت تؤثر على كثير من أنواع الزراعات من حيث تضرر ثمارها وتدني إنتاجها، وانتشار أنواع من الآفات والفطريات المقاومة للمبيدات”.
ومن وجهة نظر المهندس والخبير البيئي محمد فريحات، “فإن الواقع الجديد، والمحتمل تفاقمه مع مرور الوقت، يستدعي اتخاذ إجراءات احترازية أو تغيير الأنماط الزراعية، وذلك على المدى المتوسط والبعيد، بحيث تبدأ بتكثيف برامج التوعية والإرشاد العلمي للمزارعين، وزيادة الدعم لهم، واختيار أنواع من الزراعات الأكثر ملاءمة للتكيف مع هذه التغيرات المناخية، وتعزيز الرقابة والحفاظ على عناصر البيئة والتنوع الحيوي”.
وأوضح فريحات، “أن المناطق الجبلية بدأت تتعرض للعديد من المخاطر الطبيعية التي أصبحت تهدد نظمها البيئية ومكوناتها وعناصرها، والتي ترجع للتغير المناخي، وما ينجم عنه من ارتفاع درجة الحرارة، وانخفاض كميات الأمطار، وتأخر الموسم المطري، إضافة إلى العوامل البشرية، التي يمكن أن تؤثر في تدمير الموائل الطبيعية للنباتات الطبيعية والحيوانات البرية، كالتعدي على الغابات والتحطيب الجائر والحرائق، إضافة إلى امتداد النمو العمراني على حساب الأراضي الزراعية، ما يؤدي إلى زيادة الجريان السطحي لمياه الأمطار وانخفاض كميات التسرب إلى باطن الأرض، وتسببه بزيادة انجراف التربة، وتراجع نسب الرطوبة التي يعتمد عليها النبات في نموه”.
من جهته، أكد مدير زراعة محافظة عجلون المهندس رامي العدوان، بالتراجع الكبير في المعدلات المطرية الموسم الحالي مقارنة بمواسم سابقة، مؤكدا أنه في حال استمرارها، سيكون له تأثيرات سلبية كبيرة على مختلف أنواع الزراعات، من المحاصيل والأشجار، إضافة إلى المراعي الطبيعية، والثروة الحرجية.
وبين، أن المساحات الزراعية المستغلة في المحافظة تبلغ زهاء 100 ألف دونم، فيما تبلغ مساحة الأراضي الحرجية 34 % من مساحة المحافظة البالغة 419 كلم²، فيما يوجد 82 ألف دونم مزروعة بأشجار الزيتون، و21 ألف دونم بالحمضيات والكرمة والفواكه.
وأضاف العدوان، أن تغير المناخ يؤثر على الزراعة، إذ يؤدي إلى التغيرات في معدلات الحرارة، وهطل الأمطار، وحدوث التقلبات المناخية الشديدة كموجات الحر، وفي الآفات والأمراض وفي الجودة الغذائية ويهدد الأمن الغذائي.
من جهته، قال رئيس مجلس المحافظة عمر المومني، إن هناك العديد من المشاريع التي تم تنفيذها من موازنة مجلس المحافظة خلال العامين الماضيين والمتعلقة بالمشاريع المائية، حيث تم حفر مئات آبار المياه، كما تم عمل قنوات ري في عدة مناطق، وتنفيذ عدد من المشاريع الزراعية كمشروع الحاكورة الذي يهدف لاستغلال الأراضي لغايات الزراعة وكذلك تركيب معرشات العنب بما يتناسب والتنوع الجغرافي وتضاريس المنطقة.
إلى جرش، حيث تعتمد آلاف الأسر من خلال مشاريع إنتاجية تديرها ربات المنازل على الزراعات الشتوية في تغطية جزء من نفقات الأسر التي تتزايد في فصل الشتاء، ويعتمدون على الموسم المطري في ري مزروعاتهم على الرغم من التغيرات المناخية التي تمر بها المنطقة.
ويأمل المزارعون بأن يكون الموسم المطري هذا الشتاء مبشرا قبل بدء مربعينية الشتاء، لضمان جودة ونمو الزراعات الشتوية والاستفادة من مشاريع الحصاد المائي للزراعات الصيفية كذلك، خصوصا أن هذه المشاريع من مشاريع تمكين المرأة وهي توفر مدخولات مناسبة للسيدات كونهن يستثمرن الحدائق المنزلية في هذه المشاريع.
وتجتهد السيدات في زراعة الأعشاب الطبية ومنها الزعتر والميرمية وإكليل الجبل وزراعة الورقيات والفول والبازلاء والملفوف، وهذه المنتوجات تسوق في المجتمع المحلي عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وما تبقى يتم تصنيعه وتحويله إلى مواد غذائية محفوظة يتم تسويقها قبل شهر رمضان المبارك، لا سيما أن مواعيد القطاف قريبة من موعد شهر رمضان الذي يشهد زيادة في الطلب على المنتجات الغذائية بمختلف أنواعها.
فاطمة فريحات التي تدير أحد المشاريع الإنتاجية، تستثمر حديقة منزلها ومساحتها 300 متر في زراعة مختلف الخضار والأعشاب الشتوية، وتقوم بتسويقها في المتاجر والمهرجانات والمجتمع المحلي وتقوم بحفظ المنتجات المتبقية بتجفيفها أو تجميدها لحين تسويقها.
وتوقعت فريحات، أن يكون موسم الزراعات الشتوية هذا العام ناجحاً إذا كان الهطول المطري مناسباً، لا سيما أن مواعيد القطاف قريبة من موعد شهر رمضان المبارك ويزيد الطلب فيه على المواد الغذائية، إلا أن نجاح الزراعات وجودتها تعتمد على الموسم المطري من بداية الأربعينية وحتى خمسينية الشتاء، خصوصا أن المنطقة تشهد تغيرات مناخية وتأخر المنخفضات الجوية المحملة بالأمطار.
وأضافت، أنها تدير مشروعاً إنتاجياً غذائياً منذ 9 سنوات وتعتمد فيه على الزراعات الشتوية والصيفية في التصنيع الغذائي والذي يشهد طلباً متزايداً كونها زراعة على الأنظمة العضوية والصديقة للبيئة ولا يستخدم فيه أي مواد تضر بالمزروعات ويعتمدون على مياه الأمطار في الشتاء ومشاريع الحصاد المائي في فصل الصيف.
وبحسب نبيلة محمود، وهي رئيسة إحدى الجمعيات الخيرية وتدير عدة مطابخ إنتاجية، “فإن آلاف الأسر الجرشية تعتمد على الزراعات الشتوية كمصدر دخل موسمي يعينها على تغطية جزء من مستلزمات الحياة، خصوصا أنها من أنماط الزراعة السهلة وغير المكلفة، إلا أنها تحتاج إلى أمطار مبكرة ومستمرة”.
وتؤكد محمود، “أن موسم الزراعات الشتوية من أهم المواسم التي تتميز بها محافظة جرش وتعتمد عليه المطابخ الإنتاجية، وهذه الفترة تقوم كافة المطابخ الإنتاجية ومشاريع تمكين المرأة بالاستفادة من الزراعات الشتوية التي تتزامن مواعيد قطافها مع شهر رمضان المبارك، وهو من أهم المواسم التسويقية التي تنتظرها هذه المشاريع”.
ويرى مزارعون أن الزراعات الشتوية، وأبرزها محصول الباذنجان والورقيات بأنواعها والبصل والثوم والفول والبازلاء والحمص، تكاليف زراعتها قليلة مقارنة بالزراعات الصيفية التي تحتاج إلى عناية أكثر وتسميد ورش ومياه للري، فيما الزراعات الشتوية لا تحتاج إلى مياه وتسميد ووقاية كون درجات الحرارة منخفضة، إضافة إلى أن عمليات تسويقها سهلة وغير مكلفة، ومن الممكن بيع المحصول للسكان في الأحياء المتعددة والقرى والبلدات وبأسعار مناسبة، وفق المزارع فراس العياصرة.
وقال العياصرة، إنه يقوم سنوياً باستغلال قطعة أرضه المجاورة لمسكنه ومساحتها 2 دونم وزراعتها بكافة المنتجات الزراعية الشتوية والتي يعتمد على مياه الأمطار في ريها. وهي توفر له دخلاً لا يقل عن 900 دينار في كل فصل شتاء، فضلاً عن تجميع مياه الأمطار واستغلال مشروع الحصاد المائي في ري الزراعات الصيفية.
ويرى، أن محافظة جرش تتميز بالزراعات الشتوية التي شهدت إقبالاً لافتاً عليها من قبل صغار المزارعين وبمساحات غير واسعة خلال السنوات الماضية، وباتت آلاف الأسر تعتمد عليها، وفي المقابل، تشهد منتجاتها رواجاً بين المطابخ الإنتاجية التي تنتشر في المحافظة، في عملية تكاملية يستفيد منها أسر المزارعين والمنتجين.
وقال المزارع رائد السوالمة، إنه يستفيد من قطعة أرض مساحتها بسيطة داخل محيط منزله، ويزرعها سنوياً بالفول والبازلاء وبعض أنواع الورقيات حتى يسد حاجة الأسرة من إنتاجها وبيع الفائض على الحاجة وبأسعار مناسبة.
وبين السوالمة، أن هناك إقبالاً على هذا النوع من المزروعات كونها تسقى بمياه الأمطار ولا تتطلب أي مواد رش أو مبيدات أو حتى أسمدة، وبالتالي فهي زراعات طبيعية تفضلها غالبية الأسر.
إلى ذلك، قال مصدر مطلع في زراعة جرش، “إن آلاف العوائل في محافظة جرش تعتمد على الزراعات الشتوية في توفير احتياجاتهم من الزراعات الشتوية وتسويق ما تبقى عبر المجتمع المحلي، وهذه المنتجات معروفة بجودتها وسهولة زراعتها وانخفاض التكاليف وعدم حاجتها إلى ري أو تسميد أو مبيدات كونها تزرع في فصل الشتاء والإصابات فيها قليلة ولا تحتاج إلى علاجات في أغلبها”.
وأوضح، “أن الموسم المطري ما يزال في أوله ونتمنى أن يكون محملاً بالأمطار خلال أربعينية الشتاء وخمسينية الشتاء، ومن المتوقع أن تكون فيها منخفضات كبيرة تساهم في إنبات الزراعات وتعبئة مشاريع الحصاد المائي”.

الغد// عامر خطاطبة وصابرين طعيمات

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة