“آثار عجلون في عصور الإسلام”.. دراسة ميدانية للموقع والمعالم الأثرية
صدر بدعم من وزارة الثقافة كتاب بعنوان “آثار عجلون في عصور الإسلام”، للباحث الدكتور محمد فاضل الخطاطبة، ويتحدث عن “13” موقعا أثريا يضم: “42” لوحة، “22” شكلا، و “6” خرائط، كما يتحدث عن الموقع الجغرافي والمناخ والتكوين الجيولوجي للمحافظة.
يحتوي الكتاب الصادر عن أبصار ناشرون وموزعون/ عمان، على دراسة الآثار في العصور الإسلامية في محافظة عجلون، التي جاءت في مقدمة ونبذة جغرافية وثلاثة فصول وخاتمة.
الفصل الأول يتحدث عن قلعة عجلون المعلم الأثري الأهم، بينما يتضمن الفصل الثاني دراسة المساجد الإسلامية القديمة في العصور الأموية والأيوبية المملوكية والعثمانية، وخصص الفصل الثالث خصص لدراسة الطواحين المائية على الأودية الثلاثة: وادي كفرنجة ووادي الريان ووادي راجب.
يقول المؤلف في مقدمته للكتاب، إن معظم مدن العشر “الديكابولس”، توجد في هذه المنطقة التي أنشئت في العصر الهلنستي والروماني وأهمها مدينة جرش “دبرتست”، وطبقة فحل “بيلا”، وبيت راس “كابتاليوس”، والقويلبة “بيلا”، وأم قيس “جدارا”، وقد استمر ازدهار المنطقة في العصر البيزنطي ثم الإسلامي.
ويشير الخطاطبة في دراسة سابقة عن محافظة عجلون بعنوان “آثار عجلون في عصور ما قبل الإسلام”، الى أن المراكز الحضارية في محافظة عجلون في العصور القديمة، الحجرية، والعصور البرونزية والعصر الحديدي والعصور الكلاسيكية، الهلنستي والروماني والبيزنطي، قد شملت عددا كبيرا من المستوطنات، التي ضمت عددا كبيرا من الكنائس والاديرة، إضافة الى وجود منجم للحديد في مغارة الوردة، ما يفسر كثافة السكان الذين كانوا يعتمدون على الزراعة، التي اعتمدت على وفرة الامطار والينابيع، وقد استمر الناس في السكن في عجلون بعد الفتح الإسلامي لشرق الأردن في القرن السابع الميلادي، في الفترة الأموية والعباسية.
وبدأت تشهد عجلون، بحسب المؤلف، ازدهارا كبيرا في الفترة الايوبية والمملوكية بعد بناء القلعة، وأصبحت مدينة عجلون مركزا تجاريا كبيرا، وتعددت الأسواق والقياسر والمدارس فيها، مثل: المدرسة اليقينية وسيدي بدر وبناء المسجد الكبير، والمساجد الكثيرة في منطقة عجلون التي بنيت في القرى والمستوطنات، إضافة الى وجود الطواحين على الاودية في كفرنجة واليابس وراجب التي تدل على نشاط اجتماعي واقتصادي، زراعي وصناعي كبيرين.
ويتحدث الخطاطبة عن أهمية الدراسة وتسليط الضوء على آثار عجلون في العصور الإسلامية ومعرفة النشاطات الإنسانية والاقتصادية والحضارية، ومتابعة تطور منطقة عجلون في هذه العصور عن طريق دراسة المعالم الاثرية الإسلامية المختلفة من معالم عسكرية كالقلعة، ودينية كالمساجد، وثقافية كالمدارس والمقامات، وصناعية خدمية كالطواحين المائية الكثيفة التي أقيمت على جوانب الأودية وقرب الينابيع، واستغلال طاقة الماء في توفير الطحين لسكان القرى، والخرب الموجودة على الأودية وفوق الهضاب على امتداد منطقة الدراسة.
ويؤكد المؤلف أن الهدف من هذه الدراسة هو تحديد مواقع المعالم الاثرية الجغرافية، وبيان فترات بنائها، وإبراز أهم الخصائص التي تميزها من النواحي المعمارية والأثرية، وتحديد أهم العوامل التي أثرت عليها، حيث إنه اتبع عدة أساليب للحصول على المعلومات، وذلك بالبحث في المصادر والمراجع الأثرية والتاريخية والدراسات السابقة وما قام به الرحالة السابقون، ونتائج التنقيبات والمسوحات الأثرية، التي أجريت من قبل الباحثين والأثريين الأجانب وما قامت به الجامعات ودائرة الآثار العامة الأردنية ومديرية آثار عجلون.
كما يبين الخطاطبة، أنه اتبع الأسلوب البحث الميداني، والأسلوب الوصفي والمقارن ومقابلة الأشخاص ذوي الخبرة والمعمرين من مناطق الدراسة، والباحثين والأساتذة المختصين ومن لهم بحوث سابقة في المناطق وقد اشتمل على الزيارات الميدانية والاستعانة بالكثير من الصور والخرائط، واخذ القياسات ورسم المخططات، والاتصال الهاتفي مع الباحثين والمجاورين للمواقع، من أجل الحصول على بعض المعلومات، بسبب جائحة كورونا.
ويقول المؤلف في خلاصة الكتاب أن دراسته شملت على أكثر من “25” طاحونة على وادي كفرنجة، ونحو “16” طاحونة على وادي الريان، و”3″ طواحين على وادي رجب من مختلف الاحجام منها الكبيرة، مثل “طاحونة أبو حديد على وادي كفرنجة، وطاحونة الحدادية على وادي الريان، والمتوسطة، وهي النوع الشائع وتنطبق على معظم الطواحين.
ويشير الى التفاوت في شكل الأبراج وحجمها، فمنها المنتظم الشكل ومنها المتدرج، وهذا النوع قليل، وربما كان يعود لعهد أقدم، كذلك فإن حجم البرج كان يعتمد على قوة المياه، وكذلك الطاقة الإنتاجية للطاحونة، لافتا الى أن مواقع الطواحين وبعدها أو قربها من الاودية كان يعتمد على مصدر المياه وطبيعة الأرض، وهناك بعض الطواحين كانت تستند الى الصخر الطبيعي، لتوفير تكلفة البناء ولحمايتها من السيول كون معظمها يقع بالقرب من مجرى الوادي، كما تبين أن هناك طواحين ذات انتاج كيماوي وهي طاحونة المقطيرية التي كانت تنتج القطران، وكانت موجودة قرب القنطرة الحالية.
ويعتبر الخطاطبة ان كثرة الطواحين مشير الى العدد الكبير من السكان في منطقة عجلون، الذي يؤكده مواقع القرى والخرب الموجودة على ضفاف الاودية، وبالقرب من المناطق الزراعية، إضافة الى مدينة عجلون التي كانت مركزا سكانيا كبيرا.
وفي الخاتمة يقول الباحث تشير هذه الدراسة الى استمرار الحياة بشكل طبيعي في عجلون بعد الفتح الإسلامي للأردن في العام “634م”، حيث امتزج الفاتحون بإخوانهم العرب سكان هذه المنطقة، والذين هم امتداد للقبائل العربية الموجودة في الجزيرة التي كانت تربطهم علاقات اجتماعية واقتصادية وثيقة، ويتضح من آثار القرى والمستوطنات الرومانية والبيزنطية الكثيرة في منطقة الدراسة، فمثلا في البداية وكانت تحوي عدة كنائس، بني فيها مسجد بالقرب من هذه الكنائس، وفي موقع سرابيس بني مسجد بالقرب من الكنيسة، وفي عصيم بني مسجد وسط آثار رومانية وبيزنطية، مثلما هو في منطقة الاستب حيث بني مسجد بالقرب من موقع كنيسة مار الياس المشهورة.
وينوه الخطاطبة الى أن التجانس والانسجام بين السكان المحليين وإخوانهم العرب الفاتحين، حيث تحولت غالبية السكان الى الدين الإسلامي الجديد، فلم يهاجروا ويتركوا قراهم واستمروا في حياتهم الطبيعية، وقاموا ببناء مساجدهم بالقرب من هذه الكنائس التي تركت لمن بقي منهم على الدين المسيحي، وفي العهدين الايوبي والمملوكي أصبحت عجلون حاضرة اقتصادية وثقافية في المنطلقة كلها تأتي بعد دمشق والقاهرة.
وينبه المؤلف الى أن عجلون في تلك الفترة كانت تعج بحركة تجارية كبيرة، فكان فيها أكثر من “3” قياسر وأسواق عديدة، لمختلف أنواع المنتجات مثل سوق الادميين والبز العتيق والاقباعية والقططانين وحوانيت البضاعة وسوق الخليع وسوق ام العبد وسوق اللحامين وسوق الأمير ركن الدين وسوق الدباغة وسوق الصاغة وسوق الفامية وسوق الأمير سيف الدين نائب القلعة ومسلخ الماعز وحوانيت الخبازين وحوانيت وقف القاضي فخر الدين وسوق الوقف السقطيين والحصريين، والمطاعم مثل دار المطعم، إضافة الى وجود الحمامات العامة مثل الحمام الصالحي وحمام السلطان.
ويشير المؤلف الى الناحية الثقافية حيث كان هناك العديد من المدارس لم يصلنا منها سوى المدرسة اليقينية وهي مدرسة طبية كانت تحوي كل التخصصات الطبية والمهن المساندة، وكان يدرس فيها نحو “75” مدرسا يرأسهم الطبيب المشهور ابن القف الكركي، إضافة الى خانقاه سيدي بدر، التي ما تزال آثارها ماثلة للعيان في وسط مدينة عجلون.
ويذكر أن عجلون التاريخية تقع في الركن الشمالي الغربي من الأردن، وتمتد من نهر اليرموك شمالا الى نهر الزرقاء جنوبا ومن نهر الأردن غربا الى سكة الحديد شرقا، نتيجة لعوامل مناخية وجغرافية واستراتيجية كانت هذه المنطقة على مر العصور، وبالأخص خلال العهدين الايوبي والمملوكي مأهولة بالسكان وشكلت مراكز مدنية ومستقرات بشرية.
عزيزةعلي/ الغد
التعليقات مغلقة.