أبو طويلة / مصطفى الشبول
عندما انتقلنا من المدرسة الأساسية إلى المدرسة الثانوية كان يسبقنا بصفين (أكبر مننا بسنتين) طالب كان يمتاز بطول القامة ، ففي الطابور الصباحي تجده بارزاً حتى عن من يكبره في السن وفي الصف… فكل من يصطف في الطابور الصباحي يرى رأس هذا الطالب (هذه القصة نقلاً عن أحد طلاب المدرسة التي كان فيها الطالب الطويل)،وكان دائم الابتسامة والضحك (الطالب الطويل) وكان معروف لدى الجميع (طلاب ومعلمين حتى المدير) ب أبو طويلة، وكان لا يزعجه هذا اللقب والكل يحب أن يبني معه علاقة صداقة لتميزه ليس فقط بالطول و أنما بالأجواء المرحة والكلام المازح (يعني كان صاحب نكتة) ، حتى الصف والشعبة المتواجد فيها كانت تسمى بشعبة أبو طويلة … لكن أكثر ما يزعج الشاب الطويل هو عندما يكون مع أهله في السوق أو في مشوار (أي خارج المدرسة) حيث يقوم طلاب المدرسة كبيرهم وصغيرهم بالمنادى عليه أبو طويلة ولا يتوقفوا عن المناداة حتى يغيب عن الأنظار ، فيصيبه الحرج من مَن معه من أهله ، مع أنه كان يوصي أصحابه والطلاب بأن يبقى لقب أبو طويلة فقط بالمدرسة ، لكن لا حياة لمن تنادي …ومع مرور الأيام والسنين اختفى أبو طويلة عن القرية بعد أن أنهى الثانوية العامة بنجاح، فقد شاءت الأقدار بأن يحصل على هجرة عمل ودراسة في بلاد الغرب ، ومن وقتها انقطعت أخباره وزياراته حتى أن أهل البلد نسوه ولم يعد يخطر على أذهانهم … مرت الأيام وعاد أبو طويلة إلى القرية وقد أصبح من أصحاب الأموال ورجال الأعمال بالإضافة إلى الشهادة العليا التي يحملها … وبدأ يستثمر ويضع أمواله في المشاريع التي تنفع القرية وكل مشروع يسميه بلقبه (أبو طويلة) مثل مدرسة أبو طويلة ، ومصنع أبو طويلة ، ومعرض أبو طويلة ….الخ
فجاءه من كان يتعمد بمناداته أبو طويلة بالشارع وأمام أهله بقصد إحراجه ، يقول له يا دكتور : ليش ما تسمي المشاريع باسمك المعهود الدكتور أبو فلان وتنسى أبو طويلة … فيرد عليهم وهو يضحك : لما كنت أحكي ما في داعي تصيحوا لي أبو طويلة بالشارع وأمام الناس وخاصة أهلي وأقول : خلي لقب أبو طويلة للمدرسة ، ما حدا رد علي بالعكس كنتُ تتعمدوا … فقصة أبو طويلة تسوقنا إلى الأشخاص الذين يمارسون ويمتهنون النفاق بكل صوره ، ويتقلبون وينقلبون رأساً على عقب عندما تتعارض الأمور مع مصالحهم ومنفعتهم ، بالأمس كانوا يُمَجّدون ويمدحون أبو فلان لأن جيبه مليان وصاحب سلطة ، واليوم بعدما أنهى عمله وعَسُرت حالته صار ابن فلانة أو أبو كذا (باللقب) … وعلى العكس تماماً (كما حدث مع أبو طويلة) تجد فلان لا يُؤخذ له اعتبار ولا يُسمع له، وعندما تيسرت حاله وعمل الولائم والمناسف صار الشيخ أبو فلان … (فقد قيل عن الخليفة المتوكل بأنه رمى عصفوراً بحجر ولم يصبه .. فقال له وزيره : أحسنت يا مولاي …فقال المتوكل غاضباً: أتهزأ بي ؟…. فقال : لا ، ولكنك أحسنت إليه إذ لم تصبه!).
التعليقات مغلقة.