أزمات تلاحق حكومة الاحتلال.. ومصيرها على المحك
تلاحق الأزمات حكومة الاحتلال الإسرائيلي منذ تشكلها الحديث، ما يضع مصيرها مبكراً على المحك، ما لم تستطع الخروج بتسويات داخلية مرضية لأعضاء ائتلافها اليميني الحاكم، أو تلجأ كالعادة للهروب من مأزقها بتكثيف آلة القتل الوحشية بحق الدم الفلسطيني، وبالصدامات مع الفلسطينيين، الذين شيعوا أمس شهيداً ارتقى برصاص الاحتلال بمواجهات في الضفة الغربية.
حكومة الاحتلال، التي لم تهنأ بهدوء الشارع الإسرائيلي منذ ولادتها اليمينية، واجهت أمس يوماً عصيباً بخروج تظاهرات حاشدة احتجاجاً ضد سياستها الداخلية وللمطالبة بتنحيها، بينما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتنياهو”، صرف أنظار الغاضبين بتأجيج المخاوف من عمليات فلسطينية متوقعة ضد أهداف إسرائيلية حيوية.
وقد انتقلت الأزمة الداخلية للحكومة الإسرائيلية إلى مرحلة حرجة حينما دخل ملف الاستيطان عنصراً حيوياً في خلافاتها أمام الداعين لتعزيز وتيرته بعيداً عن الضغط العربي والدولي، وسط تهديد أحزاب معروفة بكونها “بيضة القبان” الإسرائيلية بحل الحكومة تحت طائلة الاستجابة لمطالبها.
ولم يجد “نتنياهو” سبيلاً لتهدئة الخلافات الداخلية سوى تأجيل النقاش حول ملف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة لجلسة خاصة خلال الأسبوع الحالي، إثر قرار وزير جيش الاحتلال، “يوآف غالانت”، بإخلاء مستوطنة أقامها مستوطنون شرق نابلس في شمالي الضفة الغربية، أمام تصدي الفلسطينيين لعدوانهم.
واضطر جيش الاحتلال تفكيك البؤرة الاستيطانية بعد مواجهات عنيفة مع الفلسطينيين، استخدم خلالها الرصاص المعدني وقنابل الغاز المسيل للدموع، مما أدى لوقوع العديد من الإصابات وحالات الاختناق الشديد بين صفوف الفلسطينيين.
بيد أن إخلاء البؤرة الاستيطانية أجج الخلافات بين أعضاء حكومة الاحتلال، والتي أكدت بدورها دعمها للاستيطان الذي يشكل ديدن برنامجها الأساسي، وفق صحيفة “جروزاليم بوست” الإسرائيلية، شريطة أن يتم، بحسب مزاعمها، بطريقة قانونية، وليس بدون موافقة ألأجهزة السياسية والأمنية الإسرائيلية، على غرار وضع البؤرة الاستيطانية، وفق ادعائها.
ولم يكتف ما يسمى وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف “ايتمار بن غفير”، أسوة بموقف أعضاء اليمين المتشدد، بتأكيد حكومته تعزيز الاستيطان، متهماً رئيسها “بالتخاذل”، ومعتمداً أسلوب الضغط عليه من باب تشديد إجراءات خصم الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية.
ويريد المتطرف “بن غفير” من تلك الخطوة هدفين؛ أولاهما تشكيل ضغط على “نتنياهو” في سبيل تحقيق مطالب تتعلق بملفي التهويد والاستيطان في القدس المحتلة لجهة تكثيف وتيرتهما، وثانيهما محاولة الضغط على السلطة الفلسطينية لوقف تحويل مستحقات عائلات الشهداء والأسرى في سجون الاحتلال.
غير أن التحدي الأكبر الذي يواجه “نتنياهو” يتمثل في محاولة الموازنة بين مطالب الشارع الإسرائيلي بعدم تعيين رئيس حزب “شاس” (الديني المتطرف) “أرييه درعي”، بمنصب وزير، وعدم الالتفاف على قرار ما يسمى المحكمة العليا الإسرائيلية التي قررت إلغاء التعيين، مقابل الرضوخ لتهديد “شاس” بحل الحكومة تحت طائلة رفض تعيينه.
ويعكف حزب “شاس” على دفع سريع لمشروع قانون يسمح لرئيسه “درعي” البقاء في منصبه الوزاري، بعدما بات الحزب يعي استحالة تعيينه رئيساً للوزراء بالإنابة، وفق موقع هيئة البث الإسرائيلية.
كما أن “نتنياهو” ليس معنياً بالعمل على اسناد هذا المنصب إلى “درعي”، خشية حدوث عقدة سياسية، إذ إن هذا الخيار سيلزمه بإسقاط الحكومة الحالية وتشكيل حكومة بديلة، ولكنه وعد بدعوة “درعي” إلى المشاركة في جلسات الحكومة والمجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية الإسرائيلية بصفة مراقب.
وفي أعقاب قرار ما يسمى المحكمة العليا الإسرائيلية بإقالة “درعي” من منصبه كوزير للصحة والداخلية الإسرائيلية، باعتبار تعيينه “تجاوزا لحدود المعقولية”، بسبب إدانته في قضية جنائية مؤخراً، وفق القناة 12 الإسرائيلية، فإن على “نتنياهو” تنفيذه، لأن تخلفه عنه سيجعله متهماً بمخالفة “القانون” وتحقير المحكمة، مما قد يعرضه لتنديد أميركي وتبعات سلبية على زيارته للبيت الأبيض، الشهر المقبل أو الذي يليه.
وفي الأثناء؛ شيع الفلسطينيون جثمان الشهيد طارق عودة معالي (42 عاماً) الذي ارتقى برصاص قوات الاحتلال خلال مواجهات بالقرب من رام الله، بزعم تنفيذه عملية طعن، مما يرفع عدد الشهداء في الضفة الغربية إلى 18 شهيداً، بينهم 4 أطفال، منذ بداية العام الحالي.
ونددت القوى والفصائل الفلسطينية بجرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، مطالبة بتصعيد المواجهة ضد عدوانه وانتهاكاته المتواصلة في الأراضي المحتلة.
وأكدت حركة “حماس” أن “الشعب الفلسطيني سيواصل النضال ضد الاحتلال، ومواجهة جرائمه المستمرة بمزيد من العمليات النوعية حتى زواله عن الأرض والمقدسات.”
بدورها، أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن سياسة “الإعدامات الميدانية” التي ينفذها الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني لن تتوقف إلا بالرد السياسي والنضالي الحازم على هذه السياسة.
وانتقدت الصمت الدولي على انتهاكات الاحتلال وعدم محاسبته على جرائمه المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، بما يشجعه على الاستمرار باستباحة الدم الفلسطيني، داعيةً المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية في العالم إلى التحرك من أجل اتخاذ إجراءات جدية لوقف الانتهاكات.
كما أكدت كل من لجان المقاومة الفلسطينية و”حركة المجاهدين الفلسطينية” استمرار الشعب الفلسطيني بتصعيد المواجهة مع الاحتلال حتى زواله من أرض فلسطين المحتلة.
نادية سعد الدين/ الغد
التعليقات مغلقة.