أعوام على إنهاء ملحقي الباقورة والغمر.. سيادة أردنية لا تقبل القسمة

في مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات، أحدث القرار التاريخي الذي اتخذه جلالة الملك عبدالله الثاني بإنهاء العمل بملحق الباقورة والغمر تحولاً كبيراً في المشهد السياسي والاقتصادي للأردن.

وجاء هذا الإعلان ليعكس التزام المملكة بالحفاظ على سيادتها الوطنية وحقوقها التاريخية، ويعبّر عن إرادة الأردنيين باستعادة الأراضي التي سمح فيها الأردن لإسرائيل باستئجارها بموجب اتفاقية السلام.

وشكلت هذه الخطوة نقطة تحول في العلاقات الأردنية الإسرائيلية، وأعادت تسليط الضوء على قضايا السيادة والأمن الوطني.
وفي 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، وفي خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الرابعة لمجلس الأمة الـ18، أعلن الملك انتهاء العمل بالملحقين.
وحينها، قال جلالة الملك “إن سيادة الأردن على أرضه فوق كل اعتبار”، بعد زيارته برفقة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، منطقة الباقورة شمالي الأردن.
ومن هنا، قال المحلل السياسي والإستراتيجي الدكتور منذ الحوارات، إن مرور خمسة أعوام على استعادة الأردن لمنطقتي الباقورة والغمر، يحمل دلالات سياسية وإستراتيجية مهمة.
وأوضح الحوارات أن القرار الملكي جاء تأكيدا على السيادة الوطنية، وأن الأردن قادر على فرض سيادته الكاملة على أراضيه وفقا لمعاهدة السلام الموقعة بين الأردن ودولة الاحتلال، كما أنه يعتبر بحد ذاته انتصارا في المشهد الدبلوماسي والسياسي للأردن.
وأكد أن القرار الملكي منح الشعور الوطني قوة وعزّز المواقف الأردنية على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما فرض الأردن كلاعب أساسي رئيسي في المنطقة قادر على حماية مصالحه الوطنية في وجه أي تحدّ إقليمي.
ولفت الحوارات إلى أن هذا أعطى القيادة الأردنية رصيدا بأنها قادرة على تحقيق الأهداف الإستراتيجية، كما عزز القرار الثقة الشعبية بالدولة.
وأضاف إن قرار استعادة الأراضي لقي ترحيبا كبيرا بين الأردنيين الذين رأوا فيه قدرة الحكومة على الحفاظ على الحقوق الوطنية وعدم التفريط بأي جزء من أراضي المملكة.
وقال الحوارات إن القرار يعكس حرص الأردن على حماية مصالحه من الخضوع لضغوط إسرائيلية، ما أكد أن الالتزام بالمعاهدات الدولية هو المسار الوحيد للاستقرار والأمن في المنطقة.
وشدد على أن القرار أعاد التذكير بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية بالنسبة للأردن، معتبرا أن مرور 5 سنوات على القرار الملكي هو مناسبة أيضا لتأكيد أهمية الوحدة الوطنية والسيادة في وجه التحديات الإقليمية والدولية.
وتبلغ مساحة الباقورة 820 دونما في شرقي نقطة التقاء نهر الأردن مع نهر اليرموك، احتلتها إسرائيل عام 1950، واستعادها الأردن من خلال اتفاقية السلام.
أما الغمر، فتقع في وادي عربة بين جنوب البحر الميت وخليج العقبة، بمساحة 4235 دونما، احتلتها دولة الكيان خلال الفترة 1968-1970.
إلى ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور بدر الماضي، إن حالة استرداد الباقورة والغمر من قبل الأردن تشكّل محطة مهمة في تحقيق السيادة الأردنية على الأرض المستعادة، والتي كانت عنوانا أساسيا لأي اتفاق مع دولة الكيان.
وأضاف الماضي إنه في الذكرى السنوية الخامسة على إنهاء العمل بهذه الملاحق، يستمر الأردن في مواقفه الثابتة تجاه الحقوق الأردنية في ممارسة كافة أنواع الحماية للدولة الأردنية وشعبها من أي اعتداءات ومن أي طرف كان.
ولفت إلى أنه بمناسبة ما تمر به المنطقة من أحداث ومحاولات لزعزعة أمن واستقرار الأردن، فإن المملكة لن تتهاون في تذكير القاصي والداني بأن أرضها وأجواءها ومياهها “حرام عل كل معتد وعلى كل من يحاول ضرب أمن واستقرار الدولة”.
وأوضح الماضي أن دولة الاحتلال ما زالت تستعرض قوتها دون رادع أخلاقي أو دولي تجاه مناطق عديدة في المنطقة، لكن الأردن بعث برسائله جيدا بطريقة مباشرة وغير مباشرة للكيان، بأن اعتداءاته غير مقبولة، والتفكير بالاعتداء على السيادة الأردنية لن يُسمح به، وأن الأطماع التي تدور في خلد وذهن صاحبها لن تجد إلا صلابة وطنية من قبل كافة الأجهزة العسكرية والأمنية والتماسك الشعبي خلف القيادة وموقفها تجاه استقرار وحماية الأراضي الأردنية.
من جانبه، قال الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد، إن قرار إلغاء العمل بمحلقي الباقورة والغمر الذي صدر منذ 5 أعوام، سبقه تغريدة لجلالة الملك عبر صفحته على منصة “إكس” (تويتر سابقا) يوم 21  تشرين الأول (أكتوبر) 2018 قال فيها “لطالما كانت الباقورة والغمر على رأس أولوياتنا، وقرارنا هو إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام انطلاقاً من حرصنا على اتخاذ كل ما يلزم من أجل الأردن والأردنيين”.
وبحسب أبو زيد، فإن الباقورة منطقة حدودية أردنية تقع شرق نهر الأردن في محافظة إربد في الشمال وتقدر مساحتها الإجمالية بحوالى ستة آلاف دونم (الدونم يعادل 1000 متر مربع)، أما الغمر، فهي منطقة حدودية أردنية تقع ضمن محافظة العقبة (جنوب)، وتبلغ مساحتها نحو 4 كلم مربع احتلتها إسرائيل خلال حرب حزيران 1967.
وأشار إلى أن الظروف التي أعقبت إعلان إلغاء العمل بملحقي الباقورة والغمر مشابهة للظروف الجارية الآن، حيث جاء الإعلان حينها في وقت كانت فيه العلاقات الإسرائيلية الأردنية تشهد توترات معقدة بعد سلسة من الهزات التي تعرضت لها، في صيف 2017، إثر حادث استشهاد أردنيين على يد رجل أمن إسرائيلي يعمل في سفارة كيانه في عمان.
يضاف إلى ذلك كله، حسب أبوزيد، أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية شهدت فتورا أيضا حينها بسبب رفض إسرائيل مقترح حل الدولتين واستمرار سياسة الاستيطان والاقتحامات المتكررة على المقدسات الإسلامية بالقدس، في ظل الوصاية الهاشمية على المقدسات، وكذلك بسبب رفض الأردن ضغوطا دولية وإقليمية للموافقة على خطة السلام الأميركية للشرق الأوسط، التي تعرف إعلاميا بـ”صفقة القرن”.
ولفت إلى أن ذلك يمكن مقارنته بالمشهد الأردني الإسرائيلي الآن، حيث التصعيد في حدة الخطاب الإعلامي من حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، والتي وصل الأمر بها أن تطالب وزير الخارجية السابق ووزير الدفاع الحالي يسرائيل كاتس بتهجير أهالي الضفة الغربية إلى الأردن، بالإضافة إلى استخدام وزير المالية بتسلئيل سموترتش خريطة تظهر الأردن جزءا من فلسطين، في مؤشر على محاولات اليمين الصهيوني اتباع خطاب مناكف للمملكة.
وأضاف أبو زيد إن تقارب شكل العلاقات بين عام 2019 إلى الآن، منذ إلغاء ملاحق العمل باتفاق الباقورة والغمر والأوضاع الحالية، يشير بكل وضوح إلى أن الأردن كما استخدم ورقة الباقورة والغمر لكبح جماح التصرفات الصهيونية المنفلتة، يمكن أن يستخدم أوراقا أخرى، على رأسها الدبلوماسية الأردنية في المحافل الدولية تجاه الانتهاكات الإسرائيلية ورفض الإرهاب الصهيوني في غزة والضفة الغربية تجاه المدنيين العزل.
وقال إن هذا الأمر يزعج دولة الاحتلال التي لم توفر جهدا لخلق حالة من المناكفة الإعلامية كان آخرها الإعلان عن تشكيل فرقة عسكرية على الحدود مع الأردن، الأمر الذي اعتبرته عمان انتهاكا لاتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي بسبب التعدي على المنطقة (ج) داخل الضفة الغربية، والواقعة على الحدود الأردنية مع الضفة الغربية.
وشدد على أنه، رغم محدودية العائد الاقتصادي الذي حقّقه الأردن من استعادة الباقورة والغمر، إلا أن القرار نجح بتحقيق عائد سياسي وسيادي هو الأهم لا يقدر بثمن، في ظل إشارات يدركها الجانب الإسرائيلي الآن، وهو أن الأردن قد يعود لاستخدام أوراق الضغط التي يمتلكها للجم أعضاء حكومة نتنياهو من اليمين المتطرف لوقف سياسة الاستفزاز الإعلامي وإعادة إنتاج صورة سياسية قد تزعج الكيان كما أزعجه إلغاء ملحقي الباقورة والغمر.

محمد الكيالي/الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة