أكاديميون يحتفون بإشهار “مُعجم مفاتيح التراث” لمحمّد عبيد الله
رأى أكاديميون متخصّصون في اللغة العربية إن كتاب “مفاتيح التراث: معجم الأديان المعتقدات والمعارف قبل الإسلام”، يشكّل إضافة مُعجميّة بارزة للمكتبة العربية، تدعم الاهتمام بالموروث العربي وتقدّمه بروح علمية معاصرة إلى القارئ الجديد، إلى جانب ما ينهض به المعجم من هدف صريح في الكشف عن كثير من غوامض تلك المرحلة التأسيسية التي ما يزال البحث فيها مثيرا وقابلا لإضافات كثيرة.
جاء ذلك في الندوة العلمية التي نظّمها قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة فيلادلفيا عبر منصّة (مايكروسفت تيمز) لإشهار كتاب مفاتيح التراث، اول من أمس، بحضور مؤلّف الكتاب د. محمد عبيد الله، وشارك فيها نخبة من أساتذة اللغة العربية في الجامعات الأردنية، وحضر حفل الإشهار وتابعه الجمهور وعلى رأسه د.معتز الشيخ سالم رئيس جامعة فيلادلفيا، وأ.د.خالد السرطاوي، نائب رئيس الجامعة، ود. عصام نجيب عميد البحث العلمي والدراسات العليا. كما حضر الحفل د.فواز عبد الحق الزبون رئيس الجامعة الهاشمية. إلى جانب عدد كبير من الأكاديميين والنقاد والباحثين وطلبة الدراسات العليا واللغة العربية من الأردن وعدد من الدول العربية، وادار الحفل د. غسان عبد الخالق.
عبدالخالق أشار إلى الجهد الكبير الذي بذله عبيد الله في هذا المعجم الموسوعي حتى استوى على هذه الصورة التي يطالعها القارئ بسهولة ويسر، منوها إلى دعم عمادة البحث العلمي في جامعة فيلادلفيا للتأليف والبحث ورعايتها للعلم والعلماء عبر الاهتمام بمشاريع البحث العلمي ودعم نشر الكتب، ومن حصاد دعمها نشر هذا المعجم.
وقدّم مدير اللقاء المتحدّثين الذين عرضوا مادة المعجم ومنهجه وأسئلته، وأجمعوا على الإضافة المعرفية والثقافية والحضارية التي يمثلها، بما فيه من جهد وبحث مستقص واجتهادات تجعله كتابا موسوعيا جديرا بالقراءة والاهتمام.
فيما رأى أستاذ الأدب الجاهلي في جامعة مؤتة د.خليل الرفوع، أن كتاب “مفاتيح التراث” معجمي معرفي يوثق جزءا مهمًّا من ديانات العرب ومعتقداتهم ومعارفهم. ونوّه بالجهد المضاعف الذي بذله المؤلف في جمع مواد الكتاب وتبويبها وإخراجها في صورة تنبئ عن فهم ثاقب لطبيعة العصر الجاهلي الذي امتاز بقيم حضارية ممتدة في التاريخ والجغرافيا كان الشعر أحد سبلها ومعطياتها. ولفت الى أن الكتاب إضافة علمية للمكتبة العربية ومرجع موثوق لكل الباحثين في الميثولوجيا والتراث الديني والمعرفي قبل الإسلام، منوها ان الكتاب دراسة علمية تقف على عصر غلبت عليه الرواية الشفوية، وكثرت فيه المعارف الدينية وتداخلت فيه العلاقات اللغوية والسياسية والدينية مع الأقوام المجاورة، وكل ذلك يحتاج إلى دراسات متبصّرة كهذه الدراسة المعجمية القيمة التي تعزّز المعرفة بالحضارة العربية مع عدم إغفال انفتاحها على الحضارات والثقافات الأخرى.
أستاذة اللغويات في الجامعة الأردنية د. سهى نعجة قالت إن المؤلف استأنف جهود المعجميين الأقدمين والمحدثين، وتوسّل بمنهجية أكثر يسرا في الكشف عن سيرة الدوال، فبسطها (ألفبائيا) في مداخل معجمية تفيد من نظرية الحقول الدلالية، لافتة الى أن عبيدالله عني بالحرص على إبراز شخصيته البلاغية والإبلاغية مما جعله ينفرد بالرأي في مواضع كثيرة، فيوازن ويرجّح ويستنتج في مغامرة جريئة تواجه اعتياص المادة اللغوية المدروسة. وأشارت الى أن أمتاز برؤية معجمية جامعة مانعة في محاورة الدوال اللغوية التي وردت في المنجز اللغوي العربي الموروث قبل الإسلام وإعادة قراءته؛ مركزا على الحفر في مكوّناته المعرفية، وروافده العقلية والنقلية، ومنطلقات معتقداته الدينية، مستعينا ايضا بمنهج أصيل معاصر يفكّك ويعيد البناء مستعصما بمفهوم التماسك النصي، والكثافة اللغوية، والقرائن الحالية والمقالية، وسياق الحال ومفهوم الثقافة.
أستاذ الأدب القديم في الجامعة الهاشمية د.عمر الفجاوي رأى أن المعجم يعد سفرا ثمينا ينضمّ إلى الجهود والمصنفات المرموقة التي وضعها علماؤنا الأقدمون، وذهب إلى أنه يسير في مسلك السلف الصالح من العلماء كالجاحظ وابن قتيبة وأضرابهم من المؤلفين الذين دافعوا عن الثقافة العربية في مواجهة الشعوبية القديمة، ويعد امتدادا لتلك الردود والجهود في دفع مطاعن الشعوبية بطريقة علمية منهجية، تؤمن بحوار الثقافات والحضارات وتفاعلها، بعيدا عن الإزراء بالعرب وثقافتهم واتهامهم بأنهم مجرّد نقلة أو عالة على غيرهم. ودعا الفجاوي المهتمين والباحثين والقراء إلى الإفادة من المعجم وما فيه من رحلة مشوقة بين ألفاظ الجاهلية ولا سيما في المعتقدات والأديان.
أستاذ الأدب القديم والعباسي في جامعة آل البيت د. محمد الدروبي نوّه الى إبراز المرجعيات المعرفية والثقافية المتنوعة التي عوّل عليها عبيدالله، لافتا الى أَهم ما يؤكد تنوع هذه المرجعيات ذلك الثبت الممتدّ من المصادر والمراجع الذي ضمّ عشرات الموارد والروافد التي صرح المؤلف بالنقل عنها، وهي مرجعيات تتمدّد على مدار ستة عشر قرناً، تبدأ بالمدونات الشعرية الجاهلية وتنتهي بالدراسات المنهجية المعاصرة، ما بين تلك وهذه، تبدو سلطة المرجعيات اللغوية والدينية والأَدبية والتاريخية والجغرافية والفكرية والكلامية، فالمرجعيات العائدة إلى القرنين الثالث والرابع تمثل حضوراً كثيفاً، مما يدل على أصالة المرجعيات التراثية التي صدر عنها المؤلف.
وشكر المؤلف د. محمد عبيد الله المتحدّثين على جهدهم القيم في قراءة المعجم والحوار معه، مبينا إنه أراد من هذا المعجم تقديم مساهمة معجمية ثقافية تتصل بالحقبة التأسيسية في الثقافة العربية، وأن إعجابه بجهود قدامى المعجميين والمؤلّفين كالخليل بن أحمد الفراهيدي والجاحظ وابن قتيبة دفعه إلى خوض هذا المضمار المعجمي الشاق لخدمة اللغة العربية التي تستحق منا كل اهتمام ورعاية، وشبه محاولة التأليف المعجمي في العصر الجاهلي بعمل علماء الآثار، إذ ينطوي على الترميم وعلى تصور المجهول والخفي من خلال البقايا القليلة التي كشف عنها التنقيب، وذهب إلى أن بحثه يكشف عن مكانة اللغة العربية بوصفها أطول اللغات الحية عمرا، وأن هذه الحقبة التي يتناولها ما تزال حية وما تزال تعانق الحاضر في امتداداتها الثقافية والحضارية والشعرية.
وخلص عبيد الله إن المعجم ليس كتابا إبداعيا أو نقديا اعتياديا، وإنما هو كتاب يقدّم المعرفة الدقيقة التي لا لبس فيها، فنحن نلجأ إلى المعاجم لتزيل الالتباس والغموض عن بعض الكلمات أو المصطلحات، فإذا لم يقم المعجم بهذا من خلال ما يقدّمه من معرفة دقيقة مقنعة فإنه يكون معجما ناقصا، ولقد “حاولت في هذا المعجم الإحاطة بأهم الكلمات المفتاحية التي لا بد منها لتفهّم التراث الثقافي والحضاري عند العرب قبل الإسلام، وقبل أن أكتب أية مادة كنت أقرأ عشرات وأحيانا مئات الصفحات المرتبطة بالمدخل، وما في معجمي هو خلاصة أمينة موثّقة أحسب أنها أفادت من جهود المعجميين العرب ومن عشرات المصادر القديمة والحديثة، وتوصلت في كثير من المداخل إلى حقائق جديدة وفهم جديد لكثير مما التبس فهمه على المعجميين والباحثين السابقين”.
وبين أن أديان العرب ومعتقداتهم ومعارفهم هي جزء من تصور الأسلاف والإنسان القديم للكون وللعالم وللعلاقة مع الطبيعة ومع قواها الخفية، وليس المهم في الأديان والأساطير القديمة أنها حق أو باطل، وإنما المهم معانيها ودلالاتها، حيث “ترينا جانبا أصيلا مبدعا من كيفية تفاعل الإنسان مع ما حوله، فهي من نوع المعرفة المبنية على الضرورة”.
ويذكر أن د. محمد عبيد الله، ناقد وأديب وأستاذ جامعي، حصل على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأردنية العام 1998م، وعلى رتبة الأستاذية العام 2015، صدر له مؤلفات متعددة في النقد الأدبي والمعجميات والتراث العربي، وله مؤلفات في النقد الأدبي منها: رواية السيرة الغيرية: قضايا الشكل والتناص وجدل التاريخي والتخييلي، بنية الرواية القصيرة وغيرها، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وجمعية النقاد الأردنيين، ويعمل حاليا عميدا لكلية الآداب والفنون بجامعة فيلادلفيا. وله إسهامات متعدّدة في المشهد الثقافي الأردني والعربي منذ بداية تسعينيات القرن الماضي.
عزيزة علي/ الغد
التعليقات مغلقة.