أيقونة التائهين / : سعيد ذياب سليم
تنتشر على ملابس الفتيان و الشباب تصاميم و رسوم لشخصيات أيقونية اشتهرت في عالم الموسيقى و الرياضة والفن، وبعض منها أُخذ من رواية أو فيلم درامي أو عاطفي أو من أفلام الخيال العلمي. من بينها صورة وجه شاب يعتمر قبعة عسكرية بسيطة "بيريه" يظهر تحتها شعر كث ذو حاجبين كثيفين تلمع عيناه غضبا بشارب خفيف و لحية مرسلة غير متناسقة ،تنتشر مرسومة على القمصان و المعاطف و غيرها من ملابس الشباب حول العالم، ساهمت في تسويقها كبرى دور الأزياء العالمية في مواسم الموضة الصيفية و الشتوية أطلقت عليها "” Che Chic أناقة تشي .
نعم تلك هي صورة "تشي غيفارا" أو ما تبقى من ذكرى الشاب الثائر
رمز التحرر و التغيير في أمريكا اللاتينية والعالم الذي اصبح رمزا للأناقة بعد مقتله على أيدي أعداء ما يمثله من اتجاهات.
يا للسخرية! إذ ساعد في نشر هذا التصميم الآلة الاقتصادية التي عمل طوال حياته مناهضا لها ثائرا عليها وعلى نظمها الرأسمالية باعتباره ثائرا يحمل فكرا اشتراكيا ماركسيا.
اصبح علامة تجارية و رمزا من رموز الثقافة الاستهلاكية الدارجة وجها يضيع بين صور لشخصيات عدة أضاءت و بهرت ثم خبت واختفت مثله مثل "الفيس بريسلي" و "مارلين مونرو" و "البيتلز" و "بيليه" و "دكتور نو" و الجميلة و الوحش ..و قائمة طويلة اعتمدت عليها دور الموضة لنشر منتجاتها بين الشباب الذي يحاول البحث عن ذاته و التعبير عنها.
ما الذي يتحكم في توجهات دور الأزياء العالمية لتخلق رموزا ثقافية يتعلق بها الشباب ويتخذها مثالا؟ هل هي الشهرة أم الحب أم الموت؟
ربما الابتعاد عن الحدث زمنيا يساعد في البحث عن شخصية تجسد الذكرى وما يرتبط بها من مشاعر، أيقونة تشعل في القلب شمعة حزن أو بركان غضب.
مثلا بعد خمسين عاما من اليوم ماذا سيرتدي الشباب حول العالم ويثير ذكرى ما يحدث في الشرق الأوسط من تغيير و ما يحدث في غزة من حريق؟
تعالوا نتصفح بعض ما نرى من وجوه يبرزون لنا ليل نهار في الأخبار !
أطفال و نساء بوجوه حزينة نحيلة لفحتها النيران ،عيون غائرة ، خدود بارزة، ملابس مهترئة، بكاء صامت و غضب صارخ، آثار دموع وجراح نشبت فيها مخالب الجوع!
والرجال بوجوه شاحبة و عيون زائغة تائهون في غابة الأرقام تلك، شهداء عددهم كحبات المطر جعل من القطاع مقبرة، وجرحى يتدفقون على ما تبقى من مرافق صحية كالفيضان.
أطفال مشردون في كل مكان، تائهون بلا دليل أو اسم أو عنوان!
فوق شفتي كل منهم قصة كتبتها الآلة العسكرية الإسرائيلية وما استقتها من ذكريات نازية! يركضون إلى مراسلي الأخبار يحسبونهم الغوث يلتفتون يستديرون يحركون أيديهم بإشارات مبهمة يبكون و يلعنوننا! وتلك الفتاة الصغيرة تقص ما رأت من الجنود، أو تلك الطفلة التي تسأل ببراءة المقهورين "أتأخذونني إلى المقبرة؟" أو تلك .. اوذاك .. أيهم يصلح رمزا للمرحلة؟
وماذا عن النساء المجنونات بالحزن الّاتي بالموت فطم صدورهن الأطفال و هجر عناقهن الأزواج وتداعى من حولهن حصن أخ و أب ؟
دعونا نلتفت إلى الشخصيات العظيمة المختبئة في أماكن محصنة تحت الأرض ترقب الشاشات وتضغط على أزرار الأجهزة الإلكترونية!
هل تصلح شخصية "نتنياهو" الكاذب الذي ينافس الشيطان في أنانيته و شره؟ أم "بن غفير" الموبوء بالعنصرية؟
أم تصلح شخصية "بايدن" الذي يلبس ثوبا من العجز و النسيان؟
هل ننتقي بعض من يرتحل في ميدان الرجولة ثائرا يحمل قاذف لهب أو بندقية؟
أم ذلك الملثم ؟ أيصلح ذلك الرمز؟ هل يكون ذلك الرمز؟ هل يتفق عليه الفرقاء؟ ماذا لو كان فتضع رسمه باريس على صدرها!
وهل يبقى منا و من القضية الفلسطينية بل من الشرق الأوسط الذي نعرفه شيئا يمكن أن يثير الذكرى؟
سعيد ذياب سليم
التعليقات مغلقة.