إربد.. شح المخصصات يبقي موقع قويلبة الأثري خارج الخريطة السياحية
إربد – يحول عدم توفر المخصصات المالية الكافية، دون تطوير موقع قويلبة الأثري بلواء بني كنانة في محافظة إربد، رغم أهميته التاريخية والأثرية، إذ بات الموقع المكتشف منذ عشرات السنوات في طي النسيان، ومغلقا أمام الزوار والسياح بسبب عدم جاهزيته لاستقبالهم، فيما توقفت كذلك أعمال التنقيب عن المزيد من الآثار في المنطقة.
لكن مؤسسات مجتمع محلي، تقيم بين الفينة والأخرى نشاطات وبازارات في الموقع الأثري للتذكير بأهميته ومحاولة إنعاشه، وسط مطالبات بإيجاد بنى تحتية مناسبة من دورات صحية وأكشاك، فضلا عن تعبيد الطريق المؤدي إلى ذلك الموقع.
وبدأت عمليات الحفر والتنقيب في منطقة قويلبة المعروفة بـ”أبيلا”، في 1980، حيث تم الكشف عن 3 كنائس، وتم رصف أرضية المنطقة بالفسيفساء، وقبور منحوتة بالصخر، وجزء من شارع مبلط بحجارة بازلتية ومدافن مقطوعة في الصخر تحتوي على رسومات جدارية “فريسكو”، بالإضافة إلى منطقة الحمامات والمدرج.
وكشفت الحفريات الأثرية في موقع قويلبة التي نفذتها البعثة الأميركية من معهد اللاهوت في سانت لويس، بالتعاون مع دائرة الآثار العامة الأردنية، عن الجدار الشمالي لكنيسة بنبت في القرن السابع أو الثامن الميلادي، كما كشفت عن تسلسل طبقي لموقع (تل أبيل) منذ أقدم فترات الاستيطان فيه، كما تم الكشف عن جدران في الطبقات العليا مشيدة من الحجر الكلسي يعتقد أنها تعود إلى الفترة البيزنطية، وعثر أيضاً على معظم المدفن على هذه الضفة الشرقية وعلى مدافن شمسية مقطوعة في الصخر وعلى معصرة زيتون يمكن النزول إليها بواسطة درجات من الحجر الجيري أو الكلس.
وتعد القويلبة من المدن العشر التي ازدهرت في الفترة الرومانسية وتضم: التل الرئيسي المسمى قديما (تل ابيل) والخربة، والوادي، وعلى الضفة الشرقية من الوادي الرئيسي توجد مئات المدافن وقيل أن موقع القويلبة يمثل جميع الحضارات التاريخية.
ويطالب مواطنون بـ”إيلاء الموقع الأثري الأهمية من حيث توفير البنى التحتية اللازمة، واستكمال أعمال التنقيب التي توقفت منذ سنوات لأهمية الموقع الأثري الذي يضاهي مدينة جرش الأثرية”، لافتين إلى أن “هناك أجزاء كبيرة من الآثار ما تزال مدفونة تحت الأرض وهي ذات قيمة تاريخية”.
المواطن محمد عبيدات يؤكد أن “الموقع يفتقر إلى البنية التحتية، فالشوارع المؤدية إليه متهالكة وتنتشر فيها الحفر، إضافة إلى عدم وجود دورات صحية، وتفتقر المنطقة إلى الإنارة أو شواخص إرشادية للتعريف بالموقع الأثري”.
ولفت إلى أن “تأهيل الموقع الأثري وفتحه أمام الزوار من شأنه خلق تنمية اقتصادية في المنطقة من خلال حركة السياح وتوفير فرص عمل لأبناء المنطقة”، مؤكدا ضرورة البدء بأعمال التنقيب وإدراج الموقع ضمن المسارات السياحية.
أما المواطن علي ملكاوي، فيشير من جهته إلى “بطء العمل بالموقع ثم توقفه لسنوات، يحول دون تطويره وإحياء المنطقة، فالموقع مهجور ولا زوار يقصدونه بسبب عدم توفر البنية التحتية في الموقع التاريخي المهم”
كما أكد ملكاوي “ضرورة توفير المخصصات المالية اللازمة للبدء بأعمال الترميم واكتشاف ما تبقى من الآثار التي ما تزال مدفونة تحت الأرض، إضافة إلى أن الموقع بات عرضة للعبث من قبل مجهولين بسبب غياب الاهتمام به”.
وتنتشر على الطرف الشرقي للموقع، المقابر الأثرية محفورة في الصخر والبعض منها ذو أبواب بازلتية تكسو جدرانها قصارة وبعضها تعلوها رسومات جدارية ذات ألوان زاهية وتوجد أوان فخارية وأسرجة وتماثيل وأوان زجاجية وحلي وأساور وأقرطة وعقود وردية.
وتمتاز “قويلبة” بانتشار لوحات فسيفسائية في المدينة جاء في إحداها رسم مزخرف لدبين يأكلان عنقودا من عنب إضافة لوجود رسومات كثيرة لغزلان ورسوم لشخصيات مرموقة وكتب تحت كل لوحة أو رسم اسم صاحبها، كما تكثر في السفح الغربي، الجرار الفخارية التي صممت لوضع رفات الأموات داخلها، وأقام سكان المنطقة القدماء جسرا حجريا ليتم ربط الجانب الغربي بالشرقي.
والكنائس في قويلبة قديمة وعددها خمس هي: كنيسة المنطقة (شرق المسرح)، وكنيسة التلة، وكنيسة أم العمد، وكنيستان قربهما وقد عثر في أرضية هذه الكنائس على قطع مربعات الفسيفساء ذات اللون الذهبي والتي ربما استخدمت في تزيين المحراب والجدار الشرقي، وتؤرخ الكنيسة إلى العهد الأموي.
وبلطت أرضية تلك الكنائس بحجارة ذات أشكال هندسية، واستخدمت الفسيفساء لتزيين الهيكل وعثر على قطع من حاجز الهيكل في المصلى كما عثر على أجزاء من مصابيح زجاجية كانت تعلق في الثريا لإضاءة الكنيسة.
بدوره، قال مدير مديرية الآثار في محافظة إربد، الدكتور زياد غنيمات، إن “مساحة الموقع الأثري في منطقة قويلبة 700 دونم، بينما نسبة ما هو مكتشف من المدينة الأثرية القديمة يبلغ 5 % من المجموع الكلي للموقع”.
وأشار إلى أن “مجلس المحافظة يقوم سنويا برصد ما يقارب 5 آلاف دينار للموقع وهذا المبلغ لا يكاد يكفي للقيام بأعمال النظافة وإزالة الأعشاب الجافة من الموقع”، لافتا إلى أنه “تم طلب تخصيص 400 ألف دينار لقطاع الآثار هذا العام، إلا أنه لم يتم تخصيص سوى 60 ألف دينار لجيمع المواقع الأثرية في المحافظة”.
وأضاف غنيمات، أن “شح المخصصات المالية يحول دون تطوير الموقع الأثري رغم أهميته التاريخية وهو بحاجة إلى ملايين الدنانير من أجل تطويره وتأهيله وفتحه أمام حركة الزوار وطرحه على الخريطة السياحية، وإيجاد موقع خاص باستقبال الزوار والسياح لتعريفهم بالقيمة التاريخية والأثرية له وإطلاعهم على الكنوز الأثرية الموجودة في الموقع”.
وأكد أن “مديرية الآثار قامت بتعيين حارس في الموقع الأثري من أجل حمايته من العبث والتخريب، ونأمل أن يتم في السنوات المقبلة رصد المخصصات المالية الكافية من أجل البدء بأعمال التنقيب في الموقع واكتشاف ما تبقى من آثار”، لافتا إلى أن الآثار العامة بدأت بالتنقيب بالموقع منذ عشرات السنوات وما تزال مستمرة.
التعليقات مغلقة.