إربد: معاصر حجرية تطوع التكنولوجيا.. وتواصل العمل منذ ألفي عام ( فيديو )
إربد- ما تزال بعض معاصر الزيتون الحجرية في لواء الكورة بمحافظة إربد صامدة منذ ما يقارب ألفي عام في وجه الزمن والتكنولوجيا الحديثة التي غزت معظم القطاعات الإنتاجية بالمملكة، وتعمل بطاقتها الكاملة، بطريقة “الزيت المسلوق” الذي تشتهر به هذه المعاصر.
ويعود تاريخ هذه المعاصر، التي تعمل وفق الطرق التقليدية القديمة، إلى العصور الرومانية البيزنطية في المنطقة.
وقال رئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة الأردنية الدكتور أحمد جبر الشريدة، إن معاصر الزيتون الحجرية أو ما يسمى بالكلاسيكية، ما تزال تحافظ على وجودها برغم التطور التكنولوجي الذي شهدته الأردن، وإدخال الآلات الحديثة في عملية عصر الزيتون.
ولفت الشريدة، إلى أن عمر تلك المعاصر يزيد على 2100 عام، فيما اضطرت تلك المعاصر لإدخال بعض التكنولوجيا الحديثة، كالمواتير الآلية التي تساعد على تحريك الأحجار التي تهرس ثمار الزيتون.
وأشار إلى أن المعاصر الحجرية في اللواء وعددها 3، اثنتان في بلدة تبنة، وأخرى في بلدة مرحبا، تشهدان إقبالا كبيرا من المزارعين.
ولفت إلى أن المزارع يقطف ثماره، وبعدها يطبخه بوضع الثمار في برميل خاص لنصف ساعة تقريبا، وبعدها ينشر الثمار على سطح المنزل لأسبوعين، ثم يمضي فيعصرها بمعاصر حجرية، بالإضافة إلى هناك مزارعين ينشرون مباشرة ثمارهم تحت أشعة الشمس لأسبوعين.
وأكد الشريدة، أن الزيت المسلوق يتميز بطعمه الرائع، لافتا إلى أن كلغم الزيت المسلوق يباع بـ7.5 دنانير، أي بمعدل 120 دينارا لصفيحة الزيت منه سعة 16 كلغم ونصف، عكس الزيت العادي الذي يباع الكيلوغرام منه بـ5 دنانير.
ولفت إلى أن هناك نموذجين للمعاصر: الأولى، عبارة عن قاعدة صخرية على شكل جرن عميق، يرتفع في وسط كتلة صخرية أسطوانية مثقوبة، فيها عصا خشبية تسمى العروس، ثم حجر البَد، وهو أملس صغير الحجم، مثقوب وسطه، تدخل فيه عصا مربوطة بحبل من أجل الدوران.
أما النوع الثاني، فيطلق عليه معصرة الجاروشة، وتعود إلى العصر الروماني البيزنطي، وهي عبارة عن جرن مصنوع من الحجر الجيري الصلب، والبَد المكون من حجر مستدير مثقوب الوسط، تخرج منه عصا خشبية تسمى القصعة، إذ يهرس الزيتون على سطح القصعة، ثم يضغط عليه باليد لاستخراج الزيت.
وأضاف الشريدة، بأن ميزات عصر الزيتون في المعاصر الحجرية لا تتوقف عند طعمه وشكله المميز، بل تتعداها إلى الحفاظ على العادات والتقاليد التي تمتاز بها منطقة الكورة، في ظل وجود أشجار زيتون رومانية معمرة، يشتهر بها اللواء.
وقال إن هناك متعة في مشاهدة ثمار الزيتون أثناء عصرها في المعاصر الحجرية، بحيث تحتاج عملية العصر الى ساعات لحين استخراج الزيت، إذ يمضي المزارعون الموجودون في المعصرة أحاديثهم عن الزيتون ومواسمه.
وأضاف الشريدة، أن المعاصر الحجرية توفر فرص عمل للمتعطلين، لأنها تعتمد على العنصر البشري أكثر من الآلات، فيما اضطرت معاصر حجرية إلى تحويل بعض مراحلها، كالدرس بالماتورات الكهربائية.
وأكد أن المعاصر الحجرية صديقة للبيئة أكثر من الحديثة، في ظل عدم إخراجها لمياه الزيبار التي يعد مشكلة بيئية، لعدم وجود محطات خاصة لتفريعه.
وأشار إلى أن عملية طحن أثمار الزيتون تحت الحجر، تحتاج إلى ساعات طويلة وبمياه باردة، عكس المعاصر الحديثة التي يسخن فيها الماء، وبالتالي تحافظ طريقة المعاصر الحجرية على طعم الزيت، ويأخذ الزيتون حقه في عملية الطحن.
وعملية العصر أو (الدّراس) في المعاصر الحجرية، كما يعرفها المزارعون، تجري وضع الثمار في الحوض، وبعدها تنقل عبر مضخة لفصل البذور عن الأوراق والعوالق، لتستقر فوق أرضية حجرية، ثم يعمل حجران دائريان كبيران على طحن الثمار.
وبعد أن يأخذ الطحن وقته، يُنقل الزيتون المطحون الى حوض أصغر ليسكب بعدها فوق قطع من الخيش الدائري، تعرف بـ”القفاف”، وتوضع فوق بعضها على عربة حديدية تعرف بـ(الشدة)، لتُضغط بواسطة آلات خاصة (مكابس) لمدة زمنية معينة، يصار من خلالها الى فصل الزيت عن مخلفات الزيتون الجافة المعروف بـ”الجفت”.
ثم ينقل الزيت الى آبار مخصصة وآلات تعرف بالفرازات، تفصل الزيت عن أي مواد أخرى كالماء والشوائب. وفي هذه الأثناء، تكون مخلفات الزيتون (الجفت) قد أزيلت من فوق قفاف الخيش، بحيث يستخدم هذا الجفت بديلا للحطب وإشعال النيران لدى المزارعين.
وأشار المزارع محمد بني يونس الى أن المزارعين في اللواء، ما يزالون متمسكين بعصر ثمار الزيتون في المعاصر الحجرية، لما تسبغه من مذاق مميز على الزيت الذي يعرف بـ”المسلوق”، بعد أن يجففه الزيتون ويسلق.
ولفت إلى أن هناك إقبالا لافتا من المواطنين على شراء الزيت المسلوق، مؤكدا أن المواطن، يحجز صفيحة الزيت قبل قطف الزيتون بسعر 120 دينارا، مؤكدا أن الزيت المسلوق صحي، ويمكن تخزينه لسنوات طويلة، ما لم يتعرض لأشعة الشمس.
وأكد المزارع محمد بني عيسى، أن أكبر التحديات التي تواجه المعاصر الحجرية المتبقية في اللواء، عدم توافر قطع غيار لها، في حال تعطلها، ولا يوجد لها قطع في الأردن، لكن يجري استيراد قطعها من الخارج، وهي باتت مهددة بالزوال بعد سنوات، في حال لم يجر توفير قطع لها في السوق المحلية.
وأشار إلى أن الزيت المسلوق المعصور في المعاصر الحجرية، يصدر الى الخارج وبكميات كبيرة، وهو مطلوب في دول الخليج ولدى المغتربين في الخارج لمذاقه المميز.
وتوقعت مديرية زراعة محافظة إربد، إنتاج 15 ألف طن زيت زيتون للموسم الحالي و80 ألف طن من ثمار الزيتون، منها 8 أطنان للكبيس.
وتحتضن محافظة إربد وحدها 51 معصرة حديثة، فيما تقدر مساحة الزيتون في المحافظة بنحو 159,537 ألف دونم، وفي لواء بني كنانة وحده تبلغ مساحة الزيتون الكلية 88094 دونما، وتعادل 10 % من الزيتون المزروع في المملكة، وعدد المعاصر في اللواء 21 معصرة.
أحمد التميمي/ الغد
التعليقات مغلقة.