“اتفاق المصالحة الفلسطينية ”.. نسخة مكررة تخلو من ضمانات النجاح
لم تختلف كثيرا النسخة الأحدث من اتفاق المصالحة الفلسطينية، الموقعة مؤخرا في الجزائر، عن سابقاتها الممهورات تباعا منذ خمسة عشر عاما، باستثناء بند تشكيل الفريق العربي المتابع لنفاذها، مما يجعل من أمر غياب ضمانات نجاحها تحديا صلدا أمام إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية المنشودة، في مواجهة عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل بحق الشعب الفلسطيني.
ويبدو أن نجاح الجهود الجزائرية الحثيثة، بعد طول عناء، في رأب صدع الخلافات العالقة بين حركتي “فتح” و”حماس” لأجل الجلوس معا على طاولة الحوار الوطني، إلى جانب الفصائل الفلسطينية الأخرى، لا يعد “صك” ضمانة لترميم الملفات الشائكة التي لم تجد سبيلا للحل حتى الآن، مثلما لا يسبغ الفريق الجزائري العربي، المُكلف بمتابعة تنفيذ الاتفاق، بالضرورة الأجواء المتينة الحاضنة لنجاحه، ما لم تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية عند طرفي النزاع لتغليب الخلافات نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية فعلياً.
وفي الظاهر العام؛ فإن بنود اتفاق الجزائر تضم أسسا حيوية ثابتة، تم تكرارها في اتفاقيات المصالحة السابقة، حيال التأكيد على أهمية الوحدة الفلسطينية، واعتماد لغة الحوار والتشاور لحل الخلافات على الساحة الفلسطينية، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”، وتعزيز دورها، واتخاذ الخطوات العملية لإنهاء الانقسام فوراً.
في حين تم نسخ السقوف الزمنية المحددة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني خلال عام واحد من توقيع إعلان الاتفاق، والتي سبق الإجماع عليها، ما لم تعد إشكالية “التتابع” أم “التزامن” إلى واجهة التنفيذ مجددا، وذلك عند ترك الديباجة العامة للاتفاق نحو الدخول في التفاصيل، التي تضم الكثير من مواطن الخلاف الفصائلي.
بيد أن التراجع الأكبر في الاتفاق تجلى في إلغاء البند المتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية، بعدما كان مُدرجاً في المسودة التمهيدية، وذلك إزاء فشل التوصل إلى صيغة تسوية بين “فتح” و”حماس” حيال مسألة الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، والتي ترفضها “حماس”، أسوة بموقف كل من حركة “الجهاد الإسلامي” والجبهة الشعبية- القيادة العامة، لأنها تعني الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وهو أمر منبوذ كليا بالنسبة إليهم.
وبذلك؛ فقد خلت بنود الاتفاق من ركن أساسي لنجاحه، لدى شطب البند الخاص بتشكيل حكومة جديدة، والمعنية بالإشراف على توحيد المؤسسات الفلسطينية، وعلى عملية الانتخابات، بدون توضيح الآلية البديلة للتطبيق في حال فشل تشكيل الحكومة.
ولم يدخل اتفاق الجزائر في التفاصيل، التي تركها لحين النقاش، ولكنه بذلك يكون قد أجل لحظة الصدام إلى مرحلة قادمة لا أكثر، في ظل رغبة الجزائر، البلد المضيف المعروف بمواقفه التاريخية الداعمة للقضية الفلسطينية والمُناصرة للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، في أن يقدم الاتفاق إلى القمة العربية، التي يستضيفها الشهر المقبل، بوصفه انجازاً جزائرياً فلسطينياً ومطلباً عربياً حيوياً.
ملفات شائكة
غير أن التحديات الكبرى تكمن في التفاصيل؛ عند تحويل الاتفاق من نطاقه “الورقي” إلى حيزه “التطبيقي” الأشمل؛ وذلك عند بحث الملفات الشائكة والمؤجلة، والممثلة في تفعيل منظمة التحرير، والنظام السياسي، وإجراء الانتخابات، والحكومة، والأمن، مما يجعل المهام شاقة أمام الطرفين، عند توافر الإرادة الجدية لتذليلها، وعدم توظيف الاتفاق “كطوق نجاة” مؤقت.
وقد يشاق النقاش أكثر عند الدخول في قضايا تمكين الحكومة القادمة من أداء عملها في قطاع غزة، أسوة بالضفة الغربية، وحل قضية موظفي قطاع غزة، المقدرين بنحو 40 – 50 ألف موظف، في إطار استيعابهم ضمن مراتب السلطة الفلسطينية، فضلا عن ملف المعابر في غزة.
ويقف تباين البرنامج السياسي حجر عثرة عند الإيغال بعيدا في تطبيقات لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير، التي تستهدف دخول حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” تحت مظلتها، في ظل غياب الأرضية السياسية المشتركة بين “فتح” و”حماس”.
ويبدو أن وثيقة “المبادئ والسياسات العامة” الرسمية لحركة “حماس”، لم تًسهم في تقريب حدود المسافة البعيدة مع حركة “فتح”، برغم غلبة اللغة السياسية الأقل تشددا على خطابها العقيدي الأيديولوجي، وهو الأمر الذي عكس نفسه في تأكيدها “احترام الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير مع سلطات الاحتلال، إذا التزمت الأخيرة بها، ولكن بدون الاعتراف بالكيان الإسرائيلي”.
وقد يبرز الشد هنا عند مشاورات تشكيل الحكومة القادمة، أو إجراء الانتخابات، فيما تطل قضية التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية والاحتلال برأسها الثقيل على أفق أي تحرك لتحقيق المصالحة، عدا تباين منظور الحركتين حيال تفسير بنود اتفاق المصالحة، والمغزى المستفاد من مضمونه.
قيود إسرائيلية
يحضر العامل الإسرائيلي في حيثيات تغذية الانقسام وتعميقه، بسبب سيطرته على ثلاثة ملفات على الأقل من تلك المطروحة على طاولة الحوار الفلسطيني، وهي الحكومة، والانتخابات، والأمن، وقدرته على تعطيلها وإفشالها.
وتشكل الوحدة الفلسطينية مصدر قلق إسرائيليا وازنا لما من شأنها كسر الأمر الواقع الحالي الذي يحرص الاحتلال على استمراريته في الأراضي المحتلة.
ويعد الاحتلال المستفيد الأول من استمرار الانقسام لمتابعة مشروعه الاستيطاني التهويدي في فلسطين المحتلة، والركون إلى واقع القطيعة بين الضفة وغزة للتدليل على ما يدعيه أمام المجتمع الدولي من مزاعم عدم وجود شريك فلسطيني، وانتفاء ركائز إقامة الدولة الفلسطينية المتصلة على حدود 1967.
ولطالما استبقت سلطات الاحتلال أي جهود لتحقيق المصالحة الفلسطينية بإعلان موقفها الرافض للتفاوض مع حكومة فلسطينية تضم “حماس”، في حال لم تتخل الأخيرة عن سلاحها، وعما سمته “العنف”، وتعلن الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يصطدم مع ثوابت الحركة وأسس فصائل المقاومة الفلسطينية في ظل بقاء الاحتلال جاثماً فوق أرض فلسطين المحتلة.
نادية سعد الدين / الغد
التعليقات مغلقة.