اسبانيا .. تخبط مستمر / منير دوناس

 

 

 

ان المتأمل في وضعية اسبانيا خلال العقد الأخير، يرى تراجعا كبيرا على عدة مستويات، فهي

أضحت أكثر من أي وقت مضى، مخنوقة اقتصاديا، متذبذبة سياسيا، متأزمة اجتماعيا، ضعيفة

التأثير دوليا.

ولتغطية كل تلك النقائص فهي تتعمد افتعال النزاعات وخلق الأزمات والركوب على الكثير من

القضايا، ناهيك عن التدخل في الشؤون الداخلية للكثير من الدول.

ولا يختلف اثنان على التراجع المهول للمكانة الدولية لهذا البلد، على كافة الأصعدة:

فعلى المستوى المتوسطي هناك خفوت واضح وعدم تأثير في القضايا الرئيسية للفضاء

المتوسطي، خصوصا مع بروز قوى اقليمية في هذه المنطقة الاستراتيجية، أبرزها المغرب

والذي يشكل سدا منيعا في وجه الكثير من المخططات الاسبانية، والتي كان اخرها استقبال

“المجرم” زعيم مرتزقة ما يسمى بالبوليزاريو، والكثير من المؤامرات التي تحاك خلف الكواليس.

أما على صعيد الاتحاد الأوروبي فهناك انتكاسة أخرى، حيث أصبحت تشكل دولة مكملة لا غير

داخل هذا التكتل القاري، ويتضح ذلك بجلاء عدم فعاليتها في انعدام قدرتها على فرض

أو تمرير الكثير من مخططاتها، مما جعلها غير مرنة.

وأيضا في منظمة الأمم المتحدة يتكرر نفس ما قلناه أعلاه بشكل حرفي، مما جعلها غير مؤثرة

وتنصف دولة من الدرجة الثانية داخل كل تلك التكتلات.

ولدرء كل ذلك الضعف الواضح والملموس، فهي تقوم بتسخير الكثير من الوسائل لطمس الحقائق

وتشويه جيرانها والقيام بمحاولات يائسة لشيطنتهم، كتوظيف ما يسمى في عصرنا هذا ب”القوى

الناعمة” وعلى رأسها السينما، الدراما…

كما أن جزءا من الاعلام الاسباني يتحمل قسطا كبيرا من المغالطات والادعاءات التي تنشر دون

حس مهني ولا تحسب للأضرار الناجمة عن ذلك.

كما لا يجب أن ننسى التأثير السلبي لبعض الأحزاب هناك، فبعضها متخصص في تغذية الحقد

والعنصرية والخطاب الدوني ضد شمال افريقيا والمغرب خصوصا، مما يجعلها فاقدة للمصداقية

وللأخلاق السياسية النبيلة، وخير دليل هي المواقف المنحازة والمغرضة خلال نصف السنة

الماضية وما تلاها والكثير من المواقف التي تنكرت فيها لمبادئ حسن الجوار وللتاريخ المشترك.

فالعقم الدبلوماسي لهذا البلد جلي ويتجلى ذلك في عدم قدرتها على اقناع حتى بعض حلفائها

في ما تقوم به ضد الوحدة الترابية للمغرب، حتى أن الكثير من الدول الحليفة لها كانت تتعامل

بشئ من السخرية ضد الادعاءات المغرضة المجانبة للمنطق وللواقع ولحسن الجوار.

الشئ الذي جعلها معزولة سياسيا بما تحمله الكلمة من معاني.

ان مواصلة الجارة الشمالية في تجاهل تلك الحقائق الساطعة والوقائع الجلية سيؤدي بها الى

مواصلة الغرق في بحر عميق من الأوهام والموج الأحمر يتحداك.

فيجب أن يعلم هذا البلد أن زمان تأليف الأساطير وتسويقها للرأي العام الدولي قد ولى.

والحال أنها تعيش في أزمة أقليات مؤسفة جدا خصوصا الكتلان، الباسك… دون الحديث عن

اضطهاد أحفاد مسلمي الأندلس، وناهيك عن التمييز ضد الكثير من الجاليات هناك.

لذا يجب على المنظمات الدولية وخصوصا المتخصصة في حقوق الانسان فتح تحقيقات في

تلك الأوضاع اللا انسانية وتوقيع العقوبات اللازمة لردع تلك التجاوزات الخطيرة والجسيمة.

فيجب أن تستوعب اسبانيا أن ميزان القوى قد تغير، فالمغرب قد أضحى قوة اقليمية بامتياز

واقتدار، ولا يمكن تجاهل قوته الدبلوماسية والاقليمية، لأن عين الحقيقة الساطعة شئ اخر،

فمغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وأسطر عليها بالبنط العريض.

وأختم بهذه الأبيات الشعرية والتي تلخص الكثير وان في الشعر لحكما:

لقد أسمعت لو ناديت حيا

ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نار نفخت بها أضاءت

ولكن أنت تنفخ في رماد

 

منير دوناس /  المغرب
باحث وممثل شمال افريقيا في برلمان الشباب الافريقي

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة