“استثناءات التقاعد” في القطاع العام.. دعوات للبعد عن “المزاجية”
– أكد خبراء في تطوير القطاع العام، أهمية ألا يكون هناك أي “مزاجية” بتطبيق نهج إحالة موظفي القطاع العام، ممن بلغت خدمتهم 30 عاما، إلى التقاعد، بل على العكس يجب أن يكون قرارًا جادًا وشبه شامل، قائم على معايير وأسس واضحة التطبيق.
ونادوا في أحاديث مُنفصلة لـ”الغد”، بضرورة أن تكون الاستثناءات في هذا الموضوع “محدودة للغاية، بحيث لا يتعدى الأخصائيين من الأطباء فقط”، مُجمعين على أن الحكومة مُلزمة أكثر بالاستجابة لتحقيق الرشاقة المؤسسية في كل مجالات عملها، ما يؤهل أجهزة القطاع العام لأن تكون أكثر مرونة وفاعلية وبأقل التكاليف.
وفيما أكدوا أنه لا يمكن مواجهة التحدي بوجود جهاز إداري ضخم وإنتاجية متدنية، تساءلوا “هل تلجأ الحُكومة لاتخاذ قرار يقضي بتخفيض 40 % من موظفي القطاع العام دفعة واحدة؟.
واقترحوا حلولا تقضي بتقسيم الموظفين إلى 3 فئات، الأولى: تشمل الموظفين ذوي الأداء المتدني (دون المستوى المطلوب)، وهؤلاء يحالون إلى التقاعد، وفقًا للتشريعات النافدة، والثانية: تشمل ذوي الأداء ضمن المطلوب، بحيث تخصص لهم حوافز لتشجيعهم على التقاعد، والثالثة: تشمل ذوي الأداء العالي (أعلى من المستوى المطلوب)، ممن يشغلون وظائف حرجة، وهؤلاء يستثنون فقط، شريطة ألا تزيد نسبتهم على 1 % من موظفي الدائرة، وأن تقدم الدائرة معززات تثبت ذلك.
وكانت الحكومة قالت، في تصريح صحفي سابق على لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام فيصل الشبول، إن النهج الذي تتبعه الحكومة في عمل الموظفين في القطاع العام، يتلخص بالتقاعد بعد 30 عامًا عن العمل، وأن الاستثناءات في هذا المجال “نادرة جدًا، لا تتجاوز الـ5 %، عبر الاحتفاظ بموظف يتمتع بكفاءة مُعينة”.
وأوضح الشبول، أن الحكومة تسعى إلى ترشيق وتحفيز الموظف، وتطبيق سياسة الثواب والعقاب، مشيرًا إلى أن إحلال الموظفين الجدد، يحتاج لتدريب وتأهيل لإنجاز العمل وتطوير الأداء الحكومي.
إلى ذلك، أكد وزير تطوير القطاع العام الأسبق الدكتور ماهر المدادحة، ضرورة ألا يكون هُناك أي “مزاجية” بتطبيق نهج إحالة موظفي القطاع العام، ممن بلغت خدمتهم 30 عامًا إلى التقاعد، قائلًا إنه يتوجب أن يكون قائمًا على معايير وأُسس واضحة التطبيق، فضلًا عن الشفافية.
وقال، إن توجه الحكومة للاستغناء عن الموظفين الذين أكملوا خدمة 30 عاما، له إيجابيات وسلبيات، إذ تتمثل الإيجابيات بالتخلص من التضخم في أعداد الموظفين الذين لا تحتاجهم مؤسساتهم، وضخ دماء جديده في المؤسسات من موارد بشرية متعلمة ومدربة بشكل اكبر.
وأضاف المدادحة، أما سلبيات الإقدام على تلك الخطوة، فهو التأثير على كفاءة المؤسسات نتيجه فقدان كفاءات وخبرات عالية المستوى بمهنيتها ومعرفتها، وعليه أرى أن تطبيق الحكومة لهذا التوجه، ضمن آلية واضحة لتقييم أهمية الموارد البشرية الضرورية لإنجاح عمل المؤسسات، مع اعتماد برامج إحلال وظيفي لتأهيل الصفوف التالية، ورفع درجة كفاءتها تجنبا لخسارة هذه الكفاءات.
بدوره، بيّن مدير عام معهد الإدارة العامة السابق راضي العتوم، أن إصلاح الخلل أصبح واجبًا وفرض عينٍ على كل مسؤول وقيادي في الدولة، قائلًا إن فتح المجال أمام تقاعد ممن خدم 30 عاما في الدولة، ينبغي أن يكون قرارا جادا وشبه شامل، إلا باستثناء محدود للغاية، لا يتعدى الأخصائيين من الأطباء فقط.
وأضاف أن ذلك، يعني فتح مجالات التوظيف لكوادر جديدة شابة في المؤسسات والدوائر، فضلًا عن ضرورة التركيز على أمرين، الأول: على التدريب والتأهيل المتخصص للموظفين الجدد والحاليين، لتعزيز الكفاءات والقدرات البشرية.
أما الأمر الثاني، وفق العتوم، فيتبلور بفتح الباب على مصراعيه للإجازات دون راتب، وللإعارات خارج المملكة، بل ومساعدة من يرغب بالخروج للعمل خارج الأردن، بكل الوسائل الفنية والإدارية الممكنة، ما يعني فتح شواغر عمل اضافية للشباب المنتظر للعمل، وتحفيز الخارجين من الأردن للعمل، ودعم ميزان المدفوعات بالحوالات الخارجية من العملات الأجنبية.
وشدد على أهمية، أن تعيد الحكومة النظر بنظام الخدمة المدنية، بما يسمح ويعزز من سهولة موافقتها على الإجازات دون راتب وعلاوات، والإعارات للخارج، وفتح المجال لإعادة تنشيط التعيين في الدوائر، بما يعزز ويكفي المطلوب من الكوادر لإنجاز الدوائر والمؤسسات لخططها التنفيذية، والتي يفترض بأن تشتق من خططها الاستراتيجية.
وقال العتوم، إنه لا شكّ بأن إعادة تنظيم الموارد البشرية، يعدّ أمرا غاية بالأهمية، بخاصة وأن سوق العمل، يُعاني من بطالة متفاقمة، هذا من جانب، ومن جانب آخر حاجة الحكومة لإصلاح الاختلال الهيكلي الذي خلقته الحكومات السابقة؛ والمتمثل باتساع الفجوة العمرية بين العاملين في القطاع العام.
واوضح انه من الغريب، ومن عدم الرشد الإداري، وجود موظف مبتدئ في الوظيفة بعمر الـ35 او الـ40 عاما، فهذا يهدد جودة العمل العام، ويُضعف انتاجيته، ويقلل من كفاءة وفعالية أداء القطاع العام برمته، بالإضافة إلى ضعف الإدارة العليا، والقيادات العليا في تحقيق رؤية واستراتيجية الدوائر والمؤسسات.
وقال العتوم، إن السلوك الاداري للعشرين عاما الماضية، أفضى إلى خلل جوهري تمثّل بفقدان الخبرات والمؤهلات المتميزة من الكوادر البشرية العاملة في القطاع العام، جرّاء تدني رواتب ودخول غالبية الكفاءات البشرية، ما جعلها تهاجر للعمل في الخارج.
يُشار إلى أن عدد من يعملون في القطاع العام المدني يصل الى 220 ألفا، ونحو 174 الفا يعملون في مؤسسات غير مشمولة بنظام الخدمة المدنية، وفق تقرير حالة البلاد لعام 2019، أي بنسبة وصلت إلى 3.7 % من إجمالي عدد السكان.
من ناحيته، قال أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الادارة العامة سابقا عبدالله القضاة، إن الحكومة ملزمة أكثر بالاستجابة لتحقيق الرشاقة المؤسسية في كل مجالات عملها؛ وهذا يعد من أهم الأمور التي تؤهل أجهزة القطاع العام، لتكون أكثر مرونة وفاعلية وبأقل التكاليف، مؤكدًا أنه لا يمكن مواجهة التحدي بوجود جهاز إداري ضخم وإنتاجية متدنية.
وأشار القضاة إلى تقرير حالة البلاد في العام 2018، والذي تطرق لدراسة أجريت العام 2012، كشفت عن أن المعدل العام، لعدد ساعات العمل المنتج لدى موظفي القطاع العام، هو أربع ساعات يوميا كحد أقصى، ما يؤشر لارتفاع نسبة البطالة المقنعة، قبل جائحة كورونا، وقبل استخدام منصات تقديم الخدمة عن بعد؛ ما يعني إمكانية الدولة الاستغناء عن 40 % من موظفي القطاع العام كحد أدنى، في ظل الدمج والخدمات الإلكترونية.
وتساءل، هل تلجأ الحكومة لاتخاذ قرار بتخفيض 40 % من موظفي القطاع العام دفعة واحدة؟ ليجيب “لا أعتقد بأن أي خبير في ادارة الموارد البشرية سيوافق على ذلك! فمثل هذا القرار لن يجد القبول، وستكون له مخاطر اجتماعية وسياسية عالية جداً”.
واقترح القضاة حلا يتضمن تطبيق سياسة ناعمة لهيكلة الموارد البشرية، تعتمد على: حصر جميع الموظفين الذين استكملوا شروط استحقاق راتب التقاعد المبكر، أو الاستيداع، ومن ثم تقييمها على يد لجان محايدة، بحيث يحال الموظف ذو الأداء المتدني (دون المستوى المطلوب) إلى التقاعد، وفقًا للتشريعات النافدة.
وبخصوص الموظفين ذوي الأداء ضمن المطلوب، قال القضاة، سيجري تخصيص حوافز لتشجيعهم على التقاعد عبر الترفيع للدرجة الأعلى، واحتساب الزيادة السنوية الأعلى لسنتين سابقتين للمشمولين بأحكام قانون الضمان الاجتماعي، للاستفادة منها في احتساب رواتبهم التقاعدية، وبكل الأحوال يجب إحالتهم إلى التقاعد.
وتابع القضاة، يُستثنى من الإحالة إلى التقاعد شريحة الموظفين ذوي الأداء العالي (أعلى من المستوى المطلوب)، ممن يشغلون الوظائف الحرجة، شريطة ألا تزيد نسبتهم على 1 % من موظفي الدائرة، وأن تقدم الدائرة معززات تثبت ذلك، مع تنسيب من لجنة التقييم المعتمدة، على أن يستمروا بالعمل لغاية إكمال السن القانونية 60 عامًا للرجل و55 للمرأة.
وأوضح أنه تطبيقًا لهذه السياسة يشترط التدرج والمرونة؛ بمعنى أن نسبة الإحالات تتزايد بشكل سنوي، بالإضافة إلى تخفيض سن التقاعد أيضًا للشريحة التي يقع أداء موظفيها ضمن المستوى المطلوب، مع تخفيض نسبة استمرارية ذوي الأداء المرتفع لتصبح الوظائف الحرجة 50 % من المستهدف خلال الأعوام الثلاثة المُقبلة، وبعدد يحدده مجلس الوزراء، بناء على تنسيب من لجنة تقييم محايدة.
وأكد القضاة، ضرورة تطبيق هذه السياسة من غير استثناء على كل موظفي القطاع العام، بما في ذلك المؤسسات غير المشمولة بنظام الخدمة المدنية، وموظفي أمانة عمان، والبلديات، والإداريين في الجامعات الرسمية.
عبدالله الربيحات/ الغد
التعليقات مغلقة.