استغلال الاعلام و المغرضين للمظاهرات التضامنية المناصرة لغزة وتحويلها إلى حراك يمس سيادة وأمن الأردن // كريستين حنا نصر
واليوم وبعد أربع أيام على المظاهرات المناصرة لغزة، لابد من التذكير للقاصي والداني أن الموقف الأردني الراسخ تجاه القضية الفلسطينية شكل أهمية قومية استراتيجية بارزة، تشهد عليها البطولات النضالية الأردنية في حروب الدفاع عن فلسطين بما فيها معارك اللطرون وباب الواد وغيرها، حيث قدم فيها الجيش الأردني الباسل الشهداء دفاعا عن فلسطين، وعلى الصعيد الانساني استقبلت المملكة الأردنية الهاشمية موجات اللجوء والنزوح الفلسطينية عبر تاريخ القضية وفرت لهم في الأردن بعد هذه النكبات سبل الحياة الكريمة وحصلوا على الجنسية الأردنية وهم مواطنين أردنيين لهم كامل الحقوق بموجب الدستور، بما فيها حقوق التمليك وحرية التجارة وغيرها من الحقوق الكاملة .
وعلى المستوى الدولي تبرز الجهود الأردنية الداعمة لفلسطين وبتوجيهات مباشرة من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله، الذي حمل ملف القضية الفلسطينية لكافة المحافل الدولية، ودعوته للعالم ومنظماته الشرعية وقادته بضرورة السعي نحو تحقيق السلام العادل، اضافة الى مبادرات ملكية هاشمية مرتبطة بواجب أمانة الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وتوجيهات جلالته المستمرة بتقديم المساعدات الاغاثية العاجلة لغزة من خلال الانزالات الجوية والتي وفر خلالها الاردن للعديد من الدول الصديقة والشقيقة ما يلزم من تسهيلات لنقل قوافل وطائرات الاغاثة المرسلة من قبلهم الى غزة أيضا، إلى جانب ذلك اقيمت في فلسطين المستشفيات الميدانية العسكرية الأردنية في غزة ونابلس، وبنفس الاتجاه الهاشمي الداعم لفلسطين جاءت جهود ومبادرات من جلالة الملكة رانيا العبد الله وصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، حيث اشرف سموه بنفسه على اعمال الاغاثة الجوية لغزة.
لقد استمرت المظاهرات المحلية في الأردن نصرة لغزة طوال مدة الحرب المستمرة، ولقد كان لهذا الموقف الشعبي المنسجم مع الموقف الرسمي بصمته وتأثيره الواضح في دعم اهل غزة وأيصال معاناة المدنيين المأساوية للعالم، ولكن يلاحظ مؤخراً تحول طابع هذه المظاهرات من جهود وأصوات شعبية مؤازرة لأهل غزة، إلى ما يمكن تسميته بالتدخل غير المقبول في الشأن الداخلي، إلى جانب تعمد الطعن في السياسة الداخلية للدولة الأردنية، ومن ذلك مثلاً تحميل الحكومة الأردنية المسؤولية عن العلاقات التجارية بين المزارع والقطاع الخاص، الذي يقوم بتصدير الخضروات إلى إسرائيل بموجب الاتفاقية الاقتصادية التي تضمنتها بنود اتفاقية السلام، علماً بأن هذه العلاقات والاتفاقيات السلمية التي يطالب البعض بالغائها ساهمت أيضاً في وصول المساعدات اللازمة إلى غزة بما في ذلك انشاء مستشفى ميداني لمعالجة الجرحى في غزة، و لكن ما نستشعره في هذه المظاهرات هو انحراف مسارها نحو التشكيك والمس بالسيادة الاردنية.
ولا يخفى على أحد ما يمكن مطالعته من استغلال بعض قنوات الإعلام الخارجي للتغيير الحاصل في هدف هذه المظاهرات وطبيعتها السلمية، بتضخيمها ونشر أخبار حولها بشكل يجعلها وكأنها حراك داخلي، أوحراك عربي يشبه المرحلة السابقة والمسماة بالربيع العربي، ولا شك أن نشر أخبار مضللة عن وجود سياسة قبضة أمنية تقوم باعتقال المواطنين، وبشكل يتجنب الاشارة الاعلامية الى حقيقة مهمة وهي أن الاعتداء على الممتلكات الخاصة واثارة الشغب هو أمر لا يمكن قبوله في الدول المدنية المعاصرة، وهو أمر تجدر معالجته والوقوف في وجهه بقوة لضمان أمن الدولة، علماً بأن هذا التحريف غير المهني غايته المبطنة هي المس بسيادة الدولة و التدخل بشؤونها الداخلية وبشكل سلبي يثير المشاكل والمخاطر، وهذه الهجمة الاعلامية لا تنحصر مخاطرها فقط في محاولة المس بسيادة الوطن، بل تهدف أيضاً إلى زعزعة الوحدة الوطنية المتينة لمجتمعنا الاردني الواحد، وتحاول العبث في مكونات شعبنا الأردني الأصيل، هذه الوحدة الوطنية الصلبة التي ننعم بها في ظل قيادتنا الهاشمية، التي لم ولن تتوقف عن مساعدة المدنيين في غزة.
إن الوضع الجيو سياسي للأردن اليوم يمكن وصفه بالمعقد للغاية، فالدولة محاطة بدول جوار يغلب عليها طابع عدم الاستقرار السياسي والأمني، مثل ظروف الأزمة السورية والأوضاع في العراق، ناهيك عما يجري الآن من صراع دموي في غزة بين حماس وإسرائيل، وبالطبع فإن هذه التحديات الخطيرة و أبرزها ما يحدث من انتهاكات على الحدود الشمالية مع سوريا وأيضا الحدود مع العراق، المتمثلة بأعمال وأنشطة الميليشيات المتواجده قرب الحدود، والتي تنشط في محاولة اختراقها لغايات عمليات تهريب المخدرات والأسلحة و إستخدام المسيرات لهذه الغاية.
ومما لا شك فيه أن أي محاولة لزعزعة الأمن الأردني، سوف تفتح شهية الطامعين في استغلال الظروف والفرص المواتية خدمة لمصالحهم الشخصية، تماماً مثل دول بعينها استغلت عدم الاستقرار في عدة دول عربية شقيقة نشهد فيها اليوم أوضاع الخراب والدمار، وذلك تحقيقاً لمصالحهم باحتلالها ونشر الميليشيات التابعة والموالية لهم فيها، لفرض سيادتهم عليها واتخاذها قاعدة لتنفيذ مخططاتهم، وهذه الاستراتيجية الخطيرة نلمحها بوضوح بعد مظاهرات الربيع العربي التي تعسكرت لاحقاً، إلى جانب ذلك برز أيضا استغلال بعض الأحزاب العربية الداخلية ذات الصبغة الدينية والمدعومة من خارج البلاد العربية، بهدف وصولها وتفردها بالسلطة، ولكن للأسف في بعض البلدان العربية تم استغلال هذه الاحزاب المدعومة من قوى خارجية باحتلال أجزاء من أراضي الدول العربية وتقسيمها لغاية السيطرة على مواردها وثرواتها الوطنية .
أن الغاية والفكرة الاساسية من كتابتي للمقال، هي توجيه رسالة لأبناء شعبنا الأردني بأن يعي حقيقة ما يدور من مخططات وأجندات تستهدفنا أمننا واستقرارنا ووحدتنا الوطنية التي ناضل الاباء والأجداد من أجلها، وأن يكون حذراً من الوقوع في فخ استغلال هذه المظاهرات من البعض، علماً بأن الحرب في غزة أثرت على الاوضاع الاقتصادية فحدث هبوط في الدخل السياحي نتيجة إلغاء حوالي ٨٠ % من الحجوزات السياحية، الأمر الذي حجب معه دخول العديد من الأسر الاردنية العاملة في هذا القطاع الحيوي، وحرم خزينة الدولة من مورد رئيسي لها، الأمر الذي يستوجب أن يكون الشعب الأردني بكامل أطيافه صلباً متماسكاً على الصعيد الوطني، ومتضامن مع وطنه في هذه المحنة قادرا على حماية نفسه وأمن بلده من الانسياق وراء المغريات بكافة أشكالها، ويسعى بكل قوته تجاه رص الصفوف خدمة للوطن، متحملاً تحديات الوضع الاقتصادي الصعب الذي فرضته الاوضاع الاقليمية المتمثلة بالمحيط الملتهب، كل هذه الخطوات الوطنية المطلوبة منا جميعاً من أجل تخطي هذه المرحلة العصيبة والعبور نحو القادم الافضل، هي سبيلنا الفعال للمحافظة على وطننا الغالي الذي أنعم الله علينا فيه بقيادتنا الهاشمية الحكيمة الرشيدة، وندعو الله أن يحفظ قيادتنا وجيشنا وأجهزتنا الأمنية وأن يديم أمن هذا الوطن و أمن وسلامة مواطنيه.
التعليقات مغلقة.