الأدب الرقمي في زمن “كورونا”.. تحديات تواجه الطفل
دفعت جائحة “كورونا” العالم الثقافي إلى التعاطي مع أبجديات التغيير الرقمي الحاصل في الأدب مما أحبط معنويات فئة كبيرة من الأدباء الذين اعتادوا على ممارسة الثقافة النمطية عبر الورق والقلم والمسرح والوقوف على منصة “البوديوم” أمام الجماهير، بانتظار التواصل المباشر، وليس الافتراضي. ذلك أدى الى إعادة هيكلة الأدب بما يناسب هذه المرحلة الاستثنائية.
من أشد العقبات التي تواجه الأدباء هي الفعاليات المسرحية الخاصة بالأطفال، والتي تعتمد بشكل جوهري على إشغال جميع حواس المتلقي من خلال الحركة الفعلية والتواصل البصري. هذه المتغيرات التقنية، أصبحت الشغل الشاغل لأدباء المسرح خاصة، مسرح الطفل لذلك يبحث المعنيون بالأمر عن بدائل تكافئ جودة المسرح الحي، فعمل العديد من الأدباء على تفعيل مسرح الدمى الافتراضي، ولكن ما تزال العقبات تقف دون تحقيق الهدف المنشود.
لذلك، يجب التفكير بتجاوز مفهوم الكاتب الورقي والعمل على إنتاج محتوى يناسب الأجهزة الالكترونية “الايباد” أو “الهاتف” والعمل على كتابة قصص ضمن الألعاب الالكترونية لتقديم ما أمكن من محتوى جديد وشيق للطفل، ويشتمل على كل ما هو مفيد وترفيهي.
دفعت جائحة “كورونا” الكتاب إلى التفكير بشكل جدي بالعالم الرقمي للتمكن من تقديم المحتوى المعرفي، والعلمي، والحياتي، من خلال الترفيه والفنون بأجمعها والغناء والتعبير الحركي.
في زمن الإدمان الالكتروني، ينبغي أن تأخذ الثقافة دورها بجعل أطفال الشاشات فعالين ومشاركين أكثر من أن يكونوا متلقين ومشاهدين فقط، وذلك من خلال الاستماع إلى اقتراحاتهم عبر قنوات يفتحها الأدباء لسماع طموحاتهم الثقافية للعمل على التخلص من سلبية المشاهدة والدفع بهم نحو المشاركة الفاعلة.
لن تمتنع الثقافة عن المسرح الفعلي، والكتاب الورقي ولن تكون التكنولوجيا رديفا للثقافة، ولكن في ظل انقطاع الطفل عن الحياة الثقافية بمفهومها الشمولي والذي اعتاد على التواصل معها من خلال نشاطات المدرسة أو النشاطات الصيفية، ينبغي البدء بخطة تعالج هذه الفجوات إلى أن تعود الأمور إلى طبيعتها.
ولأن مشهد المسرح بوجود أبطال المسرحية مكممين ومتباعدين، يوحي للطفل بأن الممثل ممنوع من الكلام وهو ما يرسل رسائل خاطئة حول مفهوم المسرح، لذلك يجب أن نطلق العنان لأفكار جديدة تحاكي هذه الفترة حتى يتمكن الطفل من مواكبة جميع ما يحدث في العالم بمرونة دون إنقاص أو إقصاء لأي حقل أكاديمي أو ثقافي كان.
التحول الرقمي في زمن “كورونا” أصبح ضرورة ولا يمكن أن نعلق أي أنشطة حياتية أو اجتماعية بانتظار انتهاء الجائحة، ومنذ الزمن القديم حتى يومنا هذا واجه الأدباء العديد من الأوبئة والأمراض، التي نقلوها لنا عبر نتاجاتهم الأدبية ولم يتوقفوا عن إبداعاتهم وضخ إنتاجاتهم الأدبية.
ولأن الأدوات اختلفت، فهنا يكون التعاطي مع هذا الواقع ضمن خطة محكمة لاستمرار تدفق الأدب الذي يجب أن يصل إلى أيدي هذه الأجيال التي بدأت تتراجع بمفاهيمها عن شكل الحياة الطبيعي وما يرافقها من أنشطة مهمة تساعد في نموهم الفكري، والعقلي، والنفسي، والجسدي.
ينبغي تخطي أدباء المسرح وأدباء الطفل لمرحلة الجمود والصدمة التي حلت بالحقل الثقافي والقفز إلى الحلول والإسراع في تشكيل لبنة ثقافية جديدة تتماهى مع واقع “كورونا” حتى لا نغيب حق أبنائنا في تلقي الثقافة.
تعمل وزارة الثقافة على توفير كل ما هو جديد لتخطي الصعوبات التي أفرزتها “كورونا”، ولكن هذا الجهد لن يؤتي أكله إلا بمساعدة من الأدباء أنفسهم عبر تواصلهم مع جماهيرهم الخاصة للتحري عما يلزم القارئ في هذه الفترة؛ ليبقى على تواصل مع عالم الثقافة من جميع أبوابه.
*كاتبة متخصصة في مجال قصص الأطفال ومدربة صعوبات تعلم
ديما الرجبي*/ الغد
التعليقات مغلقة.