الأعراس القديمة.. تفاصيل مغلفة بالبهجة والعونة يستذكرها آباء وأجداد
جلسات و”تعاليل” عائلية يتشاور بها الحاضرون حول التجهيزات والتفاصيل اللازمة للأعراس، تحمل بطياتها معاني التعاون والتكافل بين العائلات وسكان المنطقة الواحدة، فيما تطرح الأمهات حديث الفرعة الذي كانت تقوم به سيدات القرية عندما تعلن “أم العريس” أنها بدأت بـ “شد الفرشات” لتأثيت بيت الزوجية. مشهد جميل يرويه الآباء والأجداد عن الأعراس في السابق.
لا ينفك الكثير ممن عايشوا تلك الحقبة من الزمان التي كان فيها التباهي بتفاصيل العرس القديمة، والتي كانت تعني لجميع أبناء العمومة، وأحياناً القرية، أن هذا العرس هو فرح للجميع وعليهم أن يكونوا جزءا منه وليس فقط المشاركة بالحضور، إذ تبدأ طبول الفرح بإعلان العرس قبل أيام من “يوم القرى” الذي يجتمع فيه الغالبية العظمى من الأقارب.
ما تزال الحاجة أم ناجح، تتذكر تفاصيل عرس ابنها البكر، قبل ما يزيد على 33 عاماً، حيث كانت الفترة ما بين الخطبة والعرس 6 أشهر، وهي الفترة التي تبدأ فيها العائلة بالتحضير لأثاث البيت وتحضير المستلزمات من صنع أيادي الأمهات، والتي عادة ما تكون “فرشات ووسائد وأغطية من الصوف الخالص، والذي عادة ما تقوم العائلة بتجميعه من “قص الصوف من الأغنام التي تمكلها عادةً عائلة العريس، أو يتم شراؤها من السوق”.
وتقول أم ناجح أن مجموعة من القريبات والجارات يجتمعن، يرافقهن صوت أهازيج الفرح التي يقمن بترديدها خلال العمل، وذلك يساعدهن على الاستمرار في العمل والانتهاء منه بفترة قصيرة، كما أنها تقوم بتجهيز مجموعة “البُسط” من خلال إرسالها إلى مشاغل خاصة تقوم بحياكته، بعد أن كانت السيدات في السابق تقوم بصناعتها في البيت يدوياً ومن خلال آلة “النول اليدوية”.
وكلما زاد عدد “الفرشات والوسائد والبُسط والأغطية مما يتم وضعه في بيت العريس زاد حجم التباهي والتفاخر لدى عائلته”، كما تقول أم ناجح، لم يكن التباهي بمكان إقامة حفل الزفاف، والذي كان يقتصر على بيوت الشعر المنصوبة، والمقاعد المحدودة، حيث يشارك الجميع في رقصة الفرح، بعد أن بات الآن التباهي بتفاصيل شكلية ومكلفة جداً تثقل كاهل الأسرة، ويصبح الزواج أحياناً بلا بهجة بسبب “المتطلبات الكثيرة وغير المنطقية”، على حد تعبير أم ناجح.
وتعتبر تفاصيل الأعراس في الأردن، من الأمور التي ما يزال يتغنى بها الجميع، والتي تتضمن الكثير من الألفة والتكافل، والأيام السعيدة التي تمتد لفترات طويلة، خاصة خلال فترة التحضير ليوم الفرح، وهذا ما يجعل الكثيرين يعيشون على ذكرى تلك الايام ومحاولة إعادة مجدها، كما يقول ناصر العبادي، الذي ما يزال يتذكر يوم زفافه بكل تفاصيله، ولكن يعجز عن تكرار مثل تلك الأفراح في زواج أبنائه، كما يقول.
ويبرر ناصر ذلك بأن الشباب المقبلين على الزواج في هذه الأيام لم تعد تعنيهم تفاصيل الأعراس القديمة، بل الكثير من المتطلبات الأخرى، والتي قد تدفع بالأسرة لدفع مبالغ مالية ضخمة، مقابل ليلة أو ليلتين من العرس، وقد يراها الكثيرون بأنها باتت فقط من باب المظاهر المباهاة التي تبتعد كثيراً عن العادات والتقاليد.
يعتقد ناصر كذلك إن الحياة تغيرت وأصبحت الاحتياجات مختلفة تماماً عما قبل، لم تعد “فرشات الصوف التي تصنعها الأمهات هي ما تحتاجه العروس ولا البساط يُغني عن السجاد، بل إن كثيرا منهم من يحتاج إلى “شركة خاصة لوضع ترتيبات العرس أو ديكور بيت الزوجية والذي يتم تجهيزه بطريقة حديثة وبعيدة كل البعد عن تفاصيل البيوت قبل أعوام”.
والآن، حتى وإن تم إدخال الأمور التراثية في مراسم الزواج، فإنها تكون من باب إدخال لمسة تراثية بحته وبطريقة مختلفة عن السابق كذلك، وجميعها تحتاج كذلك إلى شركات تنظيم الآن كونها تدخل بشكل منظم وغير عشوائي وعفوي كما كان في السابق.
الباحث والخبير في التراث الأردني نايف النوايسة، يتحدث عن حفلات الزواج في السابق واختلافها عن الآن، حيث تغيرت المفاهيم والنظرة لمراسم الزواج بكل تفاصيلها بدءا من التحضير لحفل الزفاف وانتهاء ببيت الزوجية الذي يحتاج الآن إلى مبالغ مالية كبيرة لتغطية احتياجاته.
قد تكون ما تقوم به النساء في السابق من أكثر الأمور التي طالها التغيير، وفق النوايسة، الذي أسهب في وصف تلك الفعاليات المشوقة التي كانت تنعكس بهجتها على الحي بأكمله، ومنها التراويد التي تقوم بأدائها الأمهات وهن يجهزن بيت العريس المنتظر.
التجهيزات تبدأ قبل فترة طويلة كونها تحتاج إلى وقت طويل، وهنا تحدث النوايسة عن أثاث العريس والذي كان ينحصر فيما يحويه المطوى من وسائد وأغطية الفرشات الصوفية، التي يتم تحضيرها بكل حب وفرح وتعاون من نساء القرية، كما أن هذا التعاون يمتد حتى أيام الزفاف وما يتبع ذلك من مراسمه من تحضير وجبة الغداء الرئيسية “القرى” والتي يتم تحضيرها من قبل النساء اللواتي يعجن ويخبزن، فيما يقوم الرجال بباقي تحضيرات الغداء.
كما يتحدث النوايسة عن اختلاف في الدعوات للفرح، حيث كان في القديم بيت الفرح مفتوحا للجميع ولا يتم الاقتصار على عدد معين من الضيوف ولا يتم تحديد الدعوات، وانما كل أفراد العائلة مدعوون، بينما الآن يتم توجيه الدعوات لعدد محدود جدا وتخصيص الدعوات لأفراد قد يكون بعض أفراد العائلة مدعو والآخر لا يتم دعوته، وبات ذلك أمرا معتادا، خاصة عندما تكون الحفلات ذات تكلفة مرتفعة وفي حجوزات فندقية على سبيل المثال.
كما طال التغيير تفاصيل يوم الحناء للعروس، والتي باتت الآن من الأجزاء التي تهتم بها العروس ولها الكثير من التحضيرات هذه الأيام، وذلك من خلال ما يتم تجهيزه من حناء و”محنايه خاصة للعروس والضيوف” والعديد من أشكال التوزيعات الاخرى التي لها طابع الحناء التراثية، ولكنها بأشكال وتصميمات حديثة قد يجد فيها الكثيرون أنها مبالغ فيها إلى حد ما وتزيد من تكاليف الزواج.
ومن خلال تتبعه للعديد من تفاصيل الزواج الزفاف، يؤكد النوايسة أن هذا التفاعل الاجتماعي ما هو إلا تفاصيل يتم توارثها عبر الأجيال وتنتقل في كل فترة ويطالها التغيير بالتدرج، ولكنها في كل مرة نجد فيها ترابط بالماضي، وإن كان بشكل مختلف ومتطور، خاصة وأن هناك مناطقا ما تزال تحافظ على تلك العادات ولو بشكل بسيط.
التعليقات مغلقة.