الألعاب الشعبية والتقليدية تستعيد ألقها داخل البيوت
حينما يستعيد آباء وأمهات مراحل الطفولة بكل ما فيها، لا تغيب عن الذاكرة تلك المحطات الجميلة عندما كانت الألعاب التقليدية والشعبية هي الحاضرة دوما في أروقة البيوت.
تلك الألعاب من السلم والثعبان، و”حرف واسم”، و”المنوبولي”، و”البرسيسية”، والأحجيات، وغيرها الكثير التي كانت تشكل حياة كاملة بين الأخوة والأهل، ومتعة لا يضاهيها شيئا.
ومع انشغال هذا الجيل من الاطفال واليافعين بالألعاب والتطبيقات الالكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، حاول كثير من الأهالي، أن يعيدوا من جديد احياء هذه الالعاب التقليدية التي كانت جزءا لا يتجزأ من حياتهم، ليتشاركوا فيها مع الأبناء، خصوصا في العطلة الشتوية.
ومع حلول ساعات المساء؛ تقضي عائلة خالد مهنا ساعات بممارسة الألعاب التقليدية، بأجواء مبهجة لا تخلو من التحدي، إذ يبدأون بلعبة “حاكم جلاد”، بعد ذلك “حرف واسم وجماد”، والسلم والثعبان، كلها ألعاب أعادت الحنين من جديد في نفوس الكبار ومنحت الصغار متعة حقيقية يعيشونها مع آبائهم.
العطلة الشتوية المنزلية تزامنا مع استمرار انتشار فيروس كورونا؛ أعاد الألق لتلك الألعاب التي أخذت حيزا كبيرا من ذاكرة الكبار وهاهي من جديد تمنح الأجيال الجديدة وقتا ممتعا ليكونوا أكثر قربا من جميع أفراد العائلة وحتى الأجداد.
القيود التي فرضتها جائحة كورونا على معظم الأسر، وبقاء الأبناء في المنازل بالعطلة الشتوية، ساهم بمنح الوقت الكافي لمجالسة الأبناء واللعب برفقتهم.
متعة غير مسبوقة تلك التي تشعر بها منيرة حسن عندما تبدأ بلعب طاولة الزهر والشدة والبرسيسية التي أصبحت فاكهة السهرة بحسب وصفها، فلا يمكن أن تمر ليلة إلا وتقضي ساعتين في اللعب مع أطفالها بأجواء يملؤها الضحك.
وتلفت منيرة إلى أن أجمل ما يميز هذه الألعاب أنها وفي كل مرة تبدأ اللعب فيها مع ابنائها، تعيد ذكرياتها في هذه الألعاب مع إخوتها ووالديها وهم صغار وكيف كانوا يمضون ساعات الشتاء الطويلة وأصوات الصراخ والضحك تملأ البيت.
وبعد مرور كل تلك السنوات، ما تزال البسمة تملأ ملامح منيرة وهي تستذكر تلك اللحظات التي كانت تقضيها برفقة العائلة وتسعى من خلال لعبها مع أبنائها أن تبقى أيضا جزءا من الذاكرة.
في حين يستمتع عبدالله حازم (15) عاما في هذه الألعاب التقليدية أكثر من “الببجي” “والفورت نايت”، وأكثر ما يجعله أكثر فرحا هو قضاء وقت ممتع مع والدته التي تمضي المساء في اللعب معهم.
ويقول “الألعاب التقليدية جميلة وممتعة ويمضي الوقت بفرح وبهجة”، فضلا عن ابتسامة والدته والقصص التي ترويها حينما كانت تلعب مع عائلتها بأجواء من المرح حتى أنهم في كثير من الأحيان يتوقفون عن اللعب من شدة الضحك.
في حين ينتظر سلطان سعود يوم الجمعة بفارغ الصبر، حيث تقوم جدته بمشاركته وأخوته وأبناء عمومته لعب حاكم جلاد والسلم والثعبان وحرف اسم، كلها ألعاب تُمارس في بيت العائلة الكبير بسعادة كبيرة.
ما تزال هذه الألعاب رغم قدمها حلقة الوصل بين جيلين، جيل يستذكرها والضحكة لا تفارق الوجه، وجيل أصبح أكثر قربا من أسرته، وجد نقطة وصل بينهم وبين أسرهم تجمعهم أوقاتا ممتعة وذاكرة مشتركة.
الخوف من الاختلاط والإصابة بفيروس كورونا حد من النشاط مع الآخرين، وعزز بالتالي العلاقات الأسرية والروابط العائلية بين الأفراد، بحسب التربوي الدكتور عايش النوايسة.
الوقت الذي تقضيه العائلات في المنازل، أعاد الذاكرة إلى الوراء وزاد التواصل في العائلة الواحدة ليكونوا أكثر قربا، وتصدرت الألعاب الشعبية والقصص والأحاديث الودية التي يستمتع بها الكبير والصغير.
وترتبط هذه الألعاب القديمة لدى الأهالي بالحنين إلى الماضي والأوقات الممتعة التي كانوا يقضونها قبل دخول الثورة العلمية والتكنولوجية.
وتظهر أهمية هذه الألعاب الشعبية بحسب النوايسة في تنمية وتعزيز الثقافة والتراث لدى الأطفال واحياء تاريخ الأجداد، وهذا جانب ايجابي، لافتا إلى ضرورة تعميم هذه الألعاب، خصوصا وأن متابعة مواقع التواصل والألعاب الإلكترونية تأخذ حيزا كبيرا من حياة الأطفال.
ويقول النوايسة، “ممارسة هذه الألعاب يكسر الحواجز بين الآباء والأمهات والأبناء وينعكس ذلك على شخصية الطفل ونموه وتوازنه النفسي والتربوي.
بالرغم من السلبيات الكبيرة لجائحة كورونا، إلا أن البعض استطاع أن يلتقط ما فيها من إيجابيات يمكن استثمارها بحسب خبير علم الاجتماع الاسري مفيد سرحان، فالمكوث في المنزل قرب أفراد الأسرة أكثر جعلهم أكثر وضوحا ونقاء.
وفي فصل الشتاء ومع تزايد ظروف البرد واستمرار الوباء تمكنت كثير من الاسر استرجاع جزء من موروثها الشعبي الذي كان سائدا، خصوصا أن ذلك كان قبل اقتحام التكنولوجيا ووسائل الترفيه التي أصبحت بيد الجميع.
وحرص الكثيرين على الالتزام بالإجراءات الاحترازية بحسب سرحان والبقاء في المنازل لمنع انتشار الوباء، بالتالي عادت الألعاب الشعبية القديمة مثل “السلم والثعبان، حرف اسم، الزهر والبرسيسية وحاكم جلاد، الألغاز والأحاجي”، وهي ألعاب تشكل عامل تسلية وتقرب بين الأشخاص وهي وإن بدت في ظاهرها بسيطة، إلا أنها تحمل معاني ومضامين منها ما هو ثقافي.
ويقول سرحان “ميزة الألعاب الأسرية التراثية أنها تجمع الأفراد وتعطي دورا لكل واحد منهم، بغض النظر عن عمره ومستواه الثقافي”، كذلك تكون أكثر ارتباطا بالأجداد والجدات.
ورغم الظروف الخاصة التي فرضتها الجائحة، إلا أن الكثير من الأسر أصبحت أكثر ارتباطا وشعورا بالمسؤوليات، وبات الأبناء كذلك أكثر قربا من الآباء، وهو ما كانت كثير من الأسر تفتقده سابقا.
التعليقات مغلقة.