الإدمان من الناحية الاجتماعية والنفسية/ د.سامر عطية
=
الإدمان لغة هو مِن دمن وأدمن الشراب أو غيره أي لم يُقلع عنه.
أما المفهوم الاصطلاحي للإدمان فهو التعاطي المتكرر لمادة مُسكِرة أو مادة مخدرة أو لمواد أو عقاقير نفسية يصبح بعدها المتعاطي منشغلا بشكل شديد بالاستمرار بالتعاطي، عاجزا عن الانقطاع عنه ، فتصبح بعدها حياة المدمن تحت سيطرة التعاطي واستبعاد إلى حد كبير أي أنشطة حياتية أخرى. وقد تكون فئة الشباب هي أكثر فئات المجتمع تعرضا لمخاطر الإدمان،والسبب في الدرجة الأولى للصحبة السيئة وعصابات الاتجار التي تهيئ المغريات للانزلاق في متاهات الأهواء والانحراف مع ما يصاحبه من مغامرات الشباب للحب لتجريب كل ما هو غير مألوف وذلك عند غياب الوازع الديني والأخلاقي وغياب دور الأسرة أحيانا من التوجيه والمراقبة والقدوة الحسنة،ووجود الإعلام غير الهادف والربحي والذي يضلل المتابع له بصور قد تظهر المتعاطي مظهر البطل أو تظهره أنه يتعاطى للتخلص من بعض المشكلات الحياتية التي فعليا قد يعاني منها في الواقع كثير من فئة الشباب . كما أن التقصير في تأسيس المناهج الدراسية وغياب أو تغييب دور أماكن العبادة في التوجيه والإرشاد لمخاطر وآثار هذه الآفة الأثر الكبير في بدء وتفاقم تلك المشكلة. أما بخصوص الأضرار المترتبة على التعاطي فتتمثل بالتالي: – الصراع المستمر للمتعاطي بين ذاته وبين الإحساس بمعصية الله وببن بيئته الاجتماعية الرافضة لسلوكه والذي لا يرغب أو لا يستطيع تغييره (من وجهة نظره حينها). -ما يترتب عن التعاطي من نتائج جسدية وعقلية ونفسية سلبية تسبب مشاكل اجتماعية واقتصادية وأسرية، ومن ضمن المشاكل الأسرية،رفض الأسرة للمتعاطي وعزله غالبا، الخلافات المستمرة بين المتعاطي وشريك حياته وأولاده، اضطراب الدخل المالي للأسرة ، التدمير الداخلي في الأسرة على جميع الأوجه. -الاضطراب في العمل و في علاقاته مع زملاء العمل. -التكلفة المادية والجهود المضنية والنفقات الزائدة في مجال الرعاية الصحية الجسدية والنفسية للمتعاطي. -المواجهات المستمرة والمنهكة لرجال الأمن مع المتعاطين والأسوأ مع المروجين وما يترتب على ذلك من عبء مالي ومن أضرار ومخاطر لرجال الأمن ومن تدمير للممتلكات العامة والخاصة. -التكاليف الباهظة لحماية الحدود من المهربين والتجار. -تشجيع التجارة غير المشروعة. -ما ينتج عن التعاطي من حوادث مرورية وأثرها على الشخص والأسرة والمجتمع والدولة. -استنزاف المال الخاص والعام. -الجرائم الناتجة عن التعاطي والتي توصل إلى كوارث شخصية وأسرية ومجتمعية وما يتبعها من آثار نفسية واقتصادية واجتماعية.أما بخصوص التعاطي ،فقد يكون تعاطيا تجريبيا وهو حب الفضول أو إلحاح الأصدقاء ، أو تعاطيا عرضيا وهو التعاطي عند وجود المادة بسهولة وضِمن تقبل المجتمع لتعاطي المادة وهنا يكون التعاطي من دون ترتيب مسبق ، أو تعاطيا بانتظام ومن هنا يبدأ البحث عن المادة المخدرة ، أو تعاطيا كثيفا في فترات متقاربة.
وغالبا تتسم شخصية المدمن بعدم النضوج والاعتمادية وبعدم القدرة على تكوين العلاقات الاجتماعية الهادفة،كما تتسم بالتمحور حول الذات ومحاولة إشباع الرغبات الذاتية بالسرعة الممكنة ، التردد وعدم الصبر، وتتسم أيضا بعدم الاستقرار وبالعدوانية وقد يعاني المدمنون بسبب المواد المستخدمة من الضعف الجنسي.
أما تأثير التعاطي من الناحية الجسدية والنفسية فيختلف بحسب المادة المستخدمة وبحسب هل التعاطي بكميات كيرة تصل إلى السُّمِية أو بسبب الأعراض الانسحابية الناتجة عن التوقف عن التعاطي لمدة معينة .
فسُمِّية الكحول وشربه بكمية كبيرة قد يسبب تصرفات عدوانية شديدة كما أنه يسبب لفقدان ذاكرة مؤقت بالرغم من الوعي الكامل كعلامات حيوية ، أما الاستخدام لفترات طويلة يؤدي إلى نقص فيتامين ب١(ثيامين) ويؤدي بالتالي إلى تدهور في الذاكرة قد يعالج في مراحله الأولى وقد يصبح هذا التدهور دائما إن لم يعالج سريعا أو لم يعالج بطريقة صحيحة. أما الأعراض الانسحابية للكحول فقد تكون خفيفة على شكل قلق عام وهيجان وأرق وزيادة تعرق، وقد تكون الأعراض متوسطة و تتمثل بالإضافة لما سبق هلاوس غالبا تكون سمعية وتكون الأصوات مهددة ومزعجة للمدمن، وقد تصل الأعراض الجسدية الانسحابية إلى التشنج (الصرع)واضطراب ضربات القلب، أما الأعراض الانسحابية الشديدة والتي تسمى الهذيان الارتعاشي وهي الضبابية في الوعي وخلل في الذاكرة القريبة وفقدان التمييز للزمان والمكان وخلل في استقبال الأحاسيس وإدراكها وهيجان شديد وارتباك وخوف شديد وأرق شديد بالإضافة إلى الهلاوس السمعية والبصرية والإنخداع البصري وقد ينتهي ذلك إلى الانتحار أو الوفاة.أما الأفيون ومشتقاته فيؤدي إدمانها إلى الاكتئاب وبطء التفكير وبطء اتخاذ القرارات في الوقت المناسب،كما يكثر الانتحار بين مدمني الأفيونات حسب بعض الدراسات.أما أعراضها الانسحابية فتتمثل بعدم القدرة على تحمل الألم وتداخل الأفكار وعدم ترابطها والنسيان وخمول وكسل وأعراض جسدية أخرى.
أما الحشيش فتعاطيه يسبب اضطرابات نفسية وخلل في دقة الإدراك المعتمد على التوافق البصري الحركي وخلل في سرعة الحركة البسيطة وخلل في الذاكرة القصيرة وكذلك خلل في تقدير المدة الزمنية المحددة وكذلك الأطوال ويؤثر أيضا على المزاج.
أما بما يخص الأمفيتامينات كالكابتاجون وما يخص القات فيؤدي إدمانها إلى عجز متزايد في القدرة على التركيز (بعكس ما يتم ترويجه)،مع خلل في الحكم على الأمور ،كثرة حركة مع جرأة زائدة وكلام كثير،عدوانية زائدة ومشاعر وضلالات اضطهادية تصحبها اندفاعات عدوانية قد لا يُسيطَر عليها فتصل إلى القتل ، هلاوس سمعية وبصرية مع ضلالات تعطي صورة الفصام العقلي لفترة معينة.
أما الكوكايين فيشبه تأثير الأمفيتامينات ولكن بشدة أكثر،ومع استمرار تعاطيه يتعرض المتعاطي لنوبات من القلق والعنف ولنوبات من الفزع قد تتوالى بتكرار مرتفع،مع اضطراب في الأنشطة واضطرابات جنسية خاصة في الانتصاب والقذف وفقد الرغبة الجنسية.
أما المهدئات والمنومات و مضادات القلق فمع استمرار التعاطي يبدو المُستخدِم غير متوازن مع اختلاط عقلي وشعور بالكآبة وقلة تركيز مع فقدان للذاكرة القريبة وانخفاض لكفاءة الأداء في الاختبارات العملية و شعور بعدم الاستقرار وتكثر حينها حوادث السيارات.أما عدم التعاطي المفاجئ بعد الاستخدام لجرع عالية ولفترة زمنية فأعراضه شبيهة لأعراض انسحاب الكحول مع قلق وتوتر واضطراب في النوم وفقدان شهية الأكل وفقدان الإدراك للزمان والمكان ونوبات من التشنج وهلاوس وأعراض ذهانية أخرى كمشاعر الاضطهاد والهذاء و شعور تبدد الذات وتبدد الواقع.
أما المهلوسات وأشدها عقار LSD . وهي تتباين في مدة بدأ التأثير وشدته ومدة استمراره، وهي تؤدي إلى تغيرات في الإدراك السمعي والبصري والإدراك الزمني،وتغيرات في حالة المزاج وتداخل الأحاسيس والمشاعر وبعض مظاهر تشوه الشخصية كما أن التركيز يقل،وقد يحدث شعور بالفزع والخوف الشديد والخوف من الموت وأعراض تشبه أعراض الفصام،وقد تؤدي إلى الفصام عند البعض. لا يوجد لها آثار انسحابية ، لكن لها شعور يستمر أحيانا لفترات طويلة من معايشة خبرة مزعجة جدا عاشها تحت تأثير العقار ، يأتي هذا الشعور على شكل ومضات استرجاع (flashback).
وبخصوص المذيبات المتطايرة فتؤدي إلى انفلات ثم إلى إثارة وهيجان وقد تؤدي إلى التخلج والتوهان.كما أنها تؤدي إلى خلل في الحكم على الأمور وزغللة نظر وطنين في الأذن وربما تصل إلى الهلوسة والتشنج،وبسببها قد يؤذي نفسه المتعاطي ويصبح ذو شخصية مضادة للمجتمع (سيكوباثية)،فتنخفض قدرة المتعاطي على التعلم.
أما النيكوتين، فيسبب أمراض جسدية وأضرار نفسية وبسبب المواد المصاحبة مثل القطران وأول أكسيد الكربون. كما يؤدي التدخين إلى تدهور الذاكرة المباشرة وأيضا الذاكرة قصيرة المدى و طويلة المدى، ويؤدي أيضا إلى تدهور التيقظ العقلي . كما أن الاستمرار على النيكوتين يجعل التدخين سلوكا قهريا. ومن الملاحظ أن الانحرافات السلوكيةتنتشر بين المدخنين أكثر من غير المدخنين وأن هناك ارتباطا بين التدخين وتعاطي المخدرات ، وكأن التدخين يمهد للتعاطي.
حفظ الله شبابنا وبناتنا من هذه الآفة، ومن وقع بها فعليه المسارعة في الإقلاع عن تلك السموم في أسرع وقت وفي مراكز متخصصة أو باستشارة المتخصصين .
*ملاحظة :تم الاستعانة في هذا المقال ببعض الكتب والمراجع العلمية.
اختصاصي الطب النفسي وعلاج الإدمان
التعليقات مغلقة.