الاقتصاد الأردني وسوق سوريا.. قبل ان تطير الطيور بأرزاقها // عدنان البدارين

شكل إغلاق الأسواق السورية والعراقية ضربة قاسية للاقتصاد الأردني الذي كان بأمس الحاجة إلى منافذ تُعينه على تجاوز التحديات الصعبة التي يواجهها. كانت سوريا بمثابة “الرئة” الاقتصادية للأردن، حيث كانت تُنعش حركة التجارة والنشاط الاقتصادي، خاصة في شمال المملكة.

 

لهذا السبب بدأت الحكومة الأردنية، وفقا لما أبلغني به مسؤول حكومي بارز خلال لقاء خاص الأسبوع الماضي، بالتحضير وعقب اليوم التالي لسقوط نظام بشار الأسد للعودة إلى الأسواق السورية.

 

انحسار النفوذ الإيراني وتأثيره على الاقتصاد السوري يمنح البضائع الأردنية فرصا أفضل، ربما تصبح العودة إلى تلك الأسواق أكثر سهولة، شريطة تجاوز العقبات التقليدية التي تفرضها البيروقراطية الأردنية.

 

واجه الاقتصاد الأردني سلسلة من الصدمات على مدى عقود، نتيجة الأوضاع الإقليمية المتوترة والحروب في المنطقة، بدءا من الأزمات المستمرة في الشرق الأوسط وصولا إلى تداعيات الربيع العربي.

 

إلى جانب ذلك، شكّل ارتفاع الإنفاق العسكري عبئا كبيرا، حيث تجاوز المتوسط العالمي بشكل ملحوظ بسبب الموقع الجيوسياسي الحساس للأردن، مما استلزم الاستثمار في الأمن والدفاع. وعلى الصعيد الداخلي، زاد الفساد وسوء الإدارة من التحديات الاقتصادية، مما أثر على الموارد المالية والتنمية.

 

كما كان للانقطاعات المُتكررة لخط أنابيب الغاز الطبيعي بين مصر والأردن في العقد الماضي تأثير سلبي على الاقتصاد وسببت أضرارا من الصعب إصلاحها، ولا يزال الأردنيون يعانون من آثارها حتى اليوم.

 

المرونة الاقتصادية

 

رغم هذه الضغوط، أبدى الاقتصاد الأردني مرونة لافتة دفعت مسؤولين دوليين إلى التساؤل عن أسباب قدرته على الصمود. باعتقادي يُعزى ذلك إلى الدعم الدولي ورغبة العالم في رؤية الأردن مستقرا، صبر الأردنيين!، السياسات النقدية الحصيفة، والاستقرار النسبي في إدارة الأزمات، وهو ما مكّن الأردن من تجاوز العقبات والحفاظ على تماسكه الاقتصادي.

 

تأثير الأزمة السورية

 

لم يقتصر تأثير الأزمة السورية على إغلاق الأسواق، بل امتد ليشمل استقبال الأردن لأكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري منذ عام 2011، مما زاد الضغط على الموارد والبنية التحتية.

 

التجارة الخارجية مع العراق وسوريا تُعد عنصرا حيويا للاقتصاد الأردني، وشهدت الصادرات الأردنية تحولات كبيرة منذ عام 2000، تأثرت بالأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، من بينها النفوذ الإيراني.

 

تحولات التجارة الأردنية

 

شهدت الصادرات إلى سوريا استقرارا نسبيا خلال العقد الأول من الألفية، قبل أن تتأثر بالأزمة السورية عام 2011 وإغلاق المعابر الحدودية في أبريل 2015، مما تسبب في انخفاض كبير بالتجارة، باستثناء الفترة من تشرين اول 2018 إلى اذار 2020 عندما أُعيد فتح المعبر جزئيا، إلا أن الجائحة عادت لتعطل النشاط التجاري.

 

في 2019، بلغت الواردات 43 مليون دولار مقابل صادرات بقيمة 95 مليون دولار.

 

في 2020، وصلت الصادرات إلى 63.8 مليون دولار مقابل واردات بقيمة 44.7 مليون دولار.

 

في 2021، ارتفعت الصادرات إلى 118 مليون دولار مقارنة بـ71 مليون دولار للواردات.

 

ارتفعت الواردات الأردنية من 51 مليون دولار إلى 75 مليون دولار بين حزيران2021 وتموز 2022، بينما زادت الصادرات من 62 مليون دولار إلى 87 مليون دولار، وارتفعت عمليات إعادة التصدير من 22.5 مليون دولار إلى 46.5 مليون دولار، وفقا لدائرة الإحصاءات العامة الأردنية.

 

وفقا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة، بلغ إجمالي التجارة بين البلدين (باستثناء إعادة التصدير) 190 مليون دولار في 2021، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 76% عن 2020، لكنه أقل من الرقم القياسي لعام 2007 البالغ 670 مليون دولار.

 

في عام 2022، صدّرت الأردن 147 مليون دولار إلى سوريا، وصدّرت سوريا 62.6 مليون دولار إلى الأردن.

 

كما تراجعت الصادرات الأردنية إلى سوريا خلال أول تسعة شهور من العام الحالي بنسبة 31%، وفقا لدائرة الإحصاءات العامة.

 

وبحسب البيانات، فإن قيمة الصادرات الأردنية إلى سوريا بلغت منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر أيلول حوالي 35.6 مليون دينار مقابل 52.3 مليون دينار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.

 

أما قيمة المستوردات الأردنية من سوريا ارتفعت خلال أول تسعة شهور من العام الحالي بنسبة 23.5% لتصل إلى 41.5 مليون دينار مقابل 33.6 مليون دينار خلال الفترة نفسها من العام الحالي.

 

جهود الأردن للتعافي

 

من أجل مصالحه الاقتصادية، قاد الأردن جهودا لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية وتعزيز قبولها في المجتمع الدولي، بهدف تخفيف الآثار السلبية للأزمة السورية على الاقتصاد والأمن الأردنيين.

 

وعلى الرغم من ان المنافسة الاقتصادية بين الأردن وتركيا على السوق السوري تشكل تحديا للأردن، حيث يسعى كلا البلدين لتعزيز حصته في هذا السوق.

 

من الفرص الاقتصادية الواعدة مشروع نقل الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سوريا، الذي بدأ في عام 2021، والذي من المتوقع ان يفتح آفاق اقتصادية جديدة بين الأردن وسوريا.

 

والحديث عن الكهرباء يفرض على الأردن وضع رؤية استراتيجية جديدة للمياه مع حكام سوريا الجدد حيث ترفض سوريا تزويد الأردن الذي يحتاج الى كل قطرة مياه، بحصته المائية من حوض اليرموك، وبأثر رجعي.

 

كما ان هناك نقاشا حول تنفيذ خطة شبيهة بـ “مشروع مارشال” لإعادة إعمار سوريا، وسيكون للأردن حصة فيها، رغم أن تنفيذها يواجه تحديات سياسية واقتصادية كبيرة.

 

بناء الاستقرار الاقتصادي

 

يُعتبر بناء منظومة استقرار اقتصادي وسياسي بين سوريا والدول المجاورة، كالأردن والعراق ولبنان، أمرا ضروريا. يشمل ذلك التعاون في رفع “قانون قيصر” عن سوريا، وتسهيل التجارة وتصدير الكهرباء إلى لبنان عبر سوريا.

 

كما يُمكن تعزيز التكامل الاقتصادي بين الأردن وسوريا من خلال إنشاء مناطق تجارية حرة وتبادل الاستثمارات، وأهمية تشجيع العودة الطوعية للاجئين السوريين وتسهيلها، وإعادة فتح المعابر الحدودية.

 

رغم التحديات، تظل الأسواق العراقية والسورية ذات أهمية استراتيجية للاقتصاد الأردني، حيث يشكل التعاون الإقليمي، وتحسين العلاقات الثنائية، وتذليل العقبات التجارية ركائز أساسية لتعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة.

 

ما يتطلبه الوضع الآن هو إجراءات حكومية فعلية وسريعة على أرض الواقع، لضمان استعادة حصة الأردن من الأسواق السورية، قبل أن تطير الطيور بأرزاقها!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة