البعد الثقافي في التحول الديمقراطي // د . موسى شتيوي
يرى كثر وخاصة في العالم العربي أن الديمقراطية لا تعدو أن تكون مجموعة من الإجراءات والآليات والهياكل للوصول إلى السلطة التنفيذية وممارستها وتداولها. البعض لايؤمن حتى بالتداول وخاصة بعد فوزهم بالسلطة. بالتأكيد الديمقراطية كنظام حكم هي كل ذلك ولكنها تشمل بعدا ثقافيا لا يقل أهمية عن الابعاد الاخرى.
الديمقراطية كنظام حكم وظاهرة تاريخية هي منظومة متكاملة تشكل الثقافة عنصرا اساسيا ومهما بها. من اهم مبادئ الديمقراطية اخضاع السلطة السياسية للقانون او سيادة القانون وتطبيقه على الجميع وتداول السلطة التنفيذية بين القوى السياسية وحرية الرأي والاعتقاد واحترام التعددية، هذه القيم والمبادئ تشكل الجسم الأساس لثقافة الديمقراطية التي يجب ان تكون متجذرة ليس فقط لدى الاحزاب والقوى السياسية وانما ايضا لدى الناس.
إن غياب الثقافة او ضعف الديمقراطية في العالم العربي اليوم سواء عند النخبة الحاكمة والشعب على حد سواء يمكن اعتباره جذر مشكلة التحول الديمقراطي في العالم العربي والأردن ليس استثناء. تاريخيا تعتبر الطبقة الوسطى الحاضنة الاهم والمدافعة عن القيم والثقافة الديمقراطية. المعضلة ان الطبقه الوسطى في الأردن من حيث التركيبة والقوى لم تستطع ان تحمل المشروع الديمقراطي وخاصة بشقه القيمي. تاريخيا شكل القطاع العام الجزء الاهم من الطبقة الوسطى وكما هو معروف وبحكم الموقع والمصلحة لا يمكن لهذه الفئة ان تحمل المشروع الديمقراطي بأبعاده المختلفة، كذلك الحال بالنسبة للمكون المهني من الطبقة الوسطى وهي الفئة الثانية بالأهمية فهي لم تكن حاملة للمشروع الديمقراطي نتيجة سيطرة قوى سياسية تتميز ايديولوجيتها بالشمولية وبالتالي لم تشكل حالة نوعية بالدفاع عن الثقافة الديمقراطية بالرغم من تبنيها للديمقراطية إجرائيا. أما الفئه الثالثة من الطبقة الوسطى وهي التجار والبرجوازية الصغيرة فالديمقراطية لم تكن يوما مشروعها لأنها تستطيع تحقيق مصالحها بالديمقراطية أو بدونها.
لابد من التنويه بأن تغيير القوانين في مسار التحول الديمقراطي عملية اسهل من غرس الثقافة الديمقراطية وتجذيرها لدى الفئات الاجتماعية المختلفة لأن الاخيرة تحتاج لبناء الوعي وتغيير في هياكل ومؤسسات انتاج الوعي كالمؤسسات التربوية والتعليمية وهذا مسار عسير وقد يأخذ وقتا اطول من المسار الاول. التنشئة السياسية والاجتماعية هي الوسيلة الاساس لغرس وتطوير الثقافة الديمقراطية وهي مسؤولية معقدة لكثرة الأطراف المؤثرة بها كالأسرة والمدرسة والجامعة والإعلام.
الأردن اليوم مقبل على تحول ديمقراطي قد يكون الاكثر عمقا بتاريخه بقيادة جلالة الملك من خلال تحديث المنظومة السياسية الناظمة للعملية الديمقراطية وخاصة بقوانين الانتخاب والاحزاب والتي تشكل حجر الاساس بهذه العملية. إن التحول في العمل السياسي الى تطوير الاحزاب السياسية البرامجية كحجر زاوية في العمل البرلماني سوف يشكل نقلة نوعية في التحول للديمقراطية. بشكل مواز يجب على كافة المؤسسات التقاط الرسالة والعمل على تهيئة البيئة الاجتماعية والثقافية لقبول الفكرة الديمقراطية كأسلوب ادارة وطريقة تفكير وقيم لتساهم في عملية التحول الديمقراطي وتجذيرها وحمايتها. صحيح أن الخطوة الاولى هي افراز احزاب سياسية تؤمن بالديمقراطية كنهج داخلي وخارجي والعمل على نشر الثقافة الديمقراطية في المجتمع ولكن المسؤولية جماعية وكافة المؤسسات معنية بها.
لذلك يجب ان ندرك انه لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين ولا ديمقراطيين بدون تربية ديمقراطية.
التعليقات مغلقة.