“البلقاء” الوحيدة بلا “معهد تدريب”.. هل يبعدها انشاؤه عن تصدرها لـ”البطالة”؟
البلقاء – في تقرير الربع الأول من العام الحالي الذي أصدرته دائرة الإحصاءات العامة في نهاية شهر أيار (مايو) الماضي، سجلت محافظة البلقاء أعلى مستوى بطالة بين كافة المحافظات بنسبة 26.4 %، في وقت ما تزال الوحيدة بلا معهد تدريب وتشغيل والذي من شأنه أن يحد من المشكلة بتأهيل الشباب وتوجيههم لفرص العمل.
أمام هذا الواقع، يعتمد العديد من شبان البلقاء على إمكاناتهم وخبراتهم المتواضعة من أجل تأسيس مشاريعهم الخاصة والتي عادة ما تكون ضمن المشاريع الصغيرة التي تنتهي بالفشل، بعكس المشاريع التي أسسها شبان بمحافظات أخرى بعد تلقيهم دورات تدريب ساعدتهم على إنجاح مشاريعهم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، وفر مركز التدريب المهني بعجلون فرصا للعديد من الشبان ممن استثمروا تدريبهم بإنشاء مشاريع خاصة في مجالات عدة تجاوز عددها الـ 200 مشروع ناجح.
في المقابل، يجد شبان بالبلقاء انفسهم أمام معضلة اختيار أنسب المشاريع التي تتناسب مع حاجة السوق، وتتلاءم بنفس الوقت مع قدراتهم المحدودة كونهم بلا أي دورات تدريب، لتصبح اختياراتهم مبنية على اجتهادات فردية غير مضمونة النجاح.
تلخص قصة الشاب أوس عابد البالغ من العمر 25 عاما، قصص كثيرين من أقرانه، ممن يحاولون إيجاد فرصة عمل توفر لهم حالة من الاستقرار المهني والمالي من خلال انشاء مشاريع خاصة، ليجدوا انفسهم بعد مدة في وضع أسوأ من قبل.
أوس كان تخرج في العام 2020 من إحدى الجامعات الحكومية بتخصص علم الاجتماع، لكنه ومنذ ذلك التاريخ لم يستطع الحصول على فرصة عمل في مجال تخصصه، ما دفعه إلى التنقل في العمل بين مجالات عدة أخرى، كالعمل “كاشير” في أحد مراكز التسوق، وكذلك عامل تعبئة وقود في محطة محروقات، قبل أن يتشارك مع أحد أصدقائه في افتتاح “كشك” لبيع المشروبات الساخنة والباردة في إحدى مناطق المحافظة.
يقول أوس لـ”الغد”، “مشروعنا فشل لأن إمكاناتنا كانت محدودة في تزويد الكشك بما يلزمه من بضائع وبدأنا بالحد الأدنى من الإمكانيات”، مضيفا “بدأنا ببيع المشروبات الساخنة وعدد محدود من أصناف الشوكولاته والبسكويت وما شابه، على أمل أن نتمكن لاحقا من التوسع بتوفير أنواع مختلفة من العصائر والسجائر ومنتجات عديدة أخرى، لكن المردود المالي كان ضعيفا ومع مرور 7 أشهر اضطررنا إلى إغلاق الكشك”.
ويلفت أوس إلى أنه وصديقه خرجا بديون مالية من إغلاق الكشك، كونهما كانا استدانا لافتتاحه.
في الوقت الحالي، يقول أوس الذي ينتمي إلى أسرة محدودة الدخل وتضم الأب والأم و4 أبناء هو أكبرهم، إن والده يعمل سائقا على حافلة في إحدى الجامعات الخاصة براتب بالكاد يكفي لتوفير الالتزامات المالية الأساسية، وإن بقية أشقائه ما يزالون على مقاعد الدراسة، بينما التحق هو مؤخرا بالعمل على نظام المياومة في مجال تجهيز “صيوانات” المناسبات، ليسند والده في مواجهة الالتزامات المالية.
في أجواء كهذه، تتجه الأنظار في محافظة البلقاء، إلى توجه إنشاء معهد للتدريب والتشغيل بالتعاون بين الشركة الوطنية للتدريب والتشغيل التابعة للقوات المسلحة، ومجلس المحافظة، سعيا لمواجهة ظاهرتي الفقر والبطالة باستحداث فرص تدريبية وتشغيلية جديدة، علما أن البلقاء هي المحافظة الوحيدة التي لم يتم إنشاء معهد فيها بعد.
وردا على استفسارات “الغد”، قال رئيس مجلس محافظة البلقاء إبراهيم العواملة، إن المجلس عقد بالفعل اجتماعا مع إدارة الشركة الوطنية للتدريب والتشغيل مؤخرا، لبحث سبل التعاون والتشبيك بين الجانبين، لإنشاء معهد للتدريب والتشغيل في المحافظة.
وحول سبب عدم وجود معهد في البلقاء أسوة بجميع المحافظات الأخرى، أشار العواملة إلى أن العائق كان عدم توفر قطعة أرض مناسبة، إلا أنه أكد وجود مخاطبات في الوقت الحالي لدى الجهات الرسمية تتعلق بتوفير قطعة تعود ملكيتها لأراضي الخزينة في منطقة زي التابعة لمدينة السلط.
وتطرق إلى أن مجلس المحافظة سيسعى بكل جهده لتوفير الدعم المطلوب من ميزانيته للعام المقبل لغايات إنشاء المعهد بقيمة مليون و300 ألف دينار، رغم أن المبلغ يعد كبيرا ومن الصعب تأمينه في ظل موازنة ضعيفة ومحدودة، على حد قوله.
وقال العواملة إن عمل مجلس محافظة البلقاء، يصطدم بتواضع حجم موازنته البالغة 9 ملايين دينار و450 ألفا للعام 2023، وسط العديد من المشاريع التنموية والخدمية التي يتطلع المجلس لإنجازها بالتشارك مع الجهات المعنية حسب اختصاص كل منها، بالإضافة إلى العديد من المعيقات الأخرى التي تعرقل الإنجاز في مختلف القطاعات، في حين تشكل مخصصات قطاع الشباب من تلك الموازنة 855 ألف دينار، لافتا إلى ضرورة أن يكون هناك سعي للحصول على دعم مالي أو منحة للمضي في إنجاز المعهد.
ومن المرتقب أن يركز المعهد بحسب العواملة، على مشاريع تدريب حول صيانة مركبات “الهايبرد والكهرباء” وصيانة الهواتف الخلوية، وغيرها من المشاريع التي تواكب احتياجات الأسواق المحلية والدولية وتطوراتها، بما يحقق رؤى جلالة الملك في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وتنفيذ البرامج التي تسهم في تعزيز وتأهيل الشباب لتمكينهم من الحصول على فرص عمل والحد بالتالي من ظاهرتي الفقر والبطالة في المحافظة.
كما تحدث العواملة عن إيمان مجلس المحافظة بدور الشباب وضرورة دعمهم بشتى الطرق والأساليب، ويطلع دائما إلى تطوير الخدمات المقدمة لهم، مشيرا إلى اجتماع عُقد قبل يومين بين المجلس ومديرية شباب البلقاء لبحث مشاريع قطاع الشباب ضمن مخصصات العام الحالي وسبل النهوض بواقع القطاع والتعامل مع التحديات التي يواجهها.
من جهته، قال الناشط الشبابي في محافظة البلقاء، إبراهيم أبو رمان لـ”الغد”، إن ملف البطالة يعد واحدا من أبرز الملفات التي تؤرق الشبان والشابات، سواء كانوا خريجي كليات وجامعات أو غيرهم، لافتا إلى أن “الفقر يفترس الكثير من الأسر بسبب عدم قدرة أبنائها على إيجاد فرص عمل أو أن فرص العمل إن وُجدت فتكون برواتب محدودة قد لا تصل إلى الحد الأدنى من الأجور”.
واعتبر أن التوجه لإنشاء المعهد، يعد خطوة إيجابية تسهم بالحد من تفاقم مشكلة البطالة في المحافظة، إلا أنه أشار في الوقت ذاته إلى ضرورة توسيع نطاق الجهود الرسمية وغير الرسمية وتكاتفها في سبيل إيجاد مشاريع استثمارية تسهم في تأهيل وتشغيل الشبان والشابات.
وتحدث أبو رمان كذلك عن ضرورة رفع وتيرة التشبيك بين مؤسسات القطاعين الخاص والعام في المحافظة، بما يفضي إلى توفير فرص تدريب وتشغيل لأبناء المحافظة بمؤسسات القطاع الخاص العاملة فيها، متطرقا كذلك إلى أهمية جلب المزيد من الاستثمارات إلى مدينة السلط الصناعية، الأمر الذي ينعكس على أعداد من يتم تشغيلهم من أبناء المحافظة.
يذكر أن برامج الشركة الوطنية للتدريب والتشغيل، تهدف لإكساب الخبرات والمهارات الفنية اللازمة للدخول في سوق العمل، وكانت تأسست عام 2007، كشركة مساهمة خاصة غير ربحية مملوكة للقوات المسلحة الأردنية، وتقدم خدماتها لأبناء المجتمع المحلي من خلال تشغيلهم بعد انتهاء مراحل التدريب، حيث إن نسبة التشغيل للملتحقين في برامج الشركة بلغت 76 %.
التعليقات مغلقة.