البيوت التراثية في مكاور.. معالم تاريخية وحضارية تروي قصص الماضي

تشكل البيوت التراثية في قرية مكاور، التي تقع على بعد حوالي 34 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من مدينة مادبا، معلما بارزا من معالم المنطقة التاريخية والحضارية والسياحية. تتميز هذه البيوت ببساطتها، حيث تتكون عادة من غرفة أو غرفتين، مما دفع وزارة السياحة والآثار إلى استملاكها من مالكيها وإعادة ترميمها وصيانتها مع الحفاظ على طرازها المعماري الكلاسيكي القديم، الذي يعبر عن أصالته وعراقته وتفرده بفن العمارة البسيط.

تقع هذه البيوت في محيط موقع قلعة مكاور الأثري والديني، الذي يرتبط بقصص دينية وشعبية لها دلالات في الديانات السماوية.

ويتناثر من أروقة وزوايا هذه البيوت عبق الماضي الذي يعكس فن العمارة التقليدية لمجتمع قرية مكاور. تروي هذه البيوت حكايات وقصصاً من الزمن الجميل بسحر بنائها، مما يجعلها شاهدة على الأصالة والعراقة.
تقع هذه البيوت ضمن مشروع صيانة وتأهيل موقع مكاور الأثري، الذي يعد من المواقع الدينية الأثرية المهمة بدعم من وزارة السياحة والآثار. على الرغم من مرور سنوات طويلة على بنائها، ما تزال صامدة أمام عوامل الزمن وتغيرات الأحوال الجوية التي شهدتها المنطقة. تحمل هذه البيوت رسالة عميقة تتجاوز مجرد البناء، فهي تجسد طابعاً قديماً ينقلنا إلى زمن آخر ويقدم صورة موجزة عن الحياة في ذلك العصر، وفقاً لآراء زوار “مكاور”.
وتخلو البيوت من الزخارف المعمارية وأي إضافات تتعلق بجمالية العمارة، بل تعكس الوضع الاقتصادي السائد في تلك الفترة. علاوة على ذلك، تمسكت أغلب العائلات بالسكن في الكهوف لفترات طويلة، بسبب طبيعة المعيشة التي تعتمد على الحياة الرعوية، والتي تتطلب التواجد في مواقع بعيدة عن التجمعات السكنية وتحتاج إلى مساحات واسعة من الأراضي لتربية الأغنام وما يرتبط بها من أعمال.
في التسعينيات من القرن الماضي، قامت وزارة السياحة والآثار ودائرة الآثار العامة، باستملاك نحو تسعة بيوت تراثية من مجموع البيوت في قرية مكاور. تم تأهيل هذه البيوت لتكون نموذجاً يعكس الفترة التراثية في القرية، ولتعرض تاريخ قرية مكاور والنمط المعماري السائد آنذاك. وفقاً لمدير آثار مادبا عبدالله البواريد، تقع هذه البيوت في محيط قلعة مكاور الأثرية، التي اعتمدها الفاتيكان كأحد المواقع الخمسة للحج المسيحي في الأردن.
وحول الأنماط المعمارية للبيوت التراثية في مكاور، أكد البواريد أن البيوت تقسم إلى ثلاثة أنماط، من حيث طراز البناء والشكل: النمط الأول: البيوت ذات العقود: وهي من حيث الشكل مربعة ومستطيلة. والنمط الثاني: البيوت من دون عقود: وفي الغالب تكون مربعة الشكل.  النمط الثالث: تجمعات البيوت مع بعضها البعض ضمن منطقة معينة، وهي بيوت غير محددة بشكل معين.
ويضيف أن نمط البيوت ذات العقود يعد من أقدم الأنماط المعمارية للبيوت التراثية في قرية مكاور. ساد هذا النمط خلال الأربعينيات من القرن الماضي، وتمت الاستعانة ببعض بنائي الحجر من الدروز القادمين من فلسطين. تمتاز هذه البيوت بدقة أفضل من نمط البيوت من دون عقود، سواء، من حيث تفاصيلها المعمارية الداخلية أو تخصيص أماكن للنوم، والملابس، والطبخ، وكذلك أماكن لوضع السراج ومونة البيت في تجاويف مخصصة في جدران البيوت.
تم تحويل البيوت إلى مشروع استثماري لأحد المستثمرين، يتضمن إقامة مطاعم ونزل وتجارب سياحية، ليكون نقطة جذب للسياح وسكان المحافظة للاطلاع على الطراز المعماري القديم. يساهم المشروع في تشغيل الأيدي العاملة المحلية. كما أن هناك مشاريعا أخرى، تدعم هذا الهدف، مثل العمل في القطاع السياحي والتدريب على أعمال التنقيب والترميم. يهدف ذلك إلى إشراك السكان المحليين ومنحهم دوراً في تأهيل الموقع، حيث لا يمكن النجاح إلا من خلال دعمهم وجعلهم جزءاً من تطوير الموقع سياحياً، مما يعود بالفائدة عليهم، وفقاً لما ذكره البواريد.
بدوره، أشار معتز عبد الحافظ إلى أهمية البيوت القديمة والتراثية وإعادة ترميمها من دون تشويهها، حفاظاً على طرازها المعماري الجميل وقيمتها التاريخية. وأثنى على دور وزارة السياحة والآثار في استملاك البيوت التراثية وإعادة ترميمها وتشغيلها كمنتج استثماري. كما نوه بأهمية الحفاظ على البيوت التراثية في المواقع السياحية والأثرية مثل قرية مكاور، حيث يمكن لأصحابها استغلالها لإقامة مشاريع استثمارية في القطاع السياحي، خاصةً أن موقع مكاور يعتبر من المواقع المهمة في السياحة الدينية.
ودعت طالبة الهندسة المدنية في الجامعة الهاشمية، إسراء حسن الشوابكة، إلى أهمية الحفاظ على المباني التراثية والقديمة، لأنها تحمل قصصا وحكايات تعود إلى حقبة زمنية مميزة في محافظة مادبا، التي تعتبر متحفا متنقلاً. وبينت أن البيوت التراثية تعيد آلة الزمن إلى الماضي العريق لهذه المنطقة.

 

أحمد الشوابكة/الغد

 

 

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة