التدخل الروسي بأوكرانيا قدم أوروبا على طبق من ذهب لواشنطن
وسط تكثيف الولايات المتحدة مساعيها لتعزيز وجودها العسكري في أوروبا، ترتفع نسب الهواجس والقلق في العديد من بلدان القارة الأوروبية، من تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وانعكاساتها الكارثية على أمنها واقتصاداتها.
ويرى مراقبون وخبراء عسكريون أن موسكو بتدخلها عسكريا في أوكرانيا لوقف التمدد الأطلسي نحو تخومها، تكاد تكون كما وأنها قدمت أوروبا على طبق من ذهب لواشنطن، التي تعمل وفقهم على استثمار تصاعد الخوف الأوروبي من الدب الروسي، لتعزيز نفوذها مجددا في ضفة الأطلسي الشرقية في أوروبا وإعادة الاعتبار له.
ويقول الخبير الاستراتيجي في معهد ستيمسون الأميركي للأبحاث عامر السبايلة إن زيادة عدد القوات الأميركية في أوروبا كان متوقعا، رغم عدم الكشف بعد عن تفاصيل هذه الزيادة عددا وعدة.
و”قبل الأزمة الأوكرانية كان عدد القوات الأميركية هناك يتراوح بين 63 إلى 67 ألف جندي أميركي، موزعين في العديد من دول القارة الأوروبية” وفق السبايلة.
وأضاف: “زاد العدد إلى 100 ألف وهو مرشح للارتفاع خاصة في دول شرق أوروبا كبولندا ورومانيا وغيرهما، اللتان ستكونان نقطتي تمركز محوريتين لواشنطن عسكريا في أوروبا خلال المرحلة القادمة، علاوة على تحديث وتنويع الترسانات والأسلحة التكنولوجية لا سيما الجوية منها، في القواعد الأميركية التقليدية في كل من ألمانيا وإيطاليا على وجه الخصوص”.
وأكمل السبايلة: “يمكن القول إن الولايات المتحدة نجحت في أطلسة أوروبا، الأمر الذي يرتب عليها جملة مسؤوليات وأدوار مهمة، بمعنى الشروع في تعزيز الحضور الأميركي العسكري في القارة، بما يضمن استمرار عملية توسيع دائرة حلف شمال الأطلسي واستقطابه المزيد من الدول الأوروبية”.
وتحدث الرئيس الأميركي جو بايدن حول زيادة الوجود العسكري لواشنطن في أوروبا، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لحلف شمال الاطلسي “الناتو” ينس ستولتنبرغ، على هامش قمة الحلف المنعقدة في مدريد حاليا، والتي تسعى لتعزيز جناح الحلف الشرقي في أوروبا ردا على العملية الروسية في أوكرانيا.
وأكد بايدن أنه سيتم تعزيز الوجود العسكري والإمكانات العسكرية الأميركية في إسبانيا وبولندا ورومانيا ودول البلطيق وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا.
ستولتنبرغ كان قال لدى وصوله إلى قمة “الناتو” في مدريد أمس أن روسيا تمثل “تهديداً مباشراً” لأمن دول “الناتو” والتي تسعى إلى تعزيز جناح الحلف الشرقي ردا على العملية الروسية في أوكرانيا.
وأضاف أن التحالف يواجه أكبر تحد له منذ الحرب العالمية الثانية جرّاء الحرب في أوكرانيا، مضيفا “سنقول بوضوح” خلال القمة التي ستراجع خاريطة طريق الحلف للمرة الأولى منذ العام 2010، “إن روسيا تمثل تهديداً مباشراً لأمننا”.
وأضاف أن قادة الحلف يجتمعون “في خضم أخطر أزمة أمنية نواجهها. ستكون هذه قمة تاريخية وتحولية”.
وأوضح أن التحالف سيوافق على الردع ليتمكن من نشر المزيد من التشكيلات القتالية ونشر المزيد من المعدات الموجودة مسبقا في أوروبا الشرقية بحلول العام المقبل، وفقما نقلت “الأسوشيتد برس”.
وأضاف ستولتنبرغ أن “الناتو” يقوم “بأكبر إصلاح شامل للدفاع الجماعي منذ نهاية الحرب الباردة”.
وفيما يتعلق بموقف الحلف من الصين، قال ستولتنبرغ إن الصين ليست خصما للناتو، لكنها تشكل “تحديات لقيمنا ومصلحتنا وأمننا”.
ويتوقع أن ينشر القادة المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف “الناتو”، وهو مجموعة أولوياته وأهدافه، وتتكرر العملية مرة كل عقد.
وسيحدد الحلف نهج “الناتو” بشأن قضايا تتنوع ما بين الأمن السبراني إلى تغير المناخ، إضافة إلى التوسع الاقتصادي والعسكري المتنامي للصين.
ويشارك قادة اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا في القمة للمرة الأولى كضيوف، مما يعكس الأهمية المتزايدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وكان الحلف أعلن أول من أمس التوصل لاتفاق بشأن انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف بعدما تراجعت تركيا عن معارضتها الخطوة.
وبعد محادثات استمرت ساعات طويلة على هامش قمة للحلف، أعلن ستولتنبرغ أن تركيا لم تعد تعارض ترشيح فنلندا والسويد لعضوية التكتل.
وقال “وافقت تركيا على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي”، واصفا التقدم الذي تم إحرازه على هذا الصعيد بأنه “جوهري” في حين “يواجه العالم أخطر أزمة أمنية منذ عقود”.
وتركيا -العضو في الحلف منذ عام 1952- كانت تعارض انضمام السويد وفنلندا إلى التحالف، إذ كانت تتهمهما بإيواء مسلحين من حزب العمال الكردستاني، وهي منظمة تصنفها أنقرة على أنها “إرهابية”، وكانت تدين أيضا استضافة البلدين أنصارا للداعية التركي فتح الله غولن الذي تتهمه بتدبير محاولة انقلاب في تموز (يوليو) 2016.
لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن في نهاية المطاف أن أنقرة انتزعت “تعاونا كاملا” من فنلندا والسويد ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني وحلفائهم.
وقالت الرئاسة التركية في بيان إن “تركيا حصلت على ما تريده”.
ويستعد الحلف للموافقة على نشر المزيد من المعدات بالقرب من روسيا، ومن بينها الأسلحة الثقيلة، وزيادة أعداد القوات في مجموعات الناتو المتعددة الجنسيات في أوروبا الشرقية، وتوسيع حجم قوات الرد السريع من 40 ألفا إلى 300 ألف جندي.
يشار إلى أن قوة الرد التابعة لحلف الناتو، عادة ما تكون تحت القيادة الوطنية، ولكن يمكن للقائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا أن يطلب نشرها في إحدى الدول الأخرى التابعة للحلف.-(وكالات)
التعليقات مغلقة.