التشكيلي أبو حلاوة يتعمق في عالمه الإبداعي معتكفا في خباياه
في عمق تجربته التشكيلية، يستند رئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين السابق الفنان التشكيلي كمال أبو حلاوة، إلى الاستعارة التقنية في قواعد الصورة المنظمة، ليقدم مبادئ تركيبية غريبة تجعل التناقض البصري شكلاً من أشكال النقد الواعي الممزوج بالإحساس الفطري بهموم الحياة، فسمح له التكوين الأكاديمي بتوظيف العديد من المراجع البصرية، ومكنه من استعمال تقنيات مزدوجة يغلب عليها رسم الخط السريع، وساعده ذلك على تقديم أعمال تصويرية معاصرة تجمع بين التشخيص الحر والسريانية والرمزية والانطباعية الواقعية.
ويميل أبو حلاوة إلى العزلة، التي وفرت له ما يبحث عنه، وإليه يتوق، وفيها لا يشعر أبدا بالضجر، لأن إثراء عالمه الداخلي يحميه من ذلك، فبحسبه: “إنني أعمل طوال الوقت، في الليل كما في النهار… وأحب أن يفاجئني نور النهار الطالع وأنا منكب على العمل، وعندما أتعب أتمدد على الأريكة لأقرأ كتب روايات”.
ويشير إلى أنه يتعمق كثيرا في عالمه التشكيلي الإبداعي الذي أفنى له جل عمره معتكفاً في خباياه للبحث والتحري في تقديم صورة تشكيلية تبهر ناظرها وتجعله في دوران ذهني، ليحلل ويفكفك ما ترنو إليه اللوحة من أسرار وألغاز، فكل لون له اكتشاف خاص يصمم ويشكل بانسيابية ملائمة للفكرة التي تنبثق عنه معالم الحالة التصويرية على خلاف الأخرى.
واجتمعت أفكاره وتبلورت نتاجها في مجمل أعوام عديدة ما قبل العام 2017، فالألوان قد تعاطفت وألقت ثقلها على أجساد متناثرة تشابكت أطرافها لمحاولة الولوج إلى عالم آخر.
ويتكل أبو حلاوة في أعماله التشكيلية على مفهوم الصورة الفوضوية الساخرة، فهو يشتغل على مساحات لونية وشكلية متراكبة ومتقاطعة إلى الحد الذي يصعب على المتلقي تمييز الجزئيات المكونة للوحة في كثير من الأحيان، وفق ما ذكره لـ”الغد”.
ويقول: “إن الهدف هو إثارة قلق المتلقي والعمل على استفزازه”، مشيراً إلى أن الفنان الحقيقي هو الذي يقدم عملاً تشكيلياً ذا دلالات رمزية وقيمة، ما أجبره على أن ينأى بنفسه ويدخل في معترك ليس من شأنه رفع سوية الحالة التشكيلية وإعلاء نشأتها، وهذا ما يرمي إليه وفق مشواره الذي قضاه فيه ما يزيد على عقدين من الزمن.
ولا يخلو اعتماد أبو حلاوة في رسمه على أسلوب اللامكتمل، ليعطي برهانا أن الشوائب في الإضافة وفي المغالاة، يحفز حالة من الإثارة لدى المتلقي واستفزازه، لذلك تتكاثف ممارسته التصويرية أكثر مما تنسجم، وتتناقض تكوينات أعماله بسبب اتخاذه مرجعيات تزدري “الجمال” وتعالج بفظاظة الجسد والواقع، غير ناكر أن التقنيات المختلفة والتوظيفات الانسيابية تعد إحدى أهم الدعامات الأساسية في عملية بناء أعماله التشكيلية، حيث يتخذ من الشخصيات أدوات لتحريك الفضاء، وتنسج تفاعلات فنية بين كل مكونات اللوحة، بدءاً من الكتل اللونية التي تنبض بتدرجاتها المتوالفة ووصولا إلى المادة التعبيرية التي تشكلها هياكل العمل في شموليته، حيث تتبدى الانطباعية الواقعية بارزة من خلال الألوان والأشكال المتناغمة والمتفاعلة مع الشخصيات والصور المختلفة، وإبراز أهم مناجي الجمال وتأكيده داخل الفضاء.
ورغم تعددية المناحي الأسلوبية التي تحكمها المشاهد الواقعية، فإن أبو حلاوة يتقيد بالانطباعية والأشكال الكلاسيكية، ما يرغم على تدجيج فضاء الكثافة اللونية، فتسد جميع منافذه لتستند حتما إلى الواقعية التعبيرية الغامضة، ما يؤدي إلى تناقضات تشكيلية على مستوى الضوء والشكل.
يؤكد أبو حلاوة أن ملاذه الوحيد هو الفن، ورفيقه الألوان، من خلال ما أبدعت ريشته وأنتجت معرضه الأخير العام 2019 الذي حمل عنوان “جلست”، وكان بمثابة تذكرة دخول عالم يدرج من ضمن قائمة الأحلام الإنسانية، وهو عالم مبهم في العقول الواعية، لكنه راسخ رسخ الصخر في ذاته، عالم كأنه لقمة سائغة للخيال.
وتأثرت شخوص أبو حلاوة بالمتلقي خلف عالم مستنير، وتعانقت مع ذروتها تحت طائلة الإدراك البصري الذي يوكل جل النواحي العقلية السيكولوجية والذاتية للمتلقي لاستثارتها حسب ما يتلقاه من عقوبة هذا الإبداع، لتنقلب عنده كل المناضيد رأساً على عقب، وتجلس الأرواح على صرير كراسي العالم أجمع وتتطاير في سماء الفراغ في تناغم وإيقاع مفعمين بالموسيقا الصامتة تحت أعماق البحر الصاخب في الألوان في ديمومة التعبير الذاتي المتعمد من قبل الفنان.
مشروع تدوير مواد نفايات
وتحت عنوان “بحر وانطوى”، كان العمل الفني التركيبي المجسم الذي نفذه أبو حلاوة في جاليري رأس العين، بمواد نفايات وألوان أكريليك لتنفيذ المشروع بإعادة تدوير مخلفات إعلانات الشوارع للانتخابات البرلمانية، التاسع عشر العام 2020 بمبادرة من الفنانة التشكيلية خزامة أبو جودة والسيدة حياة هندية، بالتعاون مع أمانة عمان الكبرى/ المملكة الأردنية الهاشمية. ويشمل مفهوم إعادة التدوير: أي شيء قديم تم استخدامه من جديد والاستفادة منه، مثل أخشاب وصور الانتخابات والإعلانات التي ملأت الشوارع وغيرها، فهي فكرة رائدة، ومشروع لأعمال فنية مختلفة ضمن تدوير النفايات والمحافظة على البيئة.
والعمل الفني التركيبي المجسم بقاعدة مربعة تقريبا 4*4 متر، وارتفاع 3 ونصف متر، أشبه بهرم ذي قاعدة مربعة بأربعة أوجه، اختزالي “غير منضبط” كل وجه يقرأ نصف مكمل للعمل التركيبي المجسم، عمل (Philosophia حب الحكمة)، وكل عمل فني يتطلب طرح فكرة ذات قيمة ومعنى، وعند النظر للعمل ضمن الشكل والتكوين بالدلالة. بحر، قارب، شراع، سمكة، وشبكة بصيغة تركيبية مختزلة بتكوين شبه مطوي انسيابي بعض الشيء واضح عند المتلقي بما يوحي من بعد فلسفي لماهية المفردات الموجودة في العمل الفني.
ويمتلك أبو حلاوة إبداعاً متناعماً من الخبرات العديدة في مجال التدريس والتأسيس والإشراف على مختلف التقنيات في الفن التشكيلي وتطبيقاته، ومن مشاركاته المتعددة والناجحة في المعارض المحلية والدولية في مختلف التخصصات في عالم الفن التشكيلي منذ تخرجه من معهد الفنون الجميلة العام 1992. وفي العام 2018، اقتحم رسم الوجوه “البورتريه” اقتحاماً قد غيّر مفهوم الوجوه المألوفة لدينا، فجاءت كل الرؤوس مهيأة للتشويه من هموم وإرهاصات وهواجس ذاتية متأثرة بالمجتمع، فجاءت تارة وجوهاً شاردةً بلا ملامح تعبر عن أحاسيس ومشاعر الفنان من خلال التعبيرية الألمانية التي آثرت أن تتخطى كل القيود الأكاديمية والثورة عليها والاتجاه نحو حرية اختيار الأشكال الملائمة ووسائل التعبير عنها.
التشكيلي أبو حلاوة في سطور
الفنان التشكيلي الأردني الأستاذ كمال الدين أبو حلاوة مواليد 1974 في المملكة الأردنية الهاشمية، حاصل على دبلوم معهد الفنون الجميلة/ وزارة الثقافة، ورئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين 2018-2021، صاحب جاليري إطلالة اللويبدة للفنون التشكيلية، حاصل على جائزة التفرغ الإبداعي/ وزارة الثقافة العام 2018، محكم دولي للعديد من المسابقات المحلية والدولية.
مشرف ورش في مراكز الإصلاح بالتعاون مع مديرية الأمن العام، ومنظم رحلة الألف بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية،
مرشح لمجلس النواب التاسع عشر للعام 2020، وعمل مشرفا ومدرس Graphic دائرة الفنون/ مؤسسة عبد الحميد شومان 1993-1997، متخصص في تدريس Graphic بجميع التقنيات، حاضر زائر/ أكاديمية SP الكويت، قطر والإمارات، حاضر في مركز مهنا الدرة/ وزارة الثقافة الأردنية العام 2018.
مشارك في كثير من المعارض المحلية والدولية والعالمية، وحاصل على شهادات تكريم وغيرها، وله مقتنيات بجميع أنحاء العالم، وإنجازات عديدة أخرى، وتجارب الرسم على الجدران وكذلك على الزوارق في ملتقى البرلس الدولي/ جمهورية مصر.
أحمد الشوابكة/ الغد
التعليقات مغلقة.