التشكيلي العطيات يرسم بريشته البعد الخفي للحياة اليومية
– يتميز الفنان التشكيلي عمر العطيات بممازجة الواقعية والسريالية في أغلب لوحاته التي جمعت بين جماليات الإبصار وبعد الاستبصار بصياغة الواقع المرئي الملموس عبر التركيز على خفاياه وجوهره المستتر، والتغلب عليه بأبعاد الخيال والتخيل المترجم عبر عناصر وتقنيات وتلاعب بالألوان والأبعاد.
العطيات يمتلك قدرات عالية حقيقية تسلح بها للدخول في عالم الفن التشكيلي، والإبحار في لججه باحثاً عن دوره، فاستطاع عبر سنوات عدة، أن يلفت النظر مع تجاربه كافة التي كان يتلمس بها طريقه بسبب ثقته في إبداعه، ما دفعه إلى المزج بين المدارس التشكيلية، فكانت وجبة إبداعية تلتهمها الأعين ويتذوقها الوجدان.
يهتم العطيات بأعماله ومعارضه، ويمزج بين الواقعية والسريالية كجزء مؤثر ومبدع، ويعتمد على البناء الأكاديمي في القيم اللونية ومعالجة الكتلة والفراغ والظل والنور إلى مقومات اللوحة بعد رسمها بحثاً عن إثبات الذات، رغم أنه يميل إلى عالم الخيال والتعامل مع إيحاءات الحلم من تحويل العناصر الواقعية إلى أشكال أخرى لتلك المرحلة رغم صعوبتها وأهميتها في الانتقال حسب متطلبات الموضوع وشكل العمل الفني التشكيلي.
ويؤكد العطيات، وهو عضو في رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، ويعمل حاليا في معهد الفنون الجميلة التابع لوزارة الثقافة، أن الفن التشكيلي هو إحدى مرايا الأزمنة؛ لعلاقته بالخط والرسم والنحت والحفر والعمارة، فالفن التشكيلي هو نتاج حضاري وتعبير ثقافي يقدم فقرات الحياة الإنسانية بعاداتها وتقاليدها وأساليب حياتها في مختلف الميادين، باحثاً في نفوس الآخرين عن شعور جمعي مشترك، وهو بهذا سجل يكتب آثار الأمم وما يميزها عن غيرها؛ ليرسم لها خصوصية تميزها عن باقي الأمم.
ويضيف، أن الفن التشكيلي لغة عالمية لها عمومية الفن وخصوصية البيئة، وهو صاحب الإنتاج الأكبر في الموروث الحضاري، ولكل فنان عقلية خاصة جدا، وطريقة تعبير تشبه تماما بصمة الإصبع التي تحمل خصوصية كل فرد، يصوغها بطريقة “لغة الشكل” التي يقرؤها البصر، وتفهمها كل الشعوب، وجميع الفئات الثقافية ومختلف الأعمار، وهذا يؤكد أن الفن التشكيلي يعد لغة عالمية يصورها الفنان بطرق عدة كالنحت والتصوير، والتطريز، وغيرها.
وقدم العطيات، بلوحاته، رؤية جديدة للواقع تعكس البعد الخفي للحياة اليومية الذي يدرك بالحدس وحده، والمصور بمنظور تشكيلي زمني غير مألوف لعناصر واقعية، وفق ما ذكره لـ”الغد”، أن هذا الجموح أو الجنوح جاء إلى الخيال، كردة فعل على الحركة التعبيرية التي استهلكت واستنزفت نفسها إلى أقصى مدى، مؤكداً أن محور هذا الفن، مهما اختلفت مواضيعه، هو خيال، إذ يقوم الفنان برسم ما يراه عقله بصورة واقعية، وبخاصة التي تعتمد على العناصر الطبيعية المدهشة دائما، والتي تتميز غالباً بالألوان المائية ما يمنحها الشفافية والعذوبة.
ويشير العطيات إلى أن المدرسة الواقعية تقوم بنقل الطبيعة بصورة واقعية، وتحويلها إلى عمل فني يحاكي الطبيعة، حيث يقوم التشكيلي برصد جميع ما حوله في الواقع ونقله إلى لوحاته كما هو، والمدرسة الواقعية أقرب إلى الكاميرا التي تلتقط عدستها الصور كما هي دون أي تعديل، بعد ذلك تطورت المدرسة الواقعية إلى مدرسة واقعية تعبيرية، ومدرسة واقعية رمزية، حيث تم دمج أحاسيس ومشاعر الفنان مع الصورة، إضافة إلى توثيق الشخصيات الاجتماعية.
غير أن المدرسة السريالية تقوم بربط أفكار بين جمع الوعي واللاوعي، وبين الخيال والعقل، وتهتم تلك المدرسة بالأحلام وتركز على الفكر الحر، وتشتهر لوحات تلك المدرسة بالدمج بين استعادة الذاكرة والحلم مع الحرية، لكن الصعوبة تكمن في مزج هاتين المدرستين، وفق ما قال “يجب على الفنان التشكيلي أن يكون ملماً إلماماً وافراً بهاتين المدرستين، حتى يستطيع معرفة عملية المزج بينهما، حتى يكون العمل الفني متكاملا دون تشوه”.
ويشير إلى أهمية قدرة الفنان على فهم أسس العمل أو تكوين اللوحة التي يفتقر لها العديد من الشباب في هذه الفترة أو المرحلة من مراحل الفن التشكيلي، داعيا الفنانين الشباب إلى عدم استسهال موضوع العمل الفني، وإيجاد ما يعوضهم أو يختصر عليهم الوقت ويمنكهم من المشاركات في توزيع الألوان على اللوحة، فمثل هذه الأعمال لا تدوم ولا يجد من يقوم عليها فرصة لتطويعها للتعبير عن الفكرة كونها مجرد مساحات لونية وجرأة اللون والاتكاء على خبرات التكون للوحة أكثر تعبيراً، بدلاً من خدمة متطلبات الديكور التي لا تحمل في مضامينها هدفاً أو رسالة، مع الحرص الأكيد على إشعال المساحات اللونية في اللوحة بتوازن وإبراز حالات أحاسيسه ومزاجه بتنوع.
يجمع العطيات بين مشاعر الفرح والحزن والحب والوحدة وملامح التوتر بإيماءات جامحة وأخرى أكثر هدوءًا، وجميع المتناقضات في اللون وتأويلات مباشرة في الشكل للوحة، إضافة إلى إيحاءات وومضات، تجاور وتنافر عاصف، وهذا الذي يسعى من خلالها الفنان للعثور على الموضوع.
وأكد العطيات أن الحركة الفنية تسير في منحى طيب بسبب ما تلاقيه من دعم من القطاعين العام والخاص، وبخاصة في ظل وجود الجاليريات الخاصة بالفنانين التشكيليين الذين يعرضون لوحاتهم بشكل دائم، ما يسهم في عدم غياب الفن التشكيلي عن المشهد الثقافي الأردني والعربي والدولي.
أحمد الشوابكة/ الغد
التعليقات مغلقة.