الثانوية العامة وأزمة التعليم في بلادنا/ رياض خليف الشديفات
–
تراجع التعليم في بلادنا ليس وليد هذه اللحظة ، وشكوى الأهالي من الثانوية العامة هي عرض لمرضٍ مزمن لم تتمكن كل الحكومات العابرة ، ولا السياسات التربوية المتأرجحة من حل أزمته ، فالتعليم في تراجع مستمر يدل على ذلك مخرجات التعليم العالي والعام ، وفي هذه المقالة سوف استعرض بعض مؤشرات الأزمة على النحو الآتي :
• لا توجد رؤية واضحة محددة المعالم للتعليم في بلادنا وتحديداً لمخرجات الامتحان العام ” الثانوية العامة ” باعتباره نهاية مرحلة ، فالتعليم يخضع غالباً لرؤية الوزير الشخصية ، ويخضع الامتحان لاجتهادات الوزراء بين الصعوبة والسهولة ، وقد شهدنا في السنوات العشر الأخيرة عدداً من الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة التربية ما بين متشددِ إلى درجة القسوة ومتساهل إلى درجة التفريط ، وكل هذه الاجتهادات مست جوهر الامتحان ومخرجاته ، وانعكست النتائج على الأهالي والطلبة وسوق العمل وغيرها .
• يعد امتحان الثانوية الأداة الوحيدة حتى هذه اللحظة في تقرير مصير كل طلبة الثانوية كل عام ، وفي ضوء نتائجه يوزع الطلبة على التخصصات المختلفة في الجامعات ، ويصنف الطلبة دون مراعاة أية معايير أخرى لتصنيف الطلبة ، ولم يتمكن كل الوزراء من حل معضلة الثانوية العامة بطريقة تخلص المجتمع من عقدة التخصصات المشبعة والبرستيج الاجتماعي ، ومن تغول المراكز الثقافية والتدريس الخصوصي ، ومن تهميش دور المعلم .
• الطلبة والأهالي هم ضحايا السياسات المتأرجحة بين الإفراط في سهولة الامتحان كما حدث عام ” 2020″ وبين ما يحدث في امتحانات عام ” 2021″ ورعب الامتحانات ، وعدم قدرة الوزارة في تبرير ما يحدث، أو تسويق رواية مقنعة لما يحدث ، وما يحدث يؤشر إلى وجود خللٍ إداري واضح في وضع فلسفة الامتحان ، ولا يقاس نجاح الوزارة في سلامة الإجراءات في إدارة الامتحان ؛ لكن النجاح يقاس بنجاح فلسفة الاختبار ومخرجاته الحقيقية .
• هناك عوامل عديدة اغفلتها وزارة التربية عند إصرارها على اجراء الامتحان منها : ملف التعليم عن بعد وما عليه من مأخذ ، وملف كورونا وتقييد حركة الطالب والوضع الصحي العام ، وملف المناهج وما حذف منها وما قرر ، وملف المعلمين ودورهم في التوجيه والإرشاد والتدريس والتوعية ، وملف اعتماد الطالب على الكراسات ، وبالمناسبة لا يختلف طلبة الدراسة النظامية هذا العام عن طلبة الدراسة الخاصة ؛ بل يستويان في خضوعهم لنفس الظروف ، وربما طلبة الدراسة الخاصة مروا بمرحلة التعليم الوجاهي والخضوع لظروف الاختبار مما اكسبهم ميزة لم يحظ بها طلبة الدراسة النظامية .
• وزارة التربية طبقت الاختبار لمرة واحدة في هذا العام على الرغم من أثاره على نفسية الطلبة بعد سنوات من تجربة نظام الفصلين ، ويبدو أنه لا يوجد حكمة منطقية من الفصل أو الفصلين سوى عملية الاجتهاد والتجريب ، فكان الأولى بالوزارة ومجلس التعليم في ظل هذه الظروف الاستثنائية مراجعة هذه التجربة .
• بغض النظر عن نسب النجاح المرتفعة أو المنخفضة ، فنسب النجاح في المباحث لا تعني نجاح الوزارة في تحقيق فلسفة التعليم ، فالعبرة فيما بعد النجاح من تداعيات في التعليم الجامعي واختيار التخصصات ، ولا أشك ان نسب النجاح العالية تعني المزيد من التخصصات المشبعة ، والمزيد من البطالة ، والمزيد من الارهاق المادي لأهالي الطلبة ، والمزيد من العقد النفسية والاجتماعية ، والمزيد من العجز في معالجة الأزمة التربوية والاجتماعية في مجتمع فقد الثقة بكل السياسات التي يتم تطبيقها عليه .
• الحل يكمن في إعادة النظر بالسياسات التربوية برمتها بطريقة مختلفة تتجاوز الحلول الجزئية على طريقة البيع بطريقة التجزئة ، فالتعليم للحياة ، وهو المدخل الحقيقي لكل اصلاح ، ولا اصلاح بدون اصلاح التعليم ،ومع كل الأسف لا بوادر عملية لعملية اصلاح التعليم رغم كل عمليات التجميل والترقيع لملف يتعلق به حاضر المجتمع ومستقبله .
التعليقات مغلقة.