الحمامات الشرقية الأثرية في جرش.. هل تشق طريقها إلى “التراث العالمي”؟
جرش- تسعى بلدية جرش الكبرى بالشراكة مع وزارة السياحة والآثار إلى ضم موقع الحمامات الشرقية الأثرية وسط مدينة جرش لقائمة التراث العالمي “اليونسكو”، ليكون ثامن موقع أردني يدخل القائمة بعد أم الجمال والبترا وقصيرعمرة وأم الرصاص ووادي رم والمغطس والسلط.
والحمامات الشرقية تلك، شهدت خلال العقد الماضي، تطورا كبيرا من حيث الالتفات إلى المكان والاهتمام به، حيث زارته بعثات أجنبية للتنقيب، وتم استخراج المئات من القطع الأثرية والتماثيل القديمة نادرة الوجود على مستوى العالم، ما زاد الأمل بأن تكون جديرة بدخول قائمة التراث العالمي كالعديد من المواقع الأثرية في الأردن.
وكان تم شمول موقع الحمامات الشرقية، الذي تعود ملكيته لبلدية جرش الكبرى ووزارة الأوقاف، في مشروع تطوير جرش السياحي، حيث تم تبليط أرضياته وساحاته الممتدة من الجسر الروماني إلى حيث شارع بور سعيد، وأقيم على طرفه الغربي المطل على مجرى نهر الذهب مسرح يطل على تلك الفضاءات الرحبة الجميلة، وعلى خاصرته تم ترميم واجهات المسجد الهاشمي الذي أمر ببنائه وتم تشييده في عهد الراحل الملك عبد الله المؤسس، وفق رئيس بلدية جرش الكبرى أحمد العتوم.
وأشار العتوم، إلى أن البلدية ووزارة السياحة والآثار حصلتا على منحة إيطالية بقيمة 1.880 مليون يورو لإعادة تأهيل الحمامات الشرقية وأجزاء من الموقع الأثري، وأن 60 % من المنحة ستخصص لإعادة تأهيل الحمامات الشرقية، إذ تم إحالة عطاء الدراسات على أحد المكاتب المختصة.
وبيّن، أن ساحة سوق الخضار القديم ستتحول إلى سوق شعبي للبسطات التي سيتم نقلها من داخل الوسط التجاري إلى الواجهة الغربية من الموقع الجديد، كما سيتم تخصيص جزء من الساحة لإقامة سوق الجمعة، مؤكدا أنه لن يتم ترخيص أي محل لبيع الخضار داخل الوسط التجاري، وأنه سيتم في بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، طرح عطاء إعادة تأهيل السوق العتيق وتنظيف الواجهات ودهانها بشكل موحد ليصبح السوق نقطة جذب سياحي.
ويعد موقع الحمامات الشرقية وسط مدينة جرش السكنية، واحدا من المواقع الأثرية المهمة التي كانت ضمن مدينة الديكابولس، وبقي هذا الموقع، الذي يفصله مجرى نهر الذهب عن المدينة الأثرية، بعيدا عن أعمال الصيانة والترميم التي شهدتها المدينة الأثرية عبر العقود الثلاثة الماضية، باستثناء إجراء الحفريات العرضية في الموقع.
وتتكون الحمامات من ثلاث قاعات رئيسة مسقوفة بأقبية، أكبرها يقع في الجهة الغربية ويمتد باتجاه شمال جنوب، بالإضافة إلى بركة ماء كشف عنها خلال أعمال التنقيب عامي
2017-2018، وتقع البركة في الجهة الشمالية من الحمام وتمتد إلى داخل الصالة الواقعة في الجهة الشمالية الشرقية، وتحيط بالبركة أروقة محمولة على أعمدة من الطراز الكورنثي، إذ عثر على أعمدة وتيجان وعناصر أفقية “الطبان”، وتماثيل.
وتعد هذه الحمامات من أكبر المعالم في المدينة القديمة، كما أنها المبنى الرئيسي الوحيد من الفترة الرومانية الذي أقيم على الضفة الشرقية من الوادي، بين منفذي الجسرين القديمين اللذين يقطعان نهر ذهب، وبنيت هذه الحمامات بالقرب من عين القيروان المهمة.
وكما هو معروف، تعد مدينة جرش من أهم المدن الأثرية في العالم، ويعود تاريخها إلى زمن تأسيسها في عهد الإسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد، وتنعمت هذه المدينة بالهدوء والاستقرار والسلام، وتأثرت كثيرا بالحضارة الرومانية وأصبحت من المدن العشرة (الديكابوليس)، حيث ما تزال المدينة القديمة محافظة على معالمها من شوارع أعمدة ومسارح وكنائس وهياكل وحمامات وأسوار تعود لمختلف العصور.
وكانت وزارة السياحة والآثار قد أعلنت عن اكتشاف تماثيل جديدة في موقع الحمامات الشرقية بمدينة جرش، في موقع حفرية البعثة الفرنسية في الحمامات الشرقية، وأوضحت حينها أن البعثة سجلت خلال هذا الموسم اكتشاف ثلاثة تماثيل تمثل آلهة المسارح، وتمثال يمثل آلهة النبيذ (ديونسوس)، وآنية برونزية تستخدم لحفظ العطور، وأجزاء مختلفة لتماثيل مجهولة الهوية، مؤكدة أن هذه الاكتشافات في موقع أثري مثل الحمامات الشرقية تعد ذات أهمية كبيرة جدا ليس فقط في الأردن ولكن على مستوى العالم.
ومن الجدير بالذكر، أن مديرية آثار جرش تنفذ باستمرار حملات تنظيف وصيانة واسعة لموقع الحمامات الشرقية مؤخرا بهدف الحفاظ على نظافة الموقع الذي يقع بالوسط التجاري والحد من العبث فيه بمختلف الأشكال.
والبلدية والأوقاف هما من تملكان الموقع، وتقع عليهما مسؤولية تنظيفه وحمايته ومنع أي عبث فيه بمختلف الطرق وبالتعاون مع الجهات المعنية، في حين تقدم مديرية الآثار المساعدات المطلوبة كافة، لأي جهة في سبيل الحفاظ على الآثار والمواقع الموجودة فيها.
كما تقدم البلدية كل التسهيلات والدعم اللازم لإنجاح الموقع وباقي المواقع الأثرية التي تمتلكها، خصوصا مشروع التنقيب الذي تقدمه الحكومة الفرنسية من خلال منظماتها المختلفة، لا سيما أنه مع وجود عدة مشاريع تم وضع الفكرة الأساسية لها مثل تطوير السوق التراثي القديم ومنطقة امتداد الوادي، وتوأمة بلدية جرش الكبرى مع مدينة نيس الفرنسية كاقتراح تم التوافق عليه سابقا مع السفير الفرنسي.
وتواصل البعثات الأجنبية العمل على التنقيب في موقع الحمامات الشرقية، وقد تم العثور على قطع أثرية وتماثيل مهمة جدا فيها في السنوات الأخيرة، وهي معروضة في مركز الزوار ومتحف آثار جرش، وسط دعوات إلى أن تقوم البلدية والأوقاف بزيادة الاهتمام بالموقع بوصفه أحد أهم المواقع التي تعتبر مصدرا للقطع الأثرية في جرش.
وكانت البعثة الفرنسية، اكتشفت قبل بضعة أعوام تمثالا باسم “أفروديت” من زمن الرومان، ويبلغ ارتفاع الجزء المكتشف منه نحو 164 سم، والتمثال موجود حاليا في متحف جرش، في حين توقع الخبراء الفرنسيون آنذاك، أن الجزء الآخر الذي يمثل شقه العلوي، وتم التنقيب عنه بنفس الموقع لاحقا، حيث يبلغ طوله نحو متر ونصف المتر، بينما أظهرت الكتابات التي اكتشفتها البعثة على قاعدة التمثال، أنه يمثل آلهة الحب عند الرومان، حيث يعتبر هذا التمثال أكبر تمثال لآلهة الحب “العشق والجمال” تم اكتشافه حتى الآن، بينما تم كشف نسخة أصغر حجما منه بمنطقة بيسان في فلسطين.
ويظهر على نفس القاعدة تمثال صغير لطفل يمثل آلهة الحب إيروس يعتلي حيوان الفقمة، إضافة إلى نقوش على قاعدة التمثال، تشير إلى أنه تم صنع هذا التمثال للطلب من الآلهة شفاء أحد الأباطرة المصابين بالمرض.
ويتم إرسال التماثيل التي يتم العثور عليها إلى البعثة الألمانية في مركز زوار جرش، التي عملت على ترميم وصيانة وجمع القطع ببعضها وتنظيفها وتوثيقها رسميا، ففي الموسم الأول تم على نفس تمثال “أفروديت”، وفي الموسم الثاني تم العثور على النصف الآخر من أفروديت، إضافة إلى 6 تماثيل أخرى، وفي هذا الموسم تم العثور على 7 تماثيل رخامية ليصبح مجموع التماثيل 14 تمثالا خلال 3 مواسم متتالية للبعثة الفرنسية بالتعاون مع مديرية آثار جرش.
والتماثيل التي تم العثور عليها هي 3 تماثيل وهن بنات كبير آلهة الحكمة زيوس، وعددهن 9 تماثيل، اكتشف العام الماضي ثلاثة، وهذا العام ثلاثة مع ورود معلومات حول اكتشاف تمثال سابع لهن بنفس الموقع عام 1986 من قبل خبير الآثار عبد المجيد مجلي، ويطلق على هذه التماثيل عند الإغريق اسم “ميوزات”.
التعليقات مغلقة.