الزكاة برؤية اقتصادية/ احمد غزالة
=
أصدقائي القراء في الوطن العربي ، يسعدني أن أتناول معكم في هذا المقال فريضة الزكاة ، ولا أتناولها هنا تناولاً فقهياً بعباءة رجل الدين ، ولكن تناولاً اقتصادياً بعباءة رجل الاقتصاد ، لأن هذا الجانب حقيقةً لم يأخذ حظه فى الكتابة من الكتاب والباحثين ؛ وهذا يلقي علينا مسؤولية ككتاب في الفكر الاقتصادي لإبراز هذا الجانب الهام لها، والذي يعكس لنا شمولية الإسلام ، فللزكاة بُعد تنموي بحكم طبيعتها المالية كأحد عناصر النظام المالي الإسلامى ولها أثر إيجابي كبير على النظام الاقتصادى، فهي تساهم فى عمارة الأرض المكلف بها الإنسان مصداقاً لقوله تعالى (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) ،
فالزكاة تحارب اكتناز الأموال الإسلامية ، فالإنسان يميل بطبيعته للاحتفاظ بالمال ؛ حيث أنه محبوب إليه بالفطرة مصداقاً لقوله تعالى (وَءَاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ) فتأتي الزكاة سنوياً لـتـنـقص من هذا المال المكتـنـز ، وهذا عكس ما يميل إليه الإنسان ، ومن هنا يُدرك المسلم أن من خصائص المال الفائض عن حاجته الدوران الاقتصادي وليس الاكتناز ،
وهنا تدفع الزكاة أموال المسلمين نحو الاستثمار حرصاً على زيادة المال وعدم تآكله بالزكاة والصدقات ، وأكد على هذا حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( من ولي يتيماً وله مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ) فهذا توجيه نبوي لعدم اكتناز الأموال الفائضة عن حاجة المسلم وتوجيهها نحو الاستثمار ، ومن جوانب الإبداع الاقتصادي للزكاة أنها لا تـُفرض على أصول العدد والآلات المستخدمة في الإنتاج ، وكذلك عين الأراضى الزراعية المنتجة ، وإنما تـُفرض على عوائدها بينما نجد الزكاة عند وجود الأموال فى صورتها النقدية السائلة تفرض على عين الأموال أي أصلها ،
وهذا يدفع الأفراد لتحويل الأموال من صورتها السائلة إلى صورتها المنتجة ، وبالتالي فتشريع الزكاة يدفع الأموال نحو الاستثمار ، ويدفع المسلم لتحويل الأموال من صورتها السائلة إلى أصول منتجة حفاظاً عليها، وبتوجيه الأموال للعمليات الاستثمارية تساهم فى زيادة الأصول المنتجة وبالتالي المساهمة في إيجاد حلول للكثير من المشاكل الاقتصادية الناتجة عن ضعف الإنتاج ، وفي مقدمتها مشكلة ارتفاع الأسعار التى يكون أحد أهم أسبابها انخفاض العرض عن الطلب كنتيجة طبيعية لقلة الإنتاج وعدم الاستثمار في الأصول الإنتاجية ، والذي يؤدي إلى حدوث اختلالاً اقتصادياً بين العرض والطلب يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ، وبالتالي
فإن الزكاة تعمل على الحد من الضغوط التضخمية في الاقتصاد ، ومن ناحية أخرى فإن الزكاة تحارب الكساد الاقتصادي في الأسواق والذي يرجع في معظم الأوقات لقلة الطلب على السلع والخدمات ، فالزكاة تمثل تحويلات مالية من الأغنياء للفقراء ، ويتجه الفقراء بهذا المال نحو الاستهلاك لأنه بطبيعة أحوال الفقراء يزداد لديهم الميل الحدي للاستهلاك ، وهذا يعمل على تنشيط سوق الاستهلاك للسلع والخدمات الأساسية الأمر الذى يرفع الطلب فى حالة انخفاضه عن العرض وهنا يساهم تشريع الزكاة في محاربة الكساد الاقتصادى ، وبالتالي نجد أن الزكاة تساهم فى احداث توازناً بين العرض والطلب ،
وهذا التوازن يستهدفه دائما الاقتصاد للحد من التضخم والركود الاقتصادى ، ولا يتوقف الإبداع الاقتصادى للزكاة عند مستوى إحداث التوازن المطلوب فى الاقتصاد بل بدفعها الأموال نحو الاستثمار تساهم فى خلق المزيد من فرص العمل ومحاربة البطالة ، وتساعد أيضاً على التخفيف من حدة الفقر وحدة الغنى وإحداث توازناً بين طبقات المجتمع ، حتى لا يتولد داخل المجتمع الحقد الطبقي نتيجة التباعد الكبير بين طبقات المجتمع ،
وحقيقة لو تركت العنان لقلمي حول النظرة الاقتصادية للزكاة فلن يتوقف القلم ولن تكفيه سطور هذه المقالة ، فختاماً وحتي تؤدي الزكاة دورها الاقتصادي بكفاءة عالية أوصي بضرورة الإهتمام بمؤسسية الزكاة والإهتمام بها ، فلابد أن تتولى الدولة أو هيئات اعتبارية الإشراف على جمع الزكاة وصرفها فى مصارفها الشرعية وألا يترك الأمر للأفراد وحدهم لأنه قد يحصل قلة من الناس على أموال كثيرة بينما يظل الآخرون على فقرهم مما يقلل من أهمية الدور الاقتصادي والتنموى للزكاة ،
وهناك الكثير من الدول ومنها مصر بدأت تهتم بمؤسسية الزكاة حيث صدر قانون بيت الزكاة المصرى ، وجعل لها شخصية اعتبارية لها استقلال مالى وإدارى وتخضع لإشراف شيخ الأزهر ومقرها القاهرة ، ومنح القانون الحق للصندوق فى جمع الزكاة تطوعاً وتوزيعها ، ونتمنى المزيد من التطور لهذا النظام المؤسسي فى الفترات المقبلة في العالم الإسلامي بأكمله ، ونتواصل إن شاء الله مع القارىء الكريم فى مقالات قادمة لـُـنبحر معاً فى أعماق الإبداع الاقتصادي لشريعتنا الإسلامية الغراء .
كاتب وخبير اقتصادي/ مصر
التعليقات مغلقة.