السلط تقرأ” حلم بدأ من نافذة أوروبية وتحقق بصفحات الكتب والقراءة
“أرغب باستعارة كتاب”؛ هذا ما عليك قوله فقط، حتى يصلك كتاب إلى باب البيت، وبعد الانتهاء منه، سيأتي من يأخذه من المكان ذاته، ضمن مبادرة “السلط تقرأ”.
بعض متابعي ومنتفعي المبادرة يقولون، إن “رائحة الكتب، وصوت تقليب الصفحات، ومسح بعض الغبار عن الحواف، مع وضع علامة تؤشر على مكان التوقف عن القراءة، متعة يجيدها من يعشقون الكتب والقراءة”.
ويقول مؤسس مبادرة “السلط تقرأ” محمد خريسات”؛ في أحد الأيام كنت أسير في شوارع مدينة أوروبية، ووجدت مساحة مستغلة بعرض كتب مجانية للاستعارة، ولأني جامع كتب، ولدي مجموعة كتب ضخمة مركونة على رفوف مكتبتي، ما جعلني أعيد النظر والتفكير في ذلك.
ويضيف خريسات، أن هذه كانت من المشاهد التي تعلق في البال، وتغير الشخص وطريقة تفكيره كثيرا، ومن هنا كانت انطلاقة المبادرة.
يقول خريسات، لطالما كانت السلط مدينة للحضارة والثقافة والعلم، وهي ولادة لرجال الدولة ومحبي الوطن، واليوم تجسد مبادرة “السلط تقرأ” الفاعلة منذ نحو 3 سنوات، هذه الثقافة في حارات المدينة التي خصصت أماكن للقراءة ضمن المبادرة التي ما تزال في تطور دائم.
يعود خريسات بالذاكرة إلى تأسيس المبادرة، فعندما عاد إلى الأردن بعد رحلته إلى أوروبا، جلس في بيته يتأمل وجود أكثر من 2000 كتاب، يتباهى بوجودها على أرفف مكتبة ضخمة، ليفكر بتطبيق فكرة الاستعارة المجانية في مدينة السلط، لقناعته التامة أن الثقافة والقراءة، هي أساس التقدم والتطور قبل أي ثروات في الوطن.
بدأ بعدها التفكير بطريقة لانتشار الكتب، والاستفادة منها بشكل أكبر، لتنتشر هذه الثقافة والظاهرة للناس، خاصة أن إيصال الكتب للراغبين بالقراءة كانت فكرة صعبة في البداية، لكن مشورته مع بعض الأصدقاء أهدته إلى إنشاء صفحة على السوشل ميديا باسم المبادرة.
ومن هنا خطا أول خطوة باتجاه تنفيذ المبادرة على أرض الواقع، ويقول “كنت أصور الكتب الموجودة في مكتبتي، وأنشر الصورة من خلال الصفحة، والترويج لاستعارة الكتاب، ولشدة إيماني بهذه المبادرة وأهميتها، فكرت بالتسهيل أكثر على الناس، للناس من خلال توصيل الكتب إلى باب البيت مجانا، ثم استلامه منهم بعد قراءته، وبذلك يكون كل ما هو مطلوب من أي شخص يرغب بالقراءة في مدينة السلط فقط أن يقول (أرغب باستعارة كتاب)”.
خريسات يلفت إلى دعم عائلته لهذه الفكرة، فمثلا قدمت زوجته مركبتها الكهربائية لتوصيل الكتب، على الرغم من هدوء الطلبيات في الفترة الأولى من حيث الأعداد، التي لم تتجاوز كتابين يوميا.
يشرح خريسات حول ردود الفعل الجميلة على المبادرة، وبعض التفاعل معها فكان عندما يوصل كتابا، يجد من يصر على الدفع ولو على الأقل أجرة التوصيل لدعم المبادرة، لكن الفكرة من المبادرة هي مجانية الاستعارة والتوصيل، لذا كانت بعض العائلات تحاول استضافته في بيوتهم لإكرامه، أو يطلبون منه الانتظار، ليعودوا محملين بكتب لدعم المبادرة الجميلة، كما تفاجأ بآباء وأزواج يخرجون لاستلام الكتب القادمة لبناتهم أو زوجاتهم.
“حماسة الناس وتعاملهم الراقي، وعودتهم للاستعارة بشكل متكرر، أسباب جعلتني أكثر حماسة لنشر المبادرة على جميع أهالي المدينة، لذا بعد عدة أشهر، وتوسع المبادرة وزيادة عدد المتابعين، ظهرت الحاجة إلى متطوعين للمساعدة في متابعة الصفحة الرسمية (السلط تقرأ)، والتواصل مع المتابعين وتنظيم بياناتهم، إذ من الصعب على شخص واحد القيام بكل هذه المهام”.
ويقول خريسات، إن طلبات استعارة الكتب زادت بشكل ملحوظ، فأصبح عدد الكتب المعارة يفوق 10 يوميا، وبالتزامن مع ذلك كبر فريق المتطوعين الراغبين في المساعدة من جهة الذي وصل إلى 10 أشخاص، ورغبة القائمين على المبادرة بتطوير وتحسين الخدمة المقدمة من جهة أخرى.
ويضيف، أصبحت المبادرة لا تقتصر على شخصه فقط، لكن بات هناك فريق اكتمل بانضمام د. يزن العطيات، الذي تعرف عليه صدفة، وتواصل معه لتكريم المبادرة في إحدى الفعاليات الثقافية في المدينة، وعندما علم بتفاصيل المبادرة والجهد المبذول فيها أصر على أن يكون جنديا في هذه الفكرة إلى جانبه مع المتطوعين.
ويشير خريسات إلى أن انضمام العطيات، كان إضافة مهمة بفكره وتنظيمه واستشرافه لمستقبل المبادرة، وهي أمور تظهر فيها نقاط ضعفه شخصيا، فأصبح هو المنسق العام والمنظم الفعلي للمبادرة، والمسؤول عن اختيار الفريق كاملا، على الرغم من إصراره بأنهم جميعا (قادة).
ومع تطور المبادرة يذكر خريسات، “أصبحنا نغلف كل كتاب كهدية، ونرفق معه علامة توقف للقراءة، وظرف مشروب ساخن، وهذا ما يصل إلى باب بيت أي شخص يرغب بالقراءة في مدينة السلط من دون أي تكاليف”.
ويقول خريسات، إن المبادرة تخدم اليوم قرابة 4500 شخص، 98 % منهم هم من يستعيرون الكتب، من خلال 5 آلاف كتاب، معظمها حديثة، وتناسب جميع فئات القارئين، مؤكدا أن من يرغب بدعم المبادرة، يطلب منه شراء كتب معينة، مع صعوبة تأمين موقع أو أتمتة المبادرة.
وتحدث خريسات عن التعاون مع وزارة التربية والتعليم، من خلال مبادرة سفراء القراءة، في مدارس المدينة، بحيث يكون لهم أكثر من سفير للقراءة في هذه المدارس.
وذكر إقامة مهرجان الكتاب الذي امتد لنحو 10 أيام، بالإضافة إلى إقامة معرض كتاب في جامعة عمان الأهلية.
وبعد تحقيق حلمه، بأكثر مما يفوق توقعاته، وأكثر مما رآه في أوروبا، بجعل الكتب متاحة للجميع، وأكثر، من خلال توصيل الكتب لأبواب البيوت، أصبح الطموح توسعة المبادرة لتكون “الأردن تقرأ” مهما كلف الثمن.
وعن حصولهم على جائزة ولي العهد، يقول خريسات إنه تقدم للمنافسة على الجائزة مع 25 ألف مبادرة وطنية على مستوى الأردن، وبعد المرور بعدة تصفيات، ولجان تحكيم، تأهلت المبادرة للمرحلة النهائية، وحصلوا على المركز الثالث على الأفراد على المستوى الثقافي.
التعليقات مغلقة.