الشرائع السماوية// د فخري النصر

الأديان السماوية هي الأديان التي أنزلها الله سبحانه و تعالى على أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً وأرسلهم بها إلى الخلق، وهي في الحقيقة دين واحد وهو دين الإسلام قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ (آل عمران:19) , وقال ابن كثير في تفسيرها: بأنه لا دين عند الله يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم , الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي الله بعد بعثة سيدنا محمد (صلى ) بدين على غير شريعته، فلن يتقبل منه كما قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران:85).

فإن الديانات السماوية متفقة فيما تدعو إليه من توحيد الله تعالى التوحيد الخالص، وعدم الإشراك به، وإن اختلفت في بعض التشريعات الفرعية حكمة من الله وابتلاء لعباده ليتبين المطيع من العاصي، قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل:36). وقال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ( المائدة:48) وفي صحيح البخاري أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء أخوة لعلاّت، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد.

وقد ختم الله الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ونسخ بشريعته كل الشرائع السماوية السابقة ، وجعلها باقية إلى يوم القيامة، وأرسله بها إلى الناس كافة، لا يقبل الله من أحد بعد مبعثه ديناً غير الإسلام , والكتب السماوية التي انزلت على الانبياء منها الصحف فقد أنزل الله تعالى على إبراهيم عليه السلام الصحف قال تعالى في سورة الأعلى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى . بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) الأعلى/14-19.
وانزل الزبور هو كتاب الله تعالى الذي أنزله على نبيه داود عليه السلام. قال تعالى في سورة الاسراء اية 55 🙁 وآتينا داود زبوراً ) قال ابن كثير:الزبور هو الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام , وانزل التوراة : كتاب الله عز وجل المنزل على موسى عليه السلام فيها تفصيل لكل شيء قال الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ [المائدة: 44]. وكان إنزال التوراة على موسى بعد إهلاك فرعون وقومه ونجاة بني إسرائيل. قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص:43].
والإنجيل هو كتاب الله المنزل على عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام فيه هدى ونور , وإباحة لبعض ما حرم في التوراة الذي أرسله الله عز وجل إلى بني إسرائيل بعد موسى. قال تعالى :(وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ [الحديد: 27]. وقال تعالى: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [المائدة:46].
وانزل الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم قال اللهُ تعالى): مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40) وإذا كان مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتمَ النَّبيِّين، فإنَّ القُرْآنَ الذي أُنزِل عليه خاتَمُ الكُتُبِ المُنَزَّلةِ , وكونُ القُرْآنِ الكريمِ خاتَمَ الكُتُبِ السَّماويَّةِ، يعني أنَّ القُرْآنَ حُجَّةٌ قائمةٌ على كُلِّ من بلغه من الإنسِ والجِنِّ في كُلِّ زمانٍ وفي كُلِّ مكانٍ، قَولِ تعالى 🙁 قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [الأنعام: 19) , ويعني خَتمُ الكُتُبِ بالقُرْآنِ الكريم أيضًا كمالَ الدِّينِ قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا ([المائدة: 3] .)
وقد نسخ الله ذلك كله بالقرآن الكريم، وختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة، بالشريعة الاسلامية الباقية إلى قيام الساعة وصلاحتها في كل زمان ومكان ، فأكمل الله له الدين، وأتم عليه النعمة، قال عز وجل: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. {المائدة: 48}.
والاختلاف في الشرائع السماوية من الحلال والحرام وعدد الصلوات وزمن الصيام وغيرها فمن رحمة الله وفضله، وحكمته وعدله، أن شرع لكل أمة في وقت معين ومكان محدد ما اقتضته حكمته مما يناسبها ويليق بحالها وزمانها ومكانها.
أما الادعاء بأن اليهودية والنصرانية ديانة, فاليهود والنصارى هم الذين سموا أنفسهم بذلك ولم يسمهم الله سبحانه وتعالى نصارى أو يهوداً قال الله تعالى :{ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ } .. ( المائدة 14) , { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا } ( البقرة 135) , فهم الذين قالوا على أنفسهم ولكن كل الأنبياء والرسل قالوا إنا مسلمون حتى فرعون قال حين أدركه الغرق { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ( يونس 90 ) فلماذا لم يقل وأنا من اليهود , والإيمان بالكتب السماوية أصل من أصول الإيمان، ولا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بأن الله أنزل التوراة والإنجيل على موسى وعيسى عليهما .
وقد أخبر سبحانه وتعالى أن اليهود حرفوا هذين الكتابين وبدلو كل التبديل ، وأنهم يكتبون ما يهوونه ويقولون هو من عند الله، وفي الحقيقة ليس هو من عند الله، وأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه. قال تعالى:( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79]. وقال تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:78]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت ملوك بعد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بدلوا التوراة ولإنجيل ومما يدل أيضا على تحريفهما وأنهما مُزوَّران، هذا الاختلاف والتضارب بين نسخ التوراة ونسخ الإنجيل أيضا، وما فيهما من اتهام لبعض الأنبياء بالفواحش والموبقات , وأنبياءهم أمروهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ونصت على ذلك كتبهم الخالية من التحريف، كما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف:6)
❌ [ الأديان السماوية الثلاثة ] ❌ ومن الآيات التي تدل على أن الدين واحد وهو الإسلام وليس ثلاث ديانات هو قول نبي الله نوح عليه السلام : { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } يونس 72) , وقول نبي الله إبراهيم عليه السلام لبنيه { وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }(البقرة132 ) . وقول نبي الله يوسُف عليه السلام { تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } (يوسف 101) , وقول نبي الله موسى عليه السلام { وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } ( يونس 84) , وقول نبي الله عيسى عليه السلام ..{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }( آل عمران 52) , وتأتي الآية الجامعة لكل الأنبياء وهم يقرّون بأنهم مسلمون { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ( البقرة 136)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة