الشعوب الـفـقـيرة وأهم آليات الخروج من عـُـنـق الـزجاجة // أحمد غزالة
=
أحمد غزالة – مصر
كاتب وخبير اقتصادي
=
أصدقائي القراء في الوطن العربي ، يُسعدني التواصل معكم مجدداً ونتناول واحدة من أهم المشاكل الاقتصادية التي تُعاني منها معظم بلدان وطننا العربي ، ألا وهي قضية الشعوب الفقيرة ، وكيف لها أن تخرج من عنق زجاجة الفقر ، ولا شك أن الفقر مذمومٌ على مستوى الفرد والمجتمع بل وإن الشريعة الإسلامية نفسها تحث الناس على سؤال الله عز وجل بالغنى ، فكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ) ، وهنا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله من كل الخيرات ومنها الغنى لأنه لا شك أن فيه الخير ، والفقر لا شك أنه شر ؛ لما له من آثار سلبية على الفرد والمجتمع حتى أنه قد يؤثر على توازن الإنسان نفسه ، ويؤكد ذلك ما قاله الإمام الأعظم أبي حنيفة ( لا تستشر من ليس في بيته دقيق ) وذلك لأنه يكون مشتت الفكر مشغول بكيفية إطعام نفسه وأهله ؛ فبذلك لن يكون سديد الرأي ، وقديماً قالوا صوتُ المعدة أقوى من صوت الضمير ، وأيضاً ما قاله لقمان الحكيم لابنه ( يا بنيَ أكلت الحنظل وزقت الصبر فلم أرى شيئاً أمر من الفقر) ، ولكن أؤكد للقارىء الكريم أنه بالرغم من أن الفقر والغنى هو من تقدير الله عز وجل ، ومن الابتلاءات التي يُقدرها الله لبعض عبادة لحكمة عنده ، ولكن الإسلام وشريعته الغراء كما أمرنا بقبول الابتلاء بصبر ورضا فقد علمنا أن نأخذ مع الصبر بكل أسباب رفع البلاء ، وهنا لا حجة لأحد في عدم محاولة دفع الفقر عن نفسه وأهله بحجة أن الله هو الذي كتب عليه الفقر ، وهذا دفعني ككاتب في الفكر الاقتصادي والإسلامي أن أحاول إضاءة شمعة حول آليات محاربة الفقر ، ورسالتي لن تكون إلى الشعوب الفقيره وحدها ، بل أيضاً إلى حكومات تلك الشعوب ، والتي يجب عليها أن تجتهد في محاولة رفع الفقر عن شعوبها ، وأبدأ برسالتي إلى الشعوب الفقيرة : عليكم أن تـُدركوا جميعاً أن الفقر هو ابن الكسل البكر ، فإن التكاسل عن السعي والعمل فهو بلا شك طريق نحو الفقر ، فإن السماء لا تمطر ذهباً أو فضة ، وقد حث القرآن الكريم على محاربة الفقر بالسعي في الأرض ، فقال الله عز وجل في سورة الجمعة ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)،وقال عز وجل في سورة الملك (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ) ،وهذا يؤكد أن القرآن يدعو الأفرادإلى العمل والسعي من أجل محاربة الفقر ، فالرضا بالقضاء لا يمنع الأخذ بالأسباب لتحقيق الغني ومحاربة الفقر ، ولكل لن أٌحمل الشعوب بأكثر مما تطيق فإن تحقيق الغنى بالعمل والإنتاج يستلزم معه توفير البيئة والمناخ المناسب لذلك ، ومن هنا تأتي رسالتي لحكومات الشعوب الفقيرة التي يكون عليها مسؤولية توفير هذا المناخ ، ومن أجل توفير هذا المناخ يجب العمل على دعم الاستثمار بقوة عن طريق توفير كافة التسهيلات للمستثمرين منذ بداية الحصول على تراخيص الاستثمار وحتى الوصول إلى الإنتاج والتسويق ، كما يتعين عليها أيضاً تحفيز المشروعات الإنتاجية للسلع والخدمات الإستراتيجية ، ودعم القطاعات الإنتاجية الكبيرة ، فضلاً عن دعم التنوع في الاستثمار وتغطية كافة الأنشطة الاستثمارية من زراعة وصناعة وتجارة ، مما يدفع على محاربة البطالة التي تعتبر من أهم أسباب الفقر ، كما لا يفوتنا في هذا المقام التنويه عن ضرورة قيام الحكومات بمحاربة الفساد داخل كافة أجهزتها التنفيذية حتى لا ينعكس ذلك سلباً على الإنتاج مما يجعله معوقاً أمام كافة أوجه الاستثمار ، فيؤدي بذلك الفساد لمزيد من الفقر ، ومعذرةً لأصدقائي القراء فإن سطور هذا المقال لن تكفي لتقديم كافة الحلول لمحاربة الفقر ، فأسكتفي هنا بهذا القدر مع الوعد بالمزيد من التفصيل في كتابات لاحقة إن شاء الله . .
التعليقات مغلقة.