الصهيونية أيديولوجية استعمار وقتل ووحشية ويجب تفكيكها

الحل الدائم الوحيد للأزمة الدائمة في فلسطين هو، كما كان الحال مع اجتثاث النازية من ألمانيا وأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، اجتثاث الصهيونية من إسرائيل ووجود دولة واحدة يتقاسم فيها الجميع حقوقاً مدنية واقتصادية وسياسية متساوية.

*   *   *
اليهودية ليست عرقًا. إنها دين. ومع ذلك، فإن التاريخ الطويل لمعاداة السامية الأوروبية، والذي بلغ ذروته في الهولوكوست النازي، صاغ طابعها الديني وحوله إلى طابع قومي وعرقي، ولو أنه متجذر في التفوقية البيضاء تحت رعاية الصهيونية.‏
‏‏يؤكد هذا المسار التراجعي أن المضطهدين في الشؤون الإنسانية، غالبًا، وإن لم يكن دائمًا، يجدون هويتهم ليس في رفض قيم مضطهديهم، وإنما في احتضانهم لها. وقد شهد تاريخ الصهيونية على ذلك ويشهد الآن مع مذبحة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها فلسطينيو غزة أثناء كتابة هذه الكلمات.‏
وبينما نقترب من الذكرى السادسة والسبعين لقيام دولة إسرائيل، ينعكس فشل هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني في حقيقة أن إسرائيل لم تتطور أبدًا إلى ما هو أبعد من وضعها الحالي مثل إسبرطة في أيامها الأخيرة، المحكوم عليها بوجود متجذر -ليس في الأمن والاستقرار والسلام، بل في انعدام الأمن وعدم الاستقرار والصراع.‏
تتكشف الآن، اليوم، في غزة، مذبحة إبادة جماعية تجري باستخدام التكنولوجيا الحديثة، حيث القتل وليس التقدم هو الحاضر في البال. وهذا تذكير صارخ بالكلمات المخيفة للمفكر والفيلسوف الماركسي تيودور أدورنو.‏ وتتداعى إلى الذهن هذه العبارة:
“ما مِن تاريخ يقود من الوحشية إلى الإنسانوية، لكن هناك واحدًا يقود من المقلاع إلى قنبلة الميغاطن”.
إن الرعب الذي يتعرض له الفلسطينيون هو رعب قوة استعمارية هزتها من قاع أساساتها قدرة شعب مستعمَر حاولت أن تدوسه بحذائها العسكري على التحرر من قيوده والخروج من محميته والتنفيس عن غضب قاتل تطور على مدى سنوات طويلة من قمعه الهيكلي.‏
‏إن تجريد المستعمَر من إنسانيته هو الشرط غير القابل للتفاوض الذي يستطيع المستعمِر من خلاله تبرير استعماره، وهكذا من خلال تحرير أنفسهم خلال تلك الساعات القليلة، أعاد الفلسطينيون التأكيد على إنسانيتهم بروح المقاومة. إن قتل الأبرياء هو عمل الشيطان، والمدنيون الأبرياء الذين قتلهم مقاتلو حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) كانوا من عمل شياطين الاحتلال، والحصار، والعقاب الجماعي.‏
والآن، بعد مرور أكثر من سبعة أشهر، لا يعكس الغضب القاتل لآلة الحرب العرقية والدينية التي هي الجيش الإسرائيلي القوة بل الضعف -الضعف الشديد الاعتقاد بأن المستوطنين الأوروبيين البيض يمكن أن يأملوا في إقامة دولة تقوم على المبدأ الخبيث للتفوق الديني والثقافي والعنصري على أرض شعب آخر.‏
‏داخل كل هوية وطنية ثمة بذور للتقدم والتراجع، والفرق بينهما يتوقف على الاستجابة لأحداث محددة في تاريخها. وعندما يتعلق الأمر بدولة إسرائيل، كان الدافع الأكثر أهمية في إنشائها في العام 1948 هو “المحرقة النازية” التي كانت مضادة للتنوير في طابعها وبربرية في تطبيقها.‏
جاء مفتاح مصير يهود أوروبا المحظوظين بما يكفي للنجاة من هذه الممارسة الشنيعة في المذابح الجماعية المصنعة مع الاستنتاجات المستخلصة. وذهب في أهم مراحله إلى اللغز الفلسفي الذي تطرحه مسألة “هذا”/ “يجب”. (‏‏هذا)‏‏ لن يحدث أبدًا للشعب اليهودي مرة أخرى، أم ‏‏هذا (يجب) أن لا يحدث لأي أحد مرة أخرى؟‏
‏كان الاستنتاج الأول أساس الزخم وراء إنشاء دولة إسرائيل، وما يزال هو الذي يقود نمط وجودها كدولة استعمارية استيطانية وعرقية-دينية، ولدت على ظهر برنامج للقتل الجماعي والتطهير العرقي وأديمت على إنكار الشعب الفلسطيني منذ ذلك الحين.‏
‏الشيء الأكثر وضوحًا من أي وقت مضى الآن هو حقيقة أن الوضع الراهن لم يعد مستدامًا. على مدى سنوات طويلة من المحاولات العقيمة لإخفاء محنة الفلسطينيين كشعب مضطهد يخوض محاولات السلام الفاشلة التي تسهلها واشنطن -وهي وسيط غير نزيه- كان الشيء الوحيد الذي تغير بأي طريقة قابلة للقياس الكمي هو تنامي الوعي في الشارع العربي، وبشكل متزايد في جميع أنحاء العالم، بأن نموذج وجود إسرائيل في حد ذاته هو القضية.‏
‏لم يعد هناك حل دولتين متاحًا بعد الآن، إذا كان هناك واحد في أي وقت على الإطلاق، حتى الوصول إلى هذا المنعطف. إن الحل الدائم الوحيد لهذه الأزمة الدائمة هو، كما كان الحال مع اجتثاث النازية من ألمانيا وأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، اجتثاث الصهيونية من إسرائيل وقيام دولة واحدة يتقاسم فيها الجميع حقوقًا مدنية واقتصادية وسياسية متساوية. وكجزء من هذه العملية، يجب مراعاة المحاسبة على جرائم الحرب وتقديم تعويضات مناسبة عن سبعة عقود من التطهير العرقي والاحتلال والقمع لشعب فلسطين الأصلي.‏

*جون وايت John Wight: مؤلف يكتب في السياسة والرياضة ومواضيع أخرى. من كتبه “غزة تبكي” و”غزة: هذه الأرض النازفة”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Zionism is an ideology of colonialism, murder and brutality. It must be overcome

وكالات

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة