الصوم عبر التاريخ//د فخري النصر

قال تعالى في سورة البقرة الآية 83 : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”الصوم عبادة قديمة، كانت في الأمم السابقة، وانتقلت من أمة إلى أخرى، وإن اختلفت في كيفيتها، والصيام شعيرة لها طابعها الخاص، فهي الشعيرة التي تقتضي الترك والامتناع , بعكس باقي الشعائر التي تقتضي العمل لشيء معين أو طقوس محددة .الصّوم من النّاحية اللّغوية: هو الإمساك عن الشّيء والتّرك له والكفّ عنه، وهو مطلق الإمساك والبعد عن الشيء ,وهو الامتناع عن كل أو بعض الأطعمة والمشروبات لفترة زمنية معينة..والصوم شرعا هو الإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات مع النية، من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس..

ظهرت أشكال متعددة من الصيام عبر التاريخ الإنساني قبل الإسلام، فمنها ما كان يمارسه العامة ومنها ما كان يختص بفئة معينة من الناس رجال الدين , فقد اشتملت جميع الأديان السماوية وغير السماوية على الصوم: نذكر منها :• الصوم في الديانة الهندية : من أقدم الديانات التي طالبت معتنقيها بالصيام، ولا زالت موجودة حتى الآن هي الديانة الهندية البرهمية، حيث يحتفل أتباع هذه الديانة بعيد مخصص للصوم الذي يُقصد به تزكية النفس، وفيه تخصص كل طائفة من الطوائف الهندية يومًا للصوم فيه، فيسهرون طوال الليل ويبيتون يتلون الكتب المقدسة, ولأهميته سمي هذا الصيام بـ (برت) أو (العهد) والتي تخصص لتزكية الروح وتغذيتها بالغذاء الروحاني, كما يصوم البراهمة اليوم الحادي عشر والثاني عشر من الشهر الهندي، وبهذا يبلغ عدد الأيام التي يصومها معتنقو هذه الديانة الهندية ٢٤ يوم في السنة ,كما وُجد الصيام في الديانة الجينية الهندية، التي يلقى الصيام فيها شروطًا وتشديدات صارمة، فيواصل أتباع الجينية الهندية أربعين يومًا بالصوم.• الصوم في الديانة المصريين القدماء : ظهر الصيام عند المصريين القدماء بهدف التقرب من الآلهة ونيل رضاها ,وهناك شكر لها في الاحتفال بالأعياد مثل عيد الحصاد والربيع ووفاء النيل بممارسة العديد من الطقوس , وهناك صيام الكهنة وصيام عامة الشعب , وهناك نوعًا من الصيام يقتضي منهم الصيام عن كل شيء باستثناء الماء والخضراوات لمدة سبعين يومًا.• الصوم في الديانة الفرس والاكراد : كان يوجد عند قدماء الفرس والأكراد (الزرادشتية والأيزيدية) التي انتشرت في بلاد فارس وما حولها قبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف عام، والصيام عندهم مقدس ومدته ثلاثة أيام يبدأ يوم الثلاثاء وينتهي يوم الخميس بحسب تقويمهم, يتوقفون فيه عن الطعام والشراب من شروق الشمس وحتى المغيب، أما رجال الدين فكانوا يصومون الثلاثة أيام بصورة متتالية ويفطرون في يوم يُسمى (عيد ئيزي)، لذلك فالصيام عندهم يُقسم إلى نوعين: صيام العامة وصيام النخبة وهم رجال الدين.• الصوم في الديانة بابل : وُجد الصوم في بابل، فقد عرف الصيام عندهم باسم “شيتو” ولم يكن فرضًا ملزمًا، فكانوا يصومون ثلاثين يومًا متفرقة عدد ما تقطعه الشمس في كل برج من بروجها، فيمسكون عن الطعام والشراب من شروق الشمس إلى غروبها، ويفطرون على غير اللحوم من الألبان والنباتات إلا ما حُرّم منها , وعُرف الصوم أيضًا عند الصابئة الذين يعرفون الصوم الأكبر، وهدفه الكفّ عن الذنوب، وما نعرفه نحن عن الإمساك عن المطعم والمشرب، فقد جاء عندهم متقطعًا مرتبطًا بمواقيت تشمل العام كله؛ لكي لا يخلو عندهم شهر من هذه الشعيرة. والصيام عندهم مقتصر على الإمساك عن أكل اللحوم، ولهذا حرّم عندهم النحر في أيام الصيام.• الصوم في الديانة اليونان : وضع الكهنة اليونانيين صومًا يسوده طابع الخِفية والسرية، وقسموها إلى أسرار صغرى في فصل الربيع، وأخرى كبرى تدوم لأربعة أيام لمن حاز الأسرار الكبرى.• الصوم في الديانة الرومان : وقد تأثر الرومان بصوم اليونانيين، فأصبح صيامهم شبيهًا به؛ فشعيرة الصيام عندهم تمثل شعيرة الامتناع والحرمان الممزوجة بتعاليم مبهمة وضعها الكهّان ليختصوا بها وحدهم.• الصوم عند الانبياء اولهم ابو الانبياء ادم عليه السلام : روى الأئمة والفقهاء أنّ أول من صام من البشر كان أبو الأنبياء آدم عليه السلام، وكان أول صيامه عقب نزوله إلى الأرض وقبول الله دعوته وتوبته.• الصوم عند النبي نوح عليه السلام : صام نبي الله نوح عليه السلام الأيام البيض القمرية وزاد عليهم اليوم الذي نجاه الله تعالى فيه من الطوفان، وهذا ما رواه النبي -عليه الصلاة والسلام- عنه.• الصوم عند اليهود: الصيام عند اليهود كان يعتبر رمزًا للحداد والحزن عندهم في العهد البابلي، وكان يُلجأ إليه إذا هددهم خطرًا، أو في حالة كان كاهن أو ملهم يعد نفسه لإلهام أو نبوة.وكان اليهود يصومون مؤقتاً إذا اعتقدوا أن الله غاضب عليهم غير راضٍ عنهم أو إذا حلت بالبلاد نكبة عظيمة أو خطب كبير أو إذا أصيبت البلاد بوباء فتاك، وفي بعض الأحيان عندما يعزم الملوك على مشروع جديد.واليهودي يصوم أيامًا عدة متفرقة من السنة، أهمها يوم الغفران (يوم كيبور) في شهر أكتوبر، وهو اليوم الذي نزل فيه سيدنا موسى عليه السلام من سيناء للمرة الأولى ومعه ألواح الشريعة، ويستمر صيامهم لمدة ٢٦ ساعة وهو بالنسبة لهم أقدس الأيام، ويبدأ صيامهم من غروب الشمس وحتى حلول الظلام في اليوم التالي.كما يصوم اليهود يوم عاشوراء الذي نجى فيه سيدنا موسى عليه السلام من الغرق.ويصوم اليهودي أيامًا تذكره بأحزان جماعة إسرائيل، ومن أهمها التاسع من أغسطس يوم خراب الهيكل الأول والثاني.ويصوم اليهود ذكرى اليوم الذي حطم فيه موسى ألواح الشريعة، ودخل فيه بوختنصر إلى المدينة.• الصوم عند المسيحيين : للصّوم مكانة كبيرة عند المسيحيين؛ فهو ارتباط روحي بالرب والتزام منهم بتعاليم المسيح منذ نشأته حتى ظهوره ثانيةً كدليل إيمان به. تقوم كل طائفة أو كنيسة بتحديد موعد الصوم لأتباعها، ولم يحدد الإنجيل طريقة أو أوقات محددة للصوم يتبعها المسيحيون في مختلف أنحاء العالم.الصيام عند المسيحيين يكون بالامتناع عن تناول الطعام مدة أثنتي عشرة ساعة في اليوم على الأقل، وذلك من بداية اليوم وحتى انقضاء المدة، ثم تناول طعام خال من الدسم.كما أ ن رهبانهم شرعوا لهم صوم أربعين يوماً اقتداء بالمسيح؛ إذ صام أربعين يوماً قبل بعثته، ويُشرع عندهم نذر الصوم عند التوبة وغيرها، إلا أنهم يتوسعون في صفة الصوم، فهو عندهم ترك الأقوات القوية والمشروبات، أو هو تناول طعام واحد في اليوم، يجوز أن تلحقه أكلة خفيفة.

ويشمل الصوم عند المسيحيين صوم يوم الأربعاء، وهو يوم المؤامرة التي انتهت بالقبض على عيسى. وصوم يوم الجمعة؛ لأن المسيح صُلب فيه. وصوم الميلاد وعدد أيامه 43 يومًا تنتهي بعيد الميلاد. والصوم المقدس وعدد أيامه 55 يومًا، وهي عبارة عن الأربعين يومًا التي صامها المسيح مضافًا إليها أسبوعان: الأسبوع الأول منهما قبل الأربعين، ويسمى أسبوع الاستعداد والتهيئة للصوم الأربعيني المقدس، والأسبوع الثاني أسبوع الآلام، ويأتي بعد الأربعين يومًا وينتهي بأحد القيامة، ويمتنع في هذا الصوم أكل لحم الحيوان أو ما يستخرج منه، ويقتصر على أكل البقول , ثم يجيء صيام الرسل وعدد أيامه يزيد وينقص حسب اختلاف الطوائف، وتتراوح مدته بين 15و49. وهناك صوم العذراء ومدته 15 يومًا.• الصوم عند المسلمين : فُرض الصيام على المسلمين في العام الثاني من الهجرة النبوية المشرفة، والصيام عند المسلمين يقتضي الامتناع عن كل الطعام والشراب بداية من وقت الفجر وحتى غروب الشمس، ويكون في شهر رمضان المبارك، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام التي لا يستقيم إسلام المسلم دون أدائها.كما يصوم المسلمون أيامًا أخرى خلال العام مثل ليلة النصف من شعبان والتسع الأوائل من ذي الحجة لمن لا يحج..

 

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة