“العبدلي” من معسكرات للجيش إلى منطقة تضع عمان على خريطة المستقبل الاقتصادي
عمان– مثلما كانت منطقة مجمع الاعمال التي أضحت شاهدا على الرؤية الملكية الاقتصادية والمستقبلية للعاصمة عمان، بما حملته من استغلال لما تتمتع به المنطقة من فضاء، يمكنها من أن تكون مركزا اقتصاديا حيويا، بالتوازي مع فضاءات التصميم الحديث لهذا النوع من المناطق العصرية في المدن الحديثة، فإن منطقة العبدلي التي تتوسط قلب عمان بما تحمله روحه من فضاءات تحقق فيه عناصر اقامة المشاريع الاقتصادية المتنوعة، أضحت مرحلة تحديثها الأولى، فاتحة للانتقال باللحظة الاقتصادية الحاضرة الى اقتصاد المستقبل في مرحلة ثانية، لتؤكد قوة الفعل الذي يتحقق بإرادة الانسان والمكان معا، والتجديد والاستمرار بمواكبة العصر، دون إخلال بشروط هذا الانتقال، ليحققا تاريخا وحاضرا جديدين، يعززهما اقتصاد حيوي وحديث، يتفاعل مع مفردات الاقتصادات العالمية الجديدة، ونقطة جذب حيوية لأكبر المؤسسات الاقتصادية العالمية.
المرحلة الثانية، لتوسعة مشروع العبدلي التي أشار جلالة الملك عبدالله الثاني في اجتماعه أمس برئيس وأعضاء مجلس إدارة شركة العبدلي للاستثمار والتطوير، إلى “أهمية مساهمة المشروع في تحقيق رؤية التحديث الاقتصادي التي تهدف إلى تنمية الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل للأردنيين”، تؤكد عمق الرؤية الملكية في إعادة بلورة مفهوم المكان، ليكون فاعلا للتحديث الاقتصادي بكل ملامحه.
إن ما يحمله مشروع المرحلة الثانية لتوسعة منطقة العبدلي، هو امتداد ناضج وعملي لفكرة المدينة الحديثة، القادرة على استيعاب رؤى العصر وأدواته، فقد شيدت المرحلة الاولى، كنقطة مركزية في قلب العاصمة، تجدد دورتها الاقتصادية، وتكون بمنزلة القلب الذي يضخ في المدينة دما جديدا، وينقلها من زمن الى زمن، ويشرع بوابتها للتطور دون الإخلال بعناصر المكان، بل ويمدها برؤى ومقترحات، يتوجب توافرها لتحسين مناخ العمل والفعل الاقتصادي في العاصمة، ونمو كل ذلك دون اخلال بشروط التحديث المستمر والمتكيف مع التقدم العصري الذي لا يتوقف، والذي باتت عمان تدرك أهمية المضي معه، لتكون مدينة وعاصمة، تتحرك في قلب هذا التقدم.
كما جسد مجمع الاعمال بما يتضمنه من مؤسسات اقتصادية كبرى، التصور الملكي للنهوض بالمكان والمجتمع العماني، وجعله رئة تتنفس عبرها المدينة بمكوناتها الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، أضحى مشروع العبدلي في مرحلته الاولى متنفسا لعمان، وها هي الرؤية الملكية تذهب الى جعل المرحلة الثانية منه، تجسيدا للاستشراف الملكي لمستقبلها، في مواءمة تمزج بين عراقة المدينة تاريخيا، ونبض الحاضر الذي يمدها بضوء المستقبل.
تتشابه قصة مجمع الأعمال مع قصة منطقة العبدلي، فالأخيرة كانت معسكرات للجيش أقيمت في عقود لم تكن المنطقة فيها جزءاً من التوسع العمراني، لذا رأى جلالة الملك أن يدفع الى جعلها منطقة اقتصادية، توفر الفرص المتنوعة للارتقاء بالاقتصاد الوطني، بمختلف مناحيه ومجالاته، الى جانب ما تضفيه من ملامح عصرية لعمان جماليا وانسانيا وبيئيا وثقافيا.
وكذلك الأمر لمجمع العبدلي، الذي رأى جلالة الملك فيه فرصة أخرى، لمنطقةٍ توفر أفقا عصريا، للاستثمار وجذب المؤسسات الاقتصادية الكبرى، المحلية والعالمية، لتتنفس في هذا الفضاء، بما يتفاعل في أرجائه من ابتكار وإبداع، يقوده الاردنيون الى مستويات رفيعة من الانجاز والفعل في عمان، حاضرة المدن، التي يعيد جلالة الملك رسم حركتها في التقدم الى المستقبل بخطى ثابتة، وبمفردات تمدها بقوة الفعل في مواكبة عصر، تتسارع فيه حركة تقدم البشرية، واصبحت فيه المنافسة واستقطاب فرص الاستثمار، هاجسا تلاحقه الدول، فيما أدرك جلالة الملك هذا البعد مبكرا، فدفع بعجلة الانتقال الى المستقبل، عبر حاضر، قادر على أن يمهد للاجيال القادمة، طريق الدخول اليه بثقة، ليشكل الاردن في هذا المنحى الذي التقطه جلالة الملك، قصة نجاح تتحقق فيها قوة الفعل والارادة والعمل.
انطلق جلالته من رؤية تُعمق الرؤى التي عمل على انجازها خلال مسيرة ربع قرن، منذ توليه سلطاته الدستورية، وتحمل تصورا واضحا ان المستقبل بيدنا وعلينا صناعته بالعقل والعمل، وأن البقاء في اللحظة الراهنة، سيبقينا في مكاننا، لذا مضى برغم كل التحديات الى إرساء لبنات مستقبل مشرق للاجيال، وعلى ارض صلبة، جابهات التحديات، من اجل خلق أفق جديد، يراه ابناء المستقبل اليوم، فينضجون على خوضه دون تردد، ويرتقون بأحلام الوطن.
لم تعد عمان قرية، ولم يعد الاردني يرضى بالوقوف على هامش العصر، من هنا، كان الاهتمام الملكي حاضرا في تغيير هذه النظرة، وارساء مفاهيم قادرة على الامساك بيد الزمن، والمضي معه الى منطقة آمنة، تنهض بالاقتصاد وتحقيق منعته، وتدفع بمفردات التقدم الى جعل عمان في قلب التغيير والنهوض بهدوء وعقلانية وذكاء، وهو ما يتحقق.
وتبقى منعة الاقتصاد والارتقاء به بسجل في ذاكرة الاردنيين لأن عمان لم تعد المدينة الصغيرة بجعلها تنافس عواصم العالم باقتصادها واستقطابها للاستثمار وتوفير فرص العمل لأبنائها، وتتشارك مع العالم في صياغة المستقبل، بما يلبي حاجات المجتمعات، ويتساوق مع التقدم التقني والاجتماعي والعمراني والجمالي والروحي.
تجسد اهتمام جلالة الملك الذي اطلع أمس على خطط المرحلة الثانية لتوسعة مشروع العبدلي، أحد أبرز المشاريع الاستثمارية في العاصمة، أهمية مساهمة المشروع بتحقيق رؤية التحديث الاقتصادي، التي تعمل على تنمية الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل للأردنيين، والنهوض برؤاهم وطرق تفكيرهم في ترقية وعيهم بأهمية التفاعل مع الحداثة ومفرداتها المتنوعة، لتحقيق الانجازات للاقتصاد الوطني، وادامة نموه، واستمرارية فاعليته، ليصبح نموذجا اقتصاديا متقدما إقليميا وعالميا، في ظل توفير الارضية المناسبة لإنجاز كل هذا.
تقدر قيمة مشروع العبدلي بأكثر من 2.4 مليار دينار، حتى يحقق مكانته الفريدة في المملكة والإقليم، لتغدو العبدلي، منطقة جاذبة للمستثمرين الأردنيين والعرب والعالميين، لتتمكن من استقبال نحو 20 مليون زائر سنويا.
عموما يعتبر مشروع العبدلي من أكبر مشاريع التطوير العقاري، متعدد الاستخدامات في المملكة، اذ يضم مرافق طبية ومجمعات سكنية ومكاتب تجارية وفنادق ومحلات تجارية وترفيهية، وفضاءات للمواطنيين والزوار.
بدأ العمل في تطوير المشروع عام 2004 بشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو اليوم في مرحلته الاولى نحو 450 شركة، تعمل في 27 قطاعا مختلفا، ابرزها المقرات الرئيسية لمجموعة من البنوك والشركات الإقليمية والعالمية مثل: أمازون، أورانج الأردن، ال جي، فيرنج، هواوي وبيجو، وغيرها من المؤسسات الاقتصادية العالمية الكبرى.
هذا المشروع الطموح، وفرت الشركات العاملة فيه حتى اليوم، أكثر من 15 ألف فرصة عمل، وقد بلغت مساحة تطوير مرحلته الأولى 1.03 مليون م2. وهو مشروع رائد وطنيا وعلى مستوى الاقليم، اذ يضم أكثر من 970 ألف م2 من المنشآت السكنية، ما يجعله وجهة جذب رئيسة للسكان المحليين وزوار المملكة، اذ يقدم أكثر من 1,200 غرفة فندقية لأبرز العلامات التجارية الفندقية في العالم، كفنادق: روتانا أرجان، كامبل جراي، دبليو، الى جانب شقق فندقية فاخرة في الداون تاون.
خصص العبدلي 150 ألف م2 لمنطقة الصحة والاستشفاء، يعمل فيها فريق متخصص من الخبراء، بالاضافة الى أنه يضم أكثر من 83 مطعما ومقهى. وخلال مرحلته السابقة، تاسست الشركة الأردنية للطاقة المركزية، لتوفير خدمات طاقة التبريد والتدفئة له، في نطاق حلول مبتكرة، متمثلة بتعزيز كفاءة الطاقة المستدامة والصديقة للبيئة، والراحة والتسهيلات للعملاء.
في العام الماضي اطلقت المرحلة الثانية منه، اذ ستنجز فوق مساحة 134 ألف م2، بمساحة تطويرية تصل إلى 1.2 مليون م2، وتضم مركز مؤتمرات رفيع المستوى، ومرافق طبية متطورة، ووحدات سكنية، ومساحات خضراء، ويتوقع بأن تجذب هذه المرحلة نحو 500 شركة محلية وعالمية، وتوفر 3 آلاف فرصة عمل سنويا.
هذه المشاريع الريادية الجاذبة للاستثمار، هو ما يحتاج اليه الاردن، وتتسابق عليها عواصم العالم، وهو ما يؤكد على رؤية جلالة الملك، وعمق استشرافه للمستقبل.
التعليقات مغلقة.