العراقيون وأكراد سورية يضيقون الخناق على “داعش”
فيما حاصرت القوات الكردية أمس عناصر تنظيم “داعش” المتحصنين داخل سجن في شمال شرق سورية، بعد خمسة أيام من شنّهم هجوماً مباغتاً تلته اشتباكات لم تبلغ خواتيمها بعد، شارفت قوات عراقية على الانتهاء من عمليات تطهير للتنظيم الذي نفذ الأسبوع الماضي عملية راح ضحيتها 11 جنديا عراقيا في محافظة ديالى شرق العراق.
ففي الحسكة شارك أكثر من مائة من مقاتلي “داعش” الموجودين داخل السجن وخارجه، في هجوم منسّق بدأ مساء الخميس الماضي على المرفق الذي يشرف عليه الأكراد في مدينة الحسكة، في عملية تعتبر “الأكبر والأعنف” منذ إعلان القضاء على التنظيم في سورية قبل ثلاث سنوات. وما تزال قوات سورية الديموقراطية، التي يعدّ الأكراد أبرز مكوناتها، تعمل على استعادة السيطرة الكاملة على المنطقة.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس “تعمل القوات الكردية راهنا على تضييق الخناق على عناصر التنظيم المتحصنين في القسم الشمالي من السجن، بموازاة عمليات تفتيش حذرة للأبنية” في الأقسام الأخرى.
وأفادت قوات سورية الديمقراطية في بيان أمس بأن 250 عنصراً جديداً من التنظيم استسلموا، بعد “عمليات مداهمة دقيقة” لبناء تحصنوا فيه داخل السجن، ما يرفع العدد الإجمالي للعناصر الذين سلموا أنفسهم الى 550.
ولم تتضح الوجهات التي يتم نقل هؤلاء إليها. وأفاد المرصد بأن عشرات الأطفال من “أشبال الخلافة”، ممن التحقوا سابقاً بالتنظيم والمحتجزين في السجن، كانوا في عداد من تم نقلهم في حافلات من السجن أول من أمس.
وأوقعت الاشتباكات المستمرة منذ الخميس الماضي، وفق آخر حصيلة للمرصد، 114 قتيلاً من عناصر التنظيم و45 من القوات الكردية، إضافة الى سبعة مدنيين.
وفي ديالى العراق أطلقت القوات العراقية عملية صعبة في مناطق مفتوحة لملاحقة عناصر التنظيم تمتد من محافظتي ديالى وصلاح الدين وصولا الى كركوك التي تقع عاصمتها وتحمل الاسم ذاته على بعد 250 كيلومترا شمال بغداد.
ويقول ضابط كبير في الجيش لوكالة فرانس برس التي شهدت على جزء من العملية، إن عناصر التنظيم “يختبئون في مضافات جحر أو كهوف أو بيوت متروكة في مناطق نائية”.
ويشير الضابط الذي رفض كشف اسمه، الى أن الجيش أطلق الجمعة الماضي عملية واسعة على ضفاف نهر العظيم الممتد في محافظة ديالى “بعد الهجوم على أحد مواقعنا المتقدمة” الذي نفذه تنظيم الدولة الإسلامية.
وقتل في الهجوم الذي نفذه التنظيم فجر الجمعة الماضي، 11 جنديا عراقيا بينهم ضابط في موقع عسكري متقدم الذي تعرّض للهجوم، بين مقرات أخرى صغيرة تفصلها 300 متر عن بعضها، بمحاذاة النهر.
وتحيط خنادق بالموقع الذي يحمل آثار رصاص على بعض جدرانه الخرسانية، وتحيط به أسلاك شائكة من جميع الجهات.
ووفقا لضابط عراقي، فقد كان هجوم الجمعة الماضي هو “الأول الذي ينفذه عناصر التنظيم مباشرة” بعد القضاء عليهم في العام 2017 في العراق، مضيفا “لم تكن لديهم الإمكانات للقيام بذلك. كان عملهم يقتصر على وضع عبوات ناسفة واستخدام رصاص القنص”.
ويرجح الضابط “استغلالهم سوء الأحوال الجوية والوقت المتأخر (ليلاً) لتنفيذ الهجوم”.
ويقول المحلل الأمني عماد علو لفرانس برس إن الدوافع وراء الهجوم، “محاولة التنظيم إعادة ترتيب صفوفه ونشاطه داخل العراق”.
وتتكرّر الهجمات التي ينفذها التنظيم بعد أربع سنوات على إعلان بغداد الانتصار عليهم، لا سيما في هذه المناطق الزراعية المعزولة التي تفصل بغداد عن محافظة كركوك. ويحتفظ التنظيم بـ”10 آلاف مقاتل نشط” في العراق وسورية، وفقا لتقرير للأمم المتحدة.
ويمكن للمواجهات ضد التنظيم أن تدخل مرحلة أكثر خطورة لأن القوات العراقية لم تعد تحظى بدعم جوي مباشر من التحالف الدولي لمحاربته بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
وأنهى 3500 عسكري، بينهم 2500 أميركي، من عناصر التحالف، “مهمتهم القتالية” مع نهاية العام الماضي في العراق، وبات واجبهم مختصراً على التدريب وتقديم المشورة لنظرائهم العراقيين.
ورداً على سؤال عما إذا كان انسحاب التحالف يعد مصدر قلق، يقول الضابط الكبير بثقة “لدينا طيران وقوة جوية خاصة بنا نعتمد عليها”. ويتابع “والأمور الأخرى، لست أنا من يقرر”.
ويقول النقيب أزهر الجبوري، أحد ضباط قوة الرد السريع التابعة للشرطة الاتحادية لحظة عودته من دورية على مقربة من نهر العظيم، “منذ أربعة أيام ونحن في هذه المنطقة، لم نتعرض لأي مواجهات مباشرة”. في المقابل، “فككنا عبوات (ناسفة) واعتلقنا بعض عناصر “داعش” وحرقنا مضافات” عثرنا عليها في مناطق جبلية.-(أ ف ب)
وفي الحسكة السورية يعدّ سجن الصناعة في حي غويران من بين أكبر مراكز الاعتقال التي تشرف عليها الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سورية. وكان يضمّ قرابة 3500 مقاتل من التنظيم، بينهم نحو 700 فتى، غالبيتهم ممن تمّ القبض عليهم خلال آخر المعارك التي خاضتها قوات سورية الديمقراطية ضد التنظيم قبل دحر “دولة الخلافة” عام 2019.
وتتقدّم قوات سورية الديمقراطية وقوات الأمن الكردية (الأساييش) ببطء داخل السجن، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، خشية من وجود عناصر متوارية للتنظيم في بعض الأبنية ومن وقوع “حمام دم”.
وقال عبد الرحمن “تراهن قوات سورية الديمقراطية على عامل الوقت للضغط على عناصر التنظيم للاستسلام”. وأكّد أن “لا خيار آخر لديهم سوى القتال حتى النهاية أو الاستسلام”. وأضاف “ما لم يتم لتوصل الى اتفاق، يمكن أن تحدث مجزرة يقتل خلالها المئات”.
وتجري مفاوضات بين الجانب الكردي والتنظيم من أجل التوصل الى اتفاق ينصّ على توفير الطبابة لجرحى التنظيم، مقابل إفراج الأخير عن رهائن يحتجزهم من حراس السجن وموظفيه، وفق عبد الرحمن.
وبحسب المرصد، يلقى التفاوض موافقة العناصر السوريين من التنظيم، بينما يعارضه العناصر الأجانب.
وبحسب المرصد، يحتفظ عناصر التنظيم المتطرف بقرابة 27 رهينة داخل السجن، فيما ما يزال مصير أربعين آخرين مجهولاً. ولم تنشر القوات الكردية أي معلومات بهذا الصدد.
ودفعت الاشتباكات المستمرة نحو 45 ألف شخص الى الفرار من منازلهم في مدينة الحسكة، وفق الأمم المتحدة، فيما فرضت الإدارة الذاتية الكردية حظر تجول ليلاً حتى نهاية الشهر الحالي بهدف “منع الخلايا الإرهابية من أي تسلل خارجي”.
وأبدت الامم المتحدة ومنظمات دولية قلقها خصوصاً إزاء مصير الأطفال القصّر المحتجزين في السجن.
ويشارك التحالف الدولي في دعم قوات سورية الديمقراطية عبر شن غارات محددة ونشر قوات.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي أول من أمس أن القوات الأميركية شاركت في القتال عبر “سلسلة غارات، لضمان دقة استهداف مقاتلي” التنظيم الذين يهاجمون قوات سورية الديمقراطية في المنطقة.
وأوضح أن القوات الأميركية قدمت دعماً “محدوداً” على الأرض للمساعدة في “إنشاء مناطق آمنة شملت تمركز عربات برادلي المدرعة والمقاتلة على طرق تؤدي الى السجن”.
ومنذ إعلان خسارة التنظيم كل مناطق سيطرته في سورية في آذار (مارس) 2019، يشنّ عناصر منه بين وقت وآخر هجمات ضد أهداف حكومية وكردية في منطقة البادية الممتدة بين محافظتي حمص (وسط) ودير الزور (شرق) عند الحدود مع العراق، التي انكفأوا إليها.
ويرى خبراء في الهجوم الأخير على السجن مرحلة جديدة في عودة ظهور التنظيم.
وقال مركز صوفان في إيجاز أول من أمس إن ما جرى “هو أحدث تذكير على أن قوات سورية الديمقراطية تفتقر إلى العديد والموارد اللازمة لتعمل كحارسة للسجون على المدى المنظور”.
وأضاف “يجب أن يكون الهجوم بمثابة جرس إنذار للدول من أجل استعادة مواطنيها”.
ومنذ إعلان القضاء على التنظيم، تطالب الإدارة الذاتية ذات الإمكانات المحدودة، الدول المعنية باستعادة مواطنيها المحتجزين في سجون ومخيمات أو إنشاء محكمة دولية لمحاكمة الجهاديين في سورية. لكن مناشداتها لا تلقى آذاناً صاغية. واكتفت فرنسا وبضع دول أوروبية باستعادة عدد محدود من الأطفال اليتامى.-(أ ف ب)
التعليقات مغلقة.