الغزو يخط “التغريبة الهلالية بين الواقع التاريخي والأسطورة”
ضمن سلسلة “فكر ومعرفة” التي تصدرها وزارة الثقافة، صدر كتاب بعنوان “التغريبة الهلالية بين الواقع التاريخي والأسطورة”، للخبير الاقتصادي الدكتور حسين أحمد الحسين الغزو.
جاء الكتاب في تسعة فصول؛ الأول يتحدث عن “تاريخ العرب في شمال إفريقيا”، بينما الفصل الثاني جاء بعنوان “القبائل والإمارات الأمازيغية الزناتية”، فيما تحدث الفصل الثالث عن “الدولة الزيرية الصنهاجية”، كما تحدث الفصل الرابع عن “الدولة الحمادية الصنهاجية”، أما الفصل الخامس فيتناول “الهلاليون والقرامطة”، ويشير الفصل السادس إلى “التغريبة الهلالية في التاريخ”، كما يتحدث الفصل السابع عن “حروب بني هلال بعد التغريبة”، فيما يتناول الفصل الثامن “القبائل الهلالية في شمال إفريقيا”، ويتحدث الفصل التاسع عن “الملحمة الشعبية للتغريبة الهلالية”.
في تقديمه للكتاب، يرى المؤلف أن التغريبة الهلالية تعد من الملاحم والسير القصصية الشعبية الرائجة في أرجاء البلدان العربية كافة، من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، وتناقلتها ألسنة الرواة والشعراء شفويا على مر التاريخ، وشهدت القصص المتصلة بالتغريبة الهلالية رواجا في المقاهي المصرية، حيث كانت الوسيلة الأساسية لتسلية رواد المقاهي، كما انتشرت قصص الهلاليين بين العامة في الأحياء الشعبية في مختلف البلدان العربية، واستمرت في التناول والرواج لقرون عدة حتى الفترة التي سبقت انتشار أجهزة المذياع والتلفاز.
ويضيف الغزو، أن الرواة كانوا يزيدون القصص ويضعون الأشعار ويختلقون أسماء أبطال وشخصيات وهمية وبطولات ومعارك في مراحل السيرة كافة حتى تعددت قصصها وأشعارها وتشعبت إلى بطولات أسطورية مختلفة، منها ما هو مرتبط بأسماء شخصيات هلالية حقيقة، ومنها لشخصيات خرافية من نسج الخيال ابتدعها الرواة والمنشدون.
وأوضح المؤلف، أنه خلال القرن التاسع عشر، تنبهت دور النشر للطلب المتزايد على القصص المتعلقة ببني هلال، فأغرقت الأسواب بروايات وقصص الهلاليين، وقد أضافت دور النشر، بدورها، العشرات من بطولات الهلاليين الأسطورية لجذب المزيد من القراء، وبذلك فقد تضخمت هذه السيرة ووضعت عنها المجلدات القصصية، مثل ما يسمى بـ”السيرة الهلالية” و”التغريبة الهلالية”، والعديد من القصص والروايات الأخرى المتصلة بهذه الروايات، وبذلك نستطيع القول إن الرواة قد أخذوا القالب التاريخي الحقيقي للتغريبة الهلالية، ونسجوا عليه أساطير وخرافات لا حصر لها حتى أخرجت التغريبة الهلالية من سياقها التاريخي.
ويقول الغزو، إن دراسة التغريبة الهلالية من الجانب التاريخي المحض، وكان لابد لنا من التعريج على الدراسات التاريخية والتراجم التي بذلت في هذا المضمار، حيث إن هناك العديد من الجهود المحمودة التي تؤرخ هذه الملحمة. وتجدر الإشارة إلى أن التغريبة الهلالية لقيت اهتماما لافتا من قبل العديد من المستشرقين والمؤرخين، الذين وضعوا العديد من المؤلفات والتراجم عنها. كما اهتم العديد من المؤرخين في المشرق والمغرب العربي بتأريخ السيرة الهلالية. وقد اعتمدت أغلب هذه الدراسات على ما كتبه ابن خلدون “1332-1406م”، عن التغريبة الهلالية، إذ تبرز أهمية كتابات ابن خلدون لقربها الزمني من أحداث التغريبة الهلالية، حيث عاصر ابن خلدون أحفاد بني هلال وعايشهم في شمال إفريقيا وتقال رواياته بشكل مباشر عن ألسنتهم وما تناقلوه عن أسلافهم الهلاليين ورحلتهم من بلاد المشرق إلى المغرب.
وفي زمن ابن خلدون، كان هناك صولات وجولات وصراعات بين بطون من القبائل الهلالية والإمارات الأمازيغية القائمة في تلك الآونة. كما نقل المؤرخون بعض أحداث التغريبة عن ابن الأثير “1160-1233م”، الذي سبق ابن خلدون بأكثر من قرن وعاصر أحداثا كبيرة تتعلق ببني هلال وحروبهم في أوقات متأخرة من التغريبة. كما أورد ابن عذاري المراكشي “ت695هـ”، نصوصا عدة تتعلق بالهلاليين، كان أهمها كتاب “البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب”، الذي يشتمل على تاريخ المغرب الكبير، منذ بدايات الفتح الإسلامي سنة “27هـ”، إلى نهاية الصنهاجيين بإفريقيا وبداية المرابطين بالنصف الغربي. ولكن بالرغم من أهمية هذه المؤلفات، يبقى ابن خلدون المرجع الأساسي في تأريخ الهلاليين، إذ تميزت كتاباته، بسرد تفصيلي للأحداث، حيث أمعن بتأريخ معارك الهلاليين، وذلك بسبب إقامته بين أحفادهم، أما ابن الأثير، وهو عراقي المولد، فكان بعيدا جغرافيا عن افريقيا وبلاد المغرب.
ويشير الغزو إلى أن المؤلفات المعاصرة تبنت ما جاء على لسان ابن خلدون وابن الأثير من تحليل لبعض القصص والوقائع التاريخية. كما تناولت بعض الدراسات التغريبة من الناحية الاجتماعية، كالهجرات الجماعية ومسبباتها، في حين بحثت مؤلفات أخرى بقصص مجتزأة عن شخوص في التغريبة الهلالية، كقصة الجازية، وكذلك الدراسات الأدبية للتغريبة التي وضعت مقارنات بينها وبين الروايات الشعبية العالمية.
ويقول المؤلف، إن هذه الدراسة جاءت متأنية للتغريب الهلالية من الناحية التاريخية الصرفة، في محاولة لملء الفراغ في تأريخ هذه الهجرة الجماعية، ولنسقط ما علق بها من أساطير وخرافات على مر التاريخ، لكي يرقى هذا الكتاب إلى وثيقة تاريخية يعتد بها، حيث تتناول إحدى أهم الهجرات العربية والأكثر جدلية على مر التاريخ. ومن هذا القبيل، فقد استهل الكتاب بدراسة الأرضية التاريخية والجغرافية التي قامت عليها أحداث التغريبة، متدرجا في سرد الجغرافيا التي قامت عليها التغريبة، مرورا من الجزيرة العربية، فبلاد الشام، فمصر، وصولا إلى شمال إفريقيا، ودراسة المجتمعات في شمال إفريقيا قبل قدوم الهلاليين.
التعليقات مغلقة.