القراءة غذاء العقل والروح // الدكتور فخري النصر

للجسم غذاءٌ مادي يعيش به ويمده بالطاقة والحيوية ويساعده على الحركة والنمو ,كما ان للعقل غذاءٌ معنوي وهو القراءة يساعده على التفكير السليم والتفكير الابداعي والتأملي , ويقود الجسم نحو الصواب ولما فيه خيرا الدنيا والاخرة ,واذا كان العقل عقيماً لا يقرا ولا ينتج شيئاً سيظل الانسان جاهلا وتابعاً لغيره , يوجَّه كما تُوجه الأنعام والابل ، وهذا لا يتناسب مع كرامة الإنسان التي كرمة الله بها وميزة عن سائر المخلوقات وجعلة مناط التكليف والتشريف قال تعالى في سورة الاسراء : ۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ( 70).
ويكون غذاء العقل من خلال الاستفادة المباشرة من عقول الآخرين او الافكار المنشورة في صفحات الكتب والمجلات والمواقع الالكترونية ، وعندما نتأمل كتاب الله تعالى نجد أن أول كلمة نزلت من القرآن الكريم كانت كلمة “إقرأ” ، قال تعالى في سورة العلق : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) , وهي كلمة صريحة تعني أن بداية المعرفة تكون بالقراءة ، فالإنسان القارئ يستطيع أن يحاور جميع العقول وأن يقول الحجج والبراهين المنطقية، لأنه يثق في معرفته وقدراته ., وهو هذا الامر للامة الاسلامية , لأنه عليه الصلاة والسلام أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب. وإنما كان أمراً لأمته لأنها هي التي ستحمل رسالته وشريعته جيلاً بعد جيل حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
وأيضاً عندما نتأمل مواقف السير النبوية نتأكد من مدى أهمية القراءة ومنها: موقف فداء الأسرى في معركة بدر ، حيث أن رسولنا الكريم كان يطلب من الأسير إذا كان يريد في فداء نفسه من الأسر أن يعلم عشرة من المسلمين ، وهذا دليل واضح على أهمية القراءة.
وفي العصر الحديث ومع انتشار وسائل الترفيه والتلفاز والراديو وانشغال الامة الاسلامية بالأمور المادية والجدلية وقلت القراءة في العالم العربي والاسلامي واتجه الانسان الى امور اخرى , ولكن القراءة هي الوسيلة الرئيسة للاتصال والتعلم والتعرف على الثقافات والعلوم الأخرى الموجودة في هذا الكون ، وهي المصدر الرئيسي للنمو اللغوي للفرد ، ومصدر لنمو شخصيتهُ ، وهي عملية فكرية عقلية يتفاعل معها القارئ في فهم ما يقرأ وينقده ويستخدمه في حل ما يواجه من مشكلات والانتفاع بها في حل المشكلات، ومنها نكتسب ثقافات مختلفة ومتنوعة، ونتعلم الكثير الكثير ومن خلالها نستطيع تقوية الحواس والذاكرة والعقل للحصول على الكثير من المعرفة . وتنقل الفرد من الضيق والمحدودية إلى فضاءات شاسعة تفتح أمامه آفاقاً جديدة وتثري حياته بالمعرفة والتجارب.
وأن الشخص الذي يقرأ مجالات شتّى من الحياة سواء كانت أدبيّة أو فكريّة أو قصص أو فقه وعقيدة أو علم من العلوم الحياة ، كل ذلك يوسّع مدارك وقدرات العقل والفكر لديه ، فالقراءة هي الغذاء والوقود للعقل البشري والروح والأكسجين للدماغ ، وهي التي تؤدي إلى تطوير الإنسان وتفتح أمامه آفاقاً جديدة كانت بعيدة عن متناوله ، وهي سبب في توسيع مداركة، وجعله قادرًا على وإدراك الخبايا ومعرفة التفاصيل ، كما أنها تزيد من مهارات الإنسان في التفكير والتحليل والتخطيط ، وهذا يساعده على التجاوب مع الأحداث والمواقف التي تواجهه في حياته من أجل الوصول إلى أفضل الحلول الممكنة، وإيجاد طرق ابتكارية يتمكن بها من ممارسة أنشطة حياته اليومية, ومن خلال القراءة نستطيع استثمار الوقت وعدم هدرهُ على ما لا ينفعه ، لزيادة الثقافة والتطوّر والتعلّم واستغلال الوقت ، لأنّ الوقت من ذهب وهو من الأمور التي لا يمكن تعويضها إن ذهبت.
من أهم فوائد القراءة أنها تعتبر وسيلة اتصال كبير للتعلم والمعرفة ، وهي مصدر رئيسي لنمو شخصية الإنسان ، فيصبح لديه قدرة كبيرة عل المناقشة في كل مجالات الحياة ، وتمكن الفرد من القدرة على التعلم الذاتي وهذا الأمر أصبح ضروري ، ولا يمكن أن تسير الحياة بدون التعليم الذاتي ، وتعتبر القراءة من أفضل الطرق لاستثمار الوقت ، تعمل أيضاً على توسيع قدرات الإنسان ، وعلى زيادة مداركه حيث أن الإنسان عندما يقرأ في القديم، ويقرأ في الحديث يعمل هذا على تزويد مداركه ، وهذا يعمل على توسيع عقل الإنسان وزيادة مداركه ، فالقراءة تقلل من التوتر وذلك لأن القارئ هو دائما يكتسب أفكار معينة ، ويكتسب مهارات وخبرات جديدة ، فتساعده على مواجهة جميع الحوارات والمناقشات بدون خوف ، فمن خلال القراءة فسوف تعمر الأرض وسوف يحصل الشخص على الكثير من المنافع، وسوف يعيش الإنسان بحرية وسوف يمارس حياته بشكل طبيعي .
فوائد القراءة:
القراءة كانت ولا تزال من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري وآدابه وفنونه ومنجزاته ، وهي الصفة التي تميز الشعوب المتقدمة التي تسعى دوماً للرقي والصدارة. وهنا بعض الفوائد التي تعود علينا عند القراءة نذكر منها :
– إنّ الفائدة الأولى التي سيجنيها الإنسان من القراءة هي أن يغدو أكثر ثقافةً ومعرفةً وعلماً، إذ تمنحه مخزوناً إضافياً عمّا تعلّمه في المرحلة الدراسية -سواء في المدرسة أو المرحلة الجامعية-، فكلّ شيء يمكنه تعلّمه من خلال القراءة، وأيّ سؤال يخطر في باله في أي موضوع سيجد إجابته حتماً بين الكتب، كما أنه سيزيد مخزونه اللغوي بدرجة كبيرة، فكلما قرأ الإنسان أكثر؛ كلما تعرف على مفردات أكثر واكتسب معرفة أكبر بالأساليب اللغوية المختلفة.
– تحسين مستوى الذاكرة لدى الأنسان وتنمية العقل، وتجويد الذهن، وتصفية الخاطر.وتُعزز صحة دماغه, والقراءة بالنسبة للعقل كالرياضة بالنسبة للجسم، هذا يعني أنّ عقل الإنسان كغيره من أعضاء الجسم يحتاج إلى التمرين والتغذية بكل ما هو مفيد من أجل الحفاظ على صحته وسلامته، فهي تحفّز مناطق في الدماغ وتُبقيه نشيطاً .
– تدريب اللسان على البلاغة والفصاحة والبعد عن اللحن ،اضافة الى تحسين مهاراته الكتابية, و تقوّي ذاكرة الإنسان وهي تمرين مهم للدماغ تساهم في تحسين الذاكرة عن طريق تكوين خلايا عصبية جديدة، وتقوية الروابط العصبية داخل الدماغ، مما يسهل تذكّر المعلومات والاحتفاظ بها، وعندما يقرأ الإنسان فإن عقله يقوم ببناء خريطة ذهنية لكل ما هو مكتوب، وهذا مفيد في معالجة الكلمات التي يقرأها، مما يساعده على التذكّر.
– تعمل بشكل فعال للحد من التوتر وطرد الوسواس والهم والحزن, وذلك بالبحث عن أيّ شيء يمكنه أن يخفف من حالته تلك ويُشعره بالاسترخاء والراحة، والقراءة ستقوم بهذه المهمة على أكمل وجه، إذ إنها تُعطيه ما يحتاجه من الاسترخاء، فعندما يركز الدماغ بشكل كامل على مهمة واحدة مثل القراءة سينسى مسبب التوتر ويجعل الإنسان ينتقل إلى عالم آخر بعيداً عن المشاعر التي كان يشعر بها. القراءة سبب للشعور بالسعادة والاسترخاء وراحة البال.
– تكسبه مهارات التفكير النقدي والابداعي في موضوعات مختلفة سيشعر الإنسان أنه بدأ يكتسب مهارات التفكير النقدي؛ أيّ التحليل الموضوعي للأمور، وتقديم الأدلة بوجهات النظر المختلفة، فمثلاً إذا كان من محبي الروايات والأعمال الأدبية البوليسية والتي يلفّها الغموض، فإنّه يأخذ دور المحقق ويبدأ بتحليل الأحداث والحقائق وتجميع الخيوط المهمة حتى يصل إلى النتيجة.
– تُحسّن نومه من خلال القراءة بضع صفحات من أيّ كتاب قبل النوم فهي تساعد الإنسان على الاسترخاء وتهدئة العقل والجسم، وهذا يؤدي دوراً مهماً في تحسين عملية النوم والتقليل من الاضطرابات التي قد تحدث، وتقول الطبيبة والمعالجة النفسية زوي شو أنه يمكن أن تساعد القراءة قبل النوم على تهدئتك وحصولك على نوم أفضل بشكل أفضل بكثير من أنواع الأنشطة الأخرى.
– عندما يحصل الإنسان على الفوائد الذاتية من القراءة المذكورة أعلاه لا بدّ أن يكتسب مهارات اجتماعية عديدة تزيد من تواصله مع من حوله بطريقة فعّالة، وهذا التواصل الفعّال مع الآخرين يؤدي دوراً ملحوظاً ومهماً في تقليل الخلافات والمشكلات بينه وبين من حوله، وتعزيز روح المحبّة والصداقة.
– التكاتف والتعاطف مع الآخرين , إذا كان الشخص مثقفاً ويقرأ في مجالات مختلفة قد يتولّد بداخله حافزاً للتغيير الاجتماعي، فالقراءة تُطلعه على القضايا المجتمعية المختلفة وتقرّبه منها، كالفقر أو التنمّر مثلاً، وتوفر له الفرصة لزيادة معرفته بما يمتلكه من قدرات وإمكانيات ليستغلها في مواجهة تحديات الحياة المختلفة ومعالجة قضاياه، فمثلاً قد ينضمّ إلى الأنشطة الاجتماعية والأعمال التطوعية من أجل مدّ يد العون والمساعدة لمن يحتاجها.
– تحفيز الذهن وتوسيع المدارك والقدرات وتساعد في التقدم والتطور الحضاري, المعرفة وقراءة الكتب من الأمور التي تتسلّح بها المجتمعات في طريق تطورها وتقدمها على جميع المستويات , فعندما يكون الإنسان مبدعاً ويمتلك مهارات عالية في مجالات مختلفة عززها وطورها من خلال القراءة والحرص على زيادة المعرفة، فإنه بلا شكّ سيفيد مجتمعه ويساهم في دفعه .
– اكتساب المعرف واتصالها بماضيها وحاضرها ,وتعتبر القراءة من أكثر السبل المعرفة والعلم ، والدول المتقدمة تحرص كثيرًا على أن تطور طرق العلم ، وتسهل طرق الحصول عليه ، وجعلت أهم مفاتيح العلم هو القراءة فحثت على نشر أهمية القراءة بين كل طبقات المجتمع ، وتعتبر القراءة من أهم الوسائل التي تعمل على نقل العلم ، وهي أيضًا أهم صفة تميز الدول التي ترغب في التقدم والتطور ، وتسعى دائمًا إلى الرقي والتميز ، فالقراءة بحد ذاتها هي من أكثر الوسائل التي توفر المتعة والفائدة في آن واحد ، خاصة إن كان هذا الإنسان من الناس الذين يسعون إلى أن يطوروا من أنفسهم وأعمالهم المختلفة ، وأن يصلوا أيضاً إلى ما يطمحون إليه من أهداف .
– لها دور كبير في تقدم الحضارات والدول والشعوب ، كما أنها تساعد في التقدم التكنولوجي والعلمي والعملي لهذا فان دور القراءة في الحياة هام جداً وكبير ولا نقدر على تقليل شأنه او تهميشه ، فبالقراءة نحصل على مجتمع واعي ومثقف وقادر على العطاء
• تعتبر القراءة مصدرًا للترفيه عن النفس والاسترخاء في كثير من الأحيان.
• تساعد القراءة على تنوير العقل من خلال الاطلاع على المعلومات المتوافرة في الكتب، والمقالات، والأوراق، وعلى الإنترنت، وفي العديد من الوسائل الأخرى لحفظ المعلومات.
• القراءة هي الأداة الأولى للمتدينين من كافة الشرائع السماوية من أجل زيادة إيمانهم بمعبوداتهم، فاتّباع الشريعة السماوية يحتاج الى قراءة وتمعن وتقرب الى الله له تعالى بقراءة كتبهم المقدّسة وخاصة القران الكريم والتدبر في السنة النبوية الشريفة ، حيث تمثل لهم هذه الكتب نهج حياة متكامل، وطاقة روحية عالية جداً.
• تساعد القراءة على التعرف على التعليمات الواجب اتباعها في بعض الأماكن، فبدون القراءة لن يكون الإنسان قادراً على اتّباع الوسائل والإرشادات الهامة والمختلفة التي تساعدهم على تجنب بعض المخاطر التي قد تنشأ نتيجة لعدم تقيدهم بالتعليمات كما هو مطلوب،
• تسهل من حياة الإنسان، حيث إنّه يكون قادراً على القيام بالضروريات، كقراءة العناوين دون الاستعانة بأحد، بالإضافة إلى قراءة المعلومات المنتشرة هنا وهناك والتي يحتاج الإنسان إليها باستمرار.

قالوا عن القراءة:
– يقول عباس العقاد: اقرأ كتاباً جيدا ثلاث مرات أنفع لك من أن تقرأ ثلاث كتب جيدة.
– يل لأرسطو : كيف تحكم على إنسان ؟ فأجاب : أسأله كم كتابا يقرأ وماذا يقرأ ؟
– الكتاب نافذة نتطلع من خلالها إلى العالم”… مثل صيني”
– يقول هنري ديفدثورو : “الكتب هي ثروة العالم المخزونة وأفضل إرث للأجيال والأمم”
– يقول جون لالي:”خير لك أن تزخر مكتبتك بالكتب من أن تمتلئ محفظتك بالنقود”
– قال المتنبي: “أعز مكان في الدنى سرج سابح * و خير جليس في الأنام كتاب”
– وقال الجاحظ: أوفى صديق إن خلوت كتابي * ألهو به إن خانني أصحابي لا مفشيا سرا إذا أودعته * و أفوز منه بحكمة صواب.
وفي الختام نقول ان القراءة تعد بمثابة قيمة إضافية تضاف إلى حياة الشخص ، فالشخص عندما يقرأ كتابًا ما فإنه يأخذ خلاصة الحكمة التي أودعها الكاتب في كتابه ، كما أنها تجعل القارئ يسافر عبر الزمن ويقطع المسافات وهو جالس في مكانه .,والامة التي لا تقرأ لا تنهض ولا تتطور ولا تتقدم ، فليس هناك وسيلة اخرى خير من القراءة لنمو الأمة والازدهار بها .

التعليقات

  1. فتيحة نور عفراء يقول

    جزاكم الله خيرا على الطرح القيم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة