الكرك.. سكان “حمود” يعيدون الألق لقريتهم المنسية بالمبادرات التطوعية
الكرك- فيما أوشكت قرية حمود النائية والتي تقع عند أطراف محافظة الكرك من الجهة الشمالية الشرقية، أن تدخل بطي النسيان، بعد أن هجرها معظم سكانها، يطلق من بقي فيها متشبثا بإرث الأجداد، مبادرات تطوعية، لإعادة الألق للمكان واستعادة تاريخ حافل من النشاط البشري الذي شهدته القرية لأكثر من مائة عالم.
وقرية حمود التي تقع على بعد 25 كلم من مركز المدينة، تعتبر كنزا تراثيا وسياحيا، لما تتميز به من نمط معماري فريد، بمساكن تراثية وأسواقها التجارية ومطحنتها ومدرستها التي أنشئت قبل 100 عام.
وكانت القرية وحتى وقت قريب، تعتمد على زراعة المحاصيل الحقلية وتربية المواشي وتمتد على أطراف سهول لواء القصر الزراعية أحد أهم مصادر إنتاج محصول القمح حتى في سنوات القحط والجفاف.
وخلال السنوات الأخيرة، أصبحت القرية شبه مهجورة، من قلة سكانها إلا من بعضهم المصرين على البقاء فيها وإعادة إحيائها ودعوة أبنائها للعودة إليها، وهو ما دفعهم إلى إنشاء مؤسسات أهلية ومنها جمعية حمود الخيرية وجمعية حمود لإحياء التراث الشعبي، كما احتفلت القرية بداية العام بالذكرى المئوية لبناء مدرسة حمود والتي تأسست في العام 1922.
وكانت مدرسة حمود الأساسية، أولى بواكير العمل التطوعي لأهالي البلدة فقد تأسست قبل مائة عام من تبرعات الأهالي وبمعلم واحد، إلا أنها حملت على عاتقها في ذلك الوقت المبكر، ولفترة طويلة عبء خدمة المجتمع المحلي وتنميته، إضافة إلى وظيفتها الأساسية وهي تدريس أبناء البلدة والبلدات المجاورة.
ومؤخرا استطاعت مجموعة من شبان وشابات البلدة أن يعيدوا الحياة لقريتهم وأن ينسجوا إحدى أجمل قصص العمل التطوعي الجماعي المتكامل، بهدف إعادة إحياء ثقافة العمل التعاوني الذي كان يميز قريتهم وسكانها.
وانخراط شباب وشابات القرية في جهد جماعي مشترك، من خلال تنفيذ أعمال تطوعية وتعاونية من بينها: تزيين مداخل ومخارج القرية بالأشجار من مختلف الأصناف، بالإضافة إلى حملات النظافة العامة، وإنشاء مطبخ إنتاجي تعاوني لسيدات القرية، وتنظيم دورات تدريب لتصنيع الطعام الشعبي بمختلف أنواعه، ودعوة أبناء القرية ممن غادروها إلى أن العودة أصبحت ممكنة وسهلة.
يقول أحد أبناء القرية ضرغام هلسة، كانت حمود قرية نموذجية بمعنى الكلمة أخذت أبعادها وطريقة بنائها والتعاون بين سكانها من مواصفات القرية التي تتمدد أفقيا وتتلاصق جدرانها بعضها ببعض ويحيط بها حوش كمساحة للعمل والحركة والإنتاج.
وأضاف كانت فكرة التضامن والتكافل تأخذ بعدين الأول الروحي المبني على رابطة الدم والقرابة بين أبناء القرية، والثاني حاجة الناس الواقعية لبعضهم البعض وانتشار مفهوم التعاون بينهم تحت مسميات مختلفة عبر تعدد المواسم، مشيرا إلى أن ما يجري في البلدة حاليا هو إعادة ألقها بعد أن هجرها الكثير من أبنائها.
وأشار إلى أن طبيعة القرية الزراعية، فرضت نفسها على الشباب والشابات للانخراط بالأعمال التطوعية مثل زراعة الأشجار وطلاء الأرصفة وتأسيس المطابخ الإنتاجية لصناعة الأغذية الشعبية ومشتقات الحليب، والأهم من ذلك هو ترميم المنازل القديمة التراثية بالبلدة وجعلها صالحة للسكن.
وأشار إلى أن حوارا جادا بين أعضاء الهيئة الإدارية والهيئة العامة لجمعية حمود والفاعليات الاجتماعية من الرجال والنساء وبالتعاون مع مديرية التنمية الاجتماعية في لواء القصر أثمر عن تأسيس مطبخ إنتاجي يقوم بتصنيع مؤونة غذائية مستفيدين من خضراوات الصيف وفاكهته ومختلف المحاصيل الحقلية.
وقالت المشرفة على المطبخ الإنتاجي المهندسة إيمان البطارسة إنه على الرغم من كل التحولات الاجتماعية التي ظهرت بمجتمعنا الأردني إلا أن الموروث كان يشدنا لإنجاز فعل تكاملي يعطي لقريتنا الروح الإيجابية من خلال بناء حالة إنتاجية نسعى لتطويرها لكي تكون جمعية حمود الخيرية أداة إنجاز منتجة وليست جمعية تتلخص مهمتها بتلقي المعونات والمنح والمكرمات فحسب .
وقالت المتطوعة الاجتماعية شذى هلسة لقد تطوعنا للعمل بالجمعية، فكان إنتاجنا مميزا بكل المقاييس، ولا سيما أن المشرفة على العمل مهندسة زراعية متخصصة بالإنتاج الغذائي بمساعدة سيدات مبدعات، مشيرة إلى أن هذا العمل يوفر دخلا مناسبا للعديد من السيدات بالقرية وخصوصا من غير العاملات.
وقال خالد برقان أحد أبناء قرية حمود ورئيس جمعية إحياء التراث بالبلدة، إن قرار الأهالي بالبلدة بالاحتفال بمئوية مدرسة القرية كانت البداية نحو إحياء كافة مفاصل الحياة فيها وإعادة ألقها ورونقها، مشيرا إلى أن مدرسة حمود كانت نتيجة لحالة الوعي المبكر لأهالي البلدة بأهمية تعليم أبناء القرية والمناطق المحيطة بها، مشيرا إلى أن المدرسة بنيت على نفقة الأهالي ومن خلال تبرعاتهم.
ولفت إلى أن المدرسة كانت معلما مهما في بلدة حمود التي أنشئت في وقت مبكر إلى جانب إنشاء سوق تجاري لخدمة منطقة شمالي الكرك ومأدبا والبادية الوسطى، فضلا عن بناء مطحنة حبوب “بابور” في سنوات مبكرة من القرن الماضي وهي إنجازات لأهالي القرية إدراكا منهم بأهمية التعليم وتوفير الدعم الاقتصادي لإدامته وذلك من أجل تحسين مستوى معيشة المواطنين.
ولفت إلى أن المبنى القديم للمدرسة يجري الآن ترميمه بشكل جيد لإعادة استخدامه كمدرسة أو مركز تعليمي وثقافي ضمن محيط البناء الجديد.
وبين أن المدرسة التي مرت بسنوات عديدة تبدل اسمها لتستقر أخيرا على مدرسة حمود الثانوية، وتعاقب على التدريس فيها مئات المدراء والمعلمين من مختلف مناطق المحافظة والمملكة، وما تزال ذاكرة البلدة والأهالي تحفظ الكثير من ذكريات التاريخ الطويل.
وقال إن الحياة تعود من جديد للقرية خصوصا وأن العديد من المواطنين من غير سكانها يقومون بإقامة العديد من مناسباتهم الاجتماعية المختلفة سواء حفلات الزواج والمناسبات والأعياد ومجالس العزاء فيها.
التعليقات مغلقة.