المخدرات.. تفاؤل أردني حذر بالتعهدات السورية.. والرهان على فصل الشتاء
عمان- يظل “انفلات الحدود” من الجانب السوري المتهم بالتواطؤ في تهريب المخدرات مع مليشيا إيرانية، رهنا بـ”حسن نوايا” النظام السوري ومدى التزامه بتعهداته التي يكشف تاريخ العلاقة بين عمان ودمشق أنها مبنية على عدم الثقة، ما يجعل مراقبة مدى تجاوب الجانب السوري للتعهدات الجديدة مرتبطة بالجيش الأردني.
وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء يوسف الحنيطي، ومدير المخابرات اللواء أحمد حسني، قد عقدا اجتماعا مشتركا مع نظرائهما من الجانب السوري نائب القائد العام ووزير الدفاع العماد علي محمود عباس ومدير المخابرات العامة اللواء حسام لوقا، وبحثوا في الاجتماع التعاون في مواجهة خطر المخدرات ومصادر إنتاجها وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريبها عبر الحدود إلى الأردن، كما بحث الإجراءات اللازمة لمكافحة عمليات التهريب ومواجهة هذا الخطر المتصاعد على المنطقة برمته.
وجاء الاجتماع، والذي عقدَ في عمان في 23 تموز الحالي، منضويا تحت اسم اللجنة الأردنية السورية المشتركة للتعاون في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية إلى الأردن، وجاء تشكيل اللجنة تنفيذاً لمخرجات اجتماع عمّان التشاوري الذي استضافه الأردن في 1 أيار 2023.
وتُتهم سورية بإنتاج مادة الأمفيتامين المخدرة المعروفة باسم الكبتاغون، التي تدر أرباحا كبيرة، وبتنظيم تهريبها إلى الخليج مرورا بالأردن كنقطة عبور رئيسة، وهذا شكل عبئا على الأردن الذي ما زال يواجه العصابات التي ترتبط بمليشيا إيرانية وقوات من النظام السوري.
ويؤكد الأردن مدى حساسية الموقف وخطورته، حيث أكد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، أن الأردن يتخذ كل الخطوات اللازمة لمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية إلى أراضيه، وأنه يقوم بكل ما يلزم لحماية أمنه الوطني من هذا الخطر المتصاعد.
وبين الصفدي في اجتماع وزاري للتحالف الدولي المشكل حديثا لمواجهة تهديد المخدرات الصناعية، والذي استضافته الولايات المتحدة أن محاولات تهريب المخدرات من الحدود السورية مستمرة ومتكررة، لافتاً إلى مصادرة أكثر من 65 مليون حبة كبتاجون خلال العامين الماضيين.
في هذا الصدد، وحول مدى التزام سورية بتعهداتها الجديدة الذي أسفر عنه الاجتماع الأمني الأخير، يؤكد مراقبون للعلاقات الأردنية السورية، أن الحالة الأمنية للحدود بين البلدين، هي التي ستظهر مدى التزام سورية في حماية حدودها البرية مع الأردن لمنع تهريب المخدرات وذلك خلال الأشهر القادمة.
وحسب خبراء عسكريين متقاعدين فإن الحدود البرية بين البلدين ما تزال محروسة من الجانب الأردني فقط، وحتى تكون آمنة فهي تحتاج الى حماية من قبل الجانب السوري أيضا.
ويرى العميد المتقاعد الدكتور سعود الشرفات مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب أن المتابعين وخبراء الأمن في الأردن استبشروا خيراً بنبأ الاجتماع الأول للجنة الذي كان عالي المستوى من كلا الطرفين، وعكس أهمية، وحساسية ملف تهريب المخدرات، خاصة للجانب الأردني المتضرر الأكبر من تداعيات استمرار عمليات تهريب المخدرات حتى الآن.
غير أن الدكتور الشرفات يرى أن الجانب الأردني يتعامل “بتفاؤل حذر” ومرونة كبيرة مع نتائج عمل هذه اللجنة، لأنه ببساطة، يأمل أن تحد من ظاهرة التهريب على المدى الطويل. لكنه في نفس الوقت، يدرك أن إدارة الملف صعبة ومعقدة جداً، ربما تتجاوز حسن نوايا النظام السوري، لأن هناك لاعبين وأطرافا أخرى؛ سورية داخلية قريبة من النظام السوري وخاصة الفرقة الرابعة، وأخرى خارجية يصعب السيطرة عليها. وربما نحتاج الانتظار حتى فصل الشتاء القادم لنحكم بشكلٍ كمّي- إحصائي على نتائج ومخرجات عمل هذه اللجنة، هل ستتوقف؛ أو على الأقل ستنخفض وتيرة عمليات التهريب أم لا؟ هذا هو السؤال.
ويأتي الاجتماع بعدما تلقت دول الجوار السوري تعهدا من دمشق، في اجتماع استضافته عمّان في أيار (مايو) الماضي، بالتعاون من أجل كبح جماح تجارة المخدرات السورية المزدهرة مقابل مساعدة النظام السوري للخروج من عزلته.
فيما يقول اللواء المتقاعد فاروق أبو نوار خبير الدراسات الدفاعية، إنه من الصعب على سورية أن تقدم للأردن التزاما بمنع تهريب المخدرات إلى الأراضي الأردنية، وبالتالي حماية الحدود من طرفها، مرجحا أن أصل عودتها إلى جامعة الدول العربية كان أمرا شكليا.
وأضاف أن عودة سورية الى جامعة الدول العربية لم تغير شيئا من واقع حدودها البرية مع الأردن، لافتا أن اللاعب الأساسي في العلاقات الخارجية السورية هي إيران، وأن أي تغيير في العلاقات الخارجية السورية مرهون بإيران.
وأضاف أن ثمة أشياء عالقة بالنسبة لسورية مع الأردن من بينها عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم، فيما لا يستطيع الأردن إجبار اللاجئين على العودة، ناهيك عن أن العلاقات السورية الأردنية تاريخيا مبنية على عدم الثقة وإثارة الشك.
ولفت أبو نوار إلى قانون قيصر الذي أدخل سورية بأزمة اقتصادية ألحقت به ضررا بالغا، فيما هناك أطراف في الجانب السوري مرتبطة بإيران وتعتمد في تمويلها على تهريب المخدرات.
العميد المتقاعد حسن أبو زيد يرى أن أكثر جهة تستطيع تحديد مدى تجاوب الجانب السوري في منع المخدرات، هي القوات المسلحة، التي تتولى متابعة وحراسة حثيثة للحدود البرية الأردنية المحاذية للحدود السورية.
وأضاف أبو زيد أن القيادة العامة للقوات المسلحة تعلن عادة عن جميع عملياتها في ضبط المخدرات وحالات التسلل، وبالتالي فإن الجيش هو الأقدر على تقييم مدى استجابة الجانب السوري لهذا الاجتماع من خلال مراقبة الحدود، مشيرا إلى أن عمليات التهريب تنشط عادة خلال فصل الشتاء، في المقابل فإن قوات حرس الحدود لديها أجهزة مراقبة حديثة تستطيع المراقبة ليلا ونهارا وتكشف من خلالها تحركات المهربين، وهي بالتالي قادرة على رصد عدد حالات التهريب التي ستتعامل معها وقادرة على تقييم الموقف.
وبين أبو زيد أن هذا الاجتماع هو تعزيز للعلاقات الأمنية والتنسيق الأمني بين الجانبين، وبالتالي فإن قادم الأيام سيظهر مدى استجابة سورية لهذا الاجتماع، والذي يأتي من خلال ضبط حدودها مع الأردن.
يشار إلى أنه في الأسابيع القليلة الماضية، أسقط الجيش الأردني طائرتين مسيرتين إيرانيتين قادمتين من سورية، قال الجيش إنها تحمل أسلحة، وهو تطور مقلق لعمان التي اتهمت دمشق في الماضي بإرسال مسلحين لشن هجمات.
التعليقات مغلقة.