الملكة رانيا.. صوت مدو في العدالة والقضايا الإنسانية

– لطالما كانت جلالة الملكة رانيا في طليعة المدافعين عن القضايا الإنسانية، محليا وعربيا وعالميا. وبفضل جهودها وتفانيها وإصرارها على تحقيق التغيير، أصبحت صوتا مدويّا ومؤثرًا وواثقا، يدافع عن حق كل فرد في العيش بكرامة وأمان على أرضه.

في الأشهر الماضية؛ لم يشغلْ بالَ الملكة سوى أوجاع الغزّيين من أطفال ونساء ورجال ممن يدفعون أرواحهم ودماءهم وأحلامهم الضائعة ثمنا لحرب شرسة قاسية لم تترك وراءها إلا الدمار والألم والقهر.

في كل منبر عربي وعالمي وفي كل لقاء وحوار، كانت الملكة وما تزال؛ صوتا مدوّيا يتحدث عن مأساة أهالي غزة الذين تُسلب منهم الحياة، والحق بعيش كريم يحيطه الأمان. أشهر طويلة وجلالتها تتحدث عمّا يرتكب في غزة من جرائم فظيعة تمحو كل معنى للحياة.
سخّرت الملكة صفحاتها الخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتكون نافذة تنقل من خلالها حجم الدمار والمعاناة اليومية لأهل القطاع، في محاولة جادة منها لجعل العالم كله يدرك حجم الكارثة الإنسانية التي تجري هناك، والحاجة الضرورية لتظافر كافة الجهود لوقف الحرب وإنهاء هذه المعاناة.
كانت رسالتها دائمًا واضحة ومؤثرة؛ بأن ما يحدث في غزة مأساة إنسانية تتطلب تحركا فوريا لوقف نزيف الدماء. الملكة بأمومتها وحنانها، تشعر بأوجاع كل أمّ فقدت فلذة كبدها، وطفل يبكي بحرقة يبحث بين الركام والدمار عمّن تبقى من أفراد عائلته، وكل أب يودع أسرته، وهو يصرخ بأعلى صوته علّه يُسمع العالم آلامه وأوجاعه.
لم تعرف الملكة الصمت حينما يتعلق الأمر بالحق ونصرة المظلوم، بل كانت دائمًا حاضرة، بقلبها وبكلماتها، لتعبّر عن رفضها القاطع لما يحدث، خصوصا مع ازدواجية المعايير الدولية، مطالبة بالعدالة والكرامة وعودة الحق للشعب الفلسطيني.
في كلمات الملكة، صرخة ضد الظلم. عندما تؤكد أن استخدام التجويع والتهجير كسلاح حرب، فإنها تسلط الضوء على أبشع صور العنف ضد الأبرياء والعقاب الجماعي، وأننا أمام واقع موجع، تُسلب فيه حياة الفلسطينيين بالإبادة وهدم أحياء سكنية على رؤوس أبنائها، فضلا عن استهداف العاملين بالقطاع الصحي والصحفيين وعمال الإغاثة تحت ذريعة الدفاع عن النفس، بعيدا عن أي اعتبار للمعايير الإنسانية أو قيم العدالة.
الإنسانية لدى جلالتها لا تعرف حدودا، فهي تؤمن بأن الحق سينتصر في النهاية. منبهة على أن تصرفات إسرائيل ليست خيانة لأهل غزة فقط، بل هي في الحقيقة خيانة للضمانات التي تهدف للحفاظ على سلامتنا جميعاً.
بروح مغلّفة بالعطاء والتفاني؛ كانت وما تزال الملكة رمزا حيّاً في قدرتها على الجمع بين مسؤولياتها كملكة وإنسانة لها مواقفها الثابتة، وعلى تماس مباشر مع الناس، في سعي دؤوب لأن تكون حاضرة ومتواجدة دوما، تشارك الأطفال والنساء والشباب لحظة الإنجاز، وداعمة لكل مبادرة من شأنها أن ترتقي بالوطن وترسم طريق نجاحه بسواعد أبنائه.
عَبر سنواتٍ ماضية، استطاعت الملكة رانيا أن تبني جسورا من التواصل مع جميع أبناء المجتمع، حاضرةً في قضاياهم وداعمةً لتطلعاتهم وطموحاتهم، تستمع لصوتهم وتشاركهم همومَهم.
في كل مرّة تزور فيها الملكة القرى والمحافظات، تشعر النساء بأُلفة وارتياح وسعادة، يجدن فيها اليد الحانية التي تمتد لتزرع الأمل في قلوبهن، ويشاهدنَ مشاعر الحبّ والتقدير في عينيها حينما تتحدث بفخر عمّا يضمه الوطن من إمكانات بشرية يفاخر بها العالم أجمع.
أينما تواجدتْ جلالتُها، تترجم كلماتِها إلى أفعال تساهم في بناء المجتمع، فهي حاضرةٌ دائما في قلب الحدث، لتواصل تبنّي النجاحات والأفكار الخلاقة والإرادة الحقيقية التي تُسهم في بناء الإنسان.
على مدى سنوات، لطالما أكدت الملكةُ أن التعليم ينبغي أن يكون رحلة تستحق الطفولة على مدى 12 عامًا، تستحق ثقتهم وأحلامهم وأهدافهم المستقبلية، يقضونها بين أيد أمينة لتربويين ومعلمين، يتطلعون إلى مستقبل مشرق يخطه هؤلاء الصغار.
هذا المفهوم تجسده الملكةُ من خلال إنجازها على أرض الواقع وحرصها على زيارات مستمرة للمدارس والاستماع إلى احتياجات الطلاب في صفوفهم والمعلمين على حد سواء، وكانت دائما على مقربة من كل معلّم يؤمن بأن العملية التعليمية المفتاح للنهضة والازدهار، وجوهر التحول في المجتمع.
في عيون جلالتها مصدر إلهام وتحد لمتابعة رحلة مليئة بالشغف والفرص والابتكار، فهي القدوة والرمز الذي ينير الطريق نحو تعليم يلبّي الطموح ويبني مستقبلًا يليق بالطفولة.
في كل عام نحتفل بعيد ميلاد جلالتها، لنرويَ بعضا من إنجازاتها، مشاريعها الوطنية، وتأثيرها العميق في زوايا المجتمع وفي دواخل كل من التقى بها وكانت سببًا في رسم ابتسامة الفخر.. حينما نتحدث عن الملكة رانيا، نتحدث عن أمّ حنونة، وسيّدة معطاءة وملهمة وداعمة، إنسانة تعي جيدا احتياجات مجتمعها وتسعى جاهدة لتلبيتها.
في لحظة مفعمة بالمحبة والتقدير، قلّد جلالة الملك عبدالله الثاني رفيقة دربه، الملكة رانيا العبدالله، وسام النهضة المرصّع، تقديراً لعطائها المتميز ودورها الريادي بنهوض المجتمع وخدمة أبناء وبنات الوطن.
هذه اللحظة لم تكن مجرد تكريم، بل هي لحظات فخر بسنوات من التفاني والجهود الحثيثة بذلتها الملكة من أجل مستقبل أفضل للوطن.
في رسالة وجهها الملك بمناسبة اليوبيل الفضي لتسلمه سلطاته الدستورية، خاطب جلالته الملكة قائلاً: “وقد عهدتُكِ زوجةً متفانية وأمّا حنونة لأبنائنا الحسين وإيمان وسلمى وهاشم، وقد أنشأتِهِم خير تنشئة فما كانوا إلا ذريّة صالحة تنهل قيمها العروبية من جدهم الحسين الباني وقيمها الإسلامية من جدهم الأعظم رسولنا ونبيّنا عليه الصلاة والسلام”.
وأثنى جلالته على جهود جلالتها خلال السنوات الماضية: “لا أكاد أحطّ في قرية أو أزور منزلاً إلا ويحملني أهلنا أطيب التحيات الممزوجة بالتقدير لجهودك في تنمية وطننا وزرع الأمل في دروب مستقبل أبنائنا وبناتنا. ولا أرى في عيونهم إلا المحبة الصادقة لزوجة ملكهم وأمّ ولي عهدهم.. وكنت على الدوام صاحبة موقف جريء لا تتوانين عن الدفاع عن المظلومين أو نصرة المقهورين أينما كانوا”.
“الأمل هو خيار، قرار نتخذه، بغض النظر عن الظروف وعلينا أن نمنح كل ذرة من وقتنا ليتمكن شخص آخر في الحصول على المستقبل الذي يستحقه”؛ هكذا قالت جلالتها في كلمتها بقمّة عالم شباب واحد؛ وهي التي تؤمن دوما بأن كل لحظة في حياة الإنسان ينبغي أن تترك أثرا واضحا يلمسه الإنسان حاضرا ومستقبلا.
في عيد ميلادها اليوم، تسير جلالتها على خطى الملك عبدالله لإكمال مسيرة الإنجاز والبناء.. طريق لا يتوقف عن العطاء، نحو ازدهار المجتمع وتألقه.
الملكة رانيا زرعت في قلوبنا فخرًا لا ينضب؛ فهي تجسّد صورة المرأة القوية التي تدافع عن الحق بكل عزم وإصرار. في كل مرّة تقف فيها على المنابر العالمية، ترسم على وجوهنا ابتسامة فخر وهي تتحدث عن إنجازات الأردن، وتخاطب العالم بلغة الإنسانية والعدالة، لا تعرف التهاون في إيصال صوت كل من يعاني، وتتقدم بشجاعة للدفاع عن القضايا المصيرية، مهما كانت التضحيات، كما رأيناها في مواقفها الثابتة خلال الحرب الشرسة في غزة.

فريهان سطعان الحسن/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة