المناهج والكتب المدرسية بين التطوير ….. والتدمير للجيل // د.رياض خليف الشديفات

خلال الأيام الماضية كثر الجدل والحديث حول المناهج المدرسية الأردنية في مدراسنا في وسائل الإعلام، وفي المجالس العامة، الأمر الذي حرك الرأي العام بصورة جعلت الأهالي يتسألون عن الأمر، وهنا أود أن اوضح بعض الأمور:
– المناهج نوعان: مناهج المباحث العلمية كالعلوم الطبيعية والرياضيات، فهي عامة لكل الشعوب والأمم، وهي من مسلمات العلم وحقائقه، والنوع الثاني: العلوم الإنسانية والاجتماعية كالتربية الوطنية والتاريخ والتربية الإسلامية، فهذه تشكل الخصوصية الثقافية للمجتمع، وحمايتها حماية للهوية الثقافية للمجتمع، وغالبا ما يكون التغيير والتعديل متعلقا بالنوع الثاني من المناهج ” العلوم الإنسانية والاجتماعية “وهي التي يدور الجدل حولها من حيث التطوير والتبديل والحذف والزيادة سواءَ في المحتوى أو في طريقة العرض.
– لا بد من الإشارة إلى أهمية التفريق بين الثوابت والمتغيرات عند تطوير أو تحديث الكتب المدرسية، فالنصوص من القرآن الكريم والحديث الشريف الثابت وبعض حقائق التاريخ وشواهده من الثوابت التي لا يصح التعرض لها؛ لأنها تشكل الأساس لهذه المباحث، والتطوير يكون في طريقة عرض المحتوى والأساليب بما يعين على فهم المحتوى وبما يساهم في بناء شخصية الطالب ، فإذا كان التعديل والتحديث يتعلق بالثوابت فهذا الأمر قطعاً نوع من العبث المرفوض ، وإن كان التطوير يتعلق بأسلوب عرض المحتوى وطريقة العرض بطريقة تحقق الهدف من المحتوى فهذا الأمر مطلوب لعملية البناء الثقافي والفكري والوطني للطالب .
– مفهوم المنهاج اشمل من مفهوم المقرر الدراسي ، فالمنهاج المدرسي يتكون من الأهداف ، والمحتوى ، والأنشطة المرافقة ، والتقويم ، والتغيير للمحتوى والمقرر الدراسي بما ينسجم مع فلسفة المجتمع وفلسفة التربية وقيمه وثوابته الأساسية ،وتشرف وزارة التربية والتعليم ممثلة بوزيرها وكوادرها على تنفيذ المناهج التي يقرها مجلس التربية الذي يتكون من وزراء سابقين ، وخبراء في التربية ، وشخصيات وطنية معتبرة متخصصة في تخصصات متعددة ، وهي تتحمل المسؤولية عن نوعية المناهج ، ومجلس التربية منوط به مهمة الإشراف على رسم السياسة التربوية والتعليمية وفق ما يتفق مع فلسفة الدولة الأردنية وقيم المجتمع الأردني ، وبما يعبر عن اهدافه وتطلعاته في محيطه العربي والإسلامي .
– الهدف من بناء المناهج بناء شخصية المواطن واعداده والمحافظة على هويته وكيانه وقيمه الثابتة ، وتستند إلى ثوابت الأمة الإسلامية والعربية وثوابت المجتمع الاردني واعرافه الثقافية والاجتماعية ، وتكون شواهدها وأمثلتها من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، والشعر العربي ، والتراث العربي الأصيل في القيم، وبناء الاتجاهات الايجابية ،وبناء الثقافة الوطنية والتاريخية ، وإبراز النماذج العلمية والثقافية والوطنية كرموز صالحة للاقتداء بها بما يسهم في صياغة شخصية الفرد واعداده للحياة بطريقة متوازنة تراعي مبدأ الأصالة والمعاصرة ، والذين يطالبون بحذف الأمثلة والشواهد من تراثنا وديننا ولغتنا لا يمثلون ضمير المجتمع الأردني ، وإنما هو ثلة قليلة من ابناء المجتمع تتعامل مع الأمر بانتقائية وعقلية اقصائية لا تقبل بغيرها ، وتنظر إلى المجتمع بعين واحدة من خلالها رؤيتها ومصالحها ، ولا تؤخذ بعين الاعتبار أن خيرة أبناء الوطن والمجتمع من قادة الرأي العام ، واعلاميين ، ومفكرين ، وأساتذة الجامعات ، وخيرة الأطباء والمهندسين والمعلمين ، والخبراء في مختلف المجالات ، والمبدعين في المجالات المختلفة والمتعددة ، وخيرة البرلمانين ، والعلماء في التخصصات المختلفة هم ممن درسوا هذه المناهج الأردنية وساعدتهم على التفوق والإبداع والتمييز، ولا مانع من مراجعة المناهج بما يحقق فلسفة المجتمع وليس فلسفة فئة معينة من المجتمع تبحث عن مصالحها على حساب المجتمع عامة .
– اسهمت المناهج الأردنية في رفد المجتمع الأردني والعربي بخبرات متميزة في كافة التخصصات الإنسانية والعلمية عبر سنوات عديدة، وقد عرف عن الخبرات الأردنية الوعي، والنضج، وسعة الأفق، والتسامح، وسلامة المنهج، والوسطية في التفكير والمنهج والسلوك، ويشهد لذلك القاصي والداني.
– مراجعة المناهج حق مشروع تمارسه المجتمعات الفاعلة، ومن حق الناس في مجتمعنا الأردني معرفة ما يجري وما يدور حول المناهج كونها تعني كل بيت وأسرة وفرد في المجتمع الأردني، ومن حقهم مناقشة الأمر بالوسائل المشروعة وبيان رأيهم في ذلك لتعلقه بمستقبل ابنائهم وبناتهم، وينبغي ألا يضيق صدر القائمين على شأن المناهج من الحوار والنقاش الدائر حول الأمر، فهو حق مشروع لهم كفله الدستور الأردني في المواد المتعلقة بحرية التعبير.
– بصفتي أحد المختصين في المناهج وتحديدا التربية الإسلامية حيث لاحظت أن شواهدها من القرآن الكريم والسنة النبوية غير كافية لبناء الثقافة التي تتناسب مع الإطار العام للمناهج ولمنظومة المدى والتتابع في بناء المناهج والمقررات الدراسية ، كما أن الأمثلة الواردة في بعض الكتب خلت من ذكر نماذج من القدوات الصالحة من العلماء والمصلحين والوطنيين، وتقييمي المتواضع أن العناوين المطروحة والأمثلة الواردة لا تكفي لبناء شخصية قوية قادرة على مواجهة التحديات الثقافية والحضارية التي تعترض المجتمع الأردني مع تقديري للعديد من الأفكار الجديدة المطروحة، كما أن المناهج لم تتطرق بشكل كاف إلى السيرة النبوية ونماذجها المشرفة في بناء شخصية الفرد ، والتي تصلح لاشتقاق منظومة القيم الإنسانية النبيلة مع تقديري للجهد المبذول في تأليفها وصياغتها وحسن اخراجها .
– اعتذر من القراء الكرام عن هذا الإسهاب في توضيح أهمية المناهج في بناء شخصية الطالب على مقاعد الدراسة والذي هو في المستقبل مواطن يراد أن يكون مسلحاً بالعلم والمعرفة والقيم التي تمكنه من القيام بدوره كمواطن فاعل في مجتمعه ، وهنا ادعو الأهالي الكرام وأولياء الأمور الاطلاع على المناهج والمقررات الدراسية ومعرفة ما فيها وتصويب ما يلزم من ذلك حماية للهوية وللقيم ، فلا يعقل أن لا يطلع الأهالي على المناهج ، فهي تعني كل أسرة وكل بيت حاضراً ومستقبلاً ، كما ادعو مجلس النواب عبر لجانه المتخصصة بدراسة المناهج وابداء الملاحظات حولها ، وأدعو القائمين على المناهج إلى مراجعتها بجدية تامة ، فالمصالح العليا للمجتمع والوطن من الثوابت التي لا مجال للتنازل عنها ، والله ولي التوفيق ، والله المستعان .

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة