“الميداني العسكري الأردني”: 14 عاما من العمل ليلا نهارا لمداواة جراح الغزيين
لم يتوقف الدعم والإسناد الذي تقدمه المملكة للأشقاء في فلسطين وقطاع غزة، أكان سياسيا أو اقتصاديا أو في المجال الصحي، واليوم، بينما يعيش القطاع حربا ضارية، تنفذها قوات الاحتلال الصهيوني بوحشية وإجرام، فإن الأردن مستمر في وقوفه الى جانب أشقائه، بحكم الالتحام التاريخي بينهما.
وتجلى هذا الدعم المستمر، بتوجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني، وتأكيده المستمر على الوقوف الى جانب الأهل في فلسطين، ومدهم بكل الأسباب التي تسهم بتجاوز محنتهم، ودعمهم سياسيا، إذ كرس جلالته لقاءاته واتصالاته مع زعماء وقادة العالم، في الدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم بدولة مستقلة، ووقف نزيف الحرب المستعرة على غزة.
في هذا النطاق، تنشر صحف وقنوات تلفزيونية ومؤسسات إعلامية عربية وعالمية، تقارير ومتابعات حول التلاحم الأردني الفلسطيني، وحملات الدعم والمساندة في مجالات مختلفة، يقوم بها الأردنيون على المستويين الرسمي والشعبي لمساندة الأشقاء في غزة.
هنا ننشر تقريرا، لصحيفة النهار العربي اللبنانية، يتحدث عن تجربة المستشفى الميداني العسكري الأردني، الذي بدأ أعماله في غزة بعد الحرب العدوانية على قطاع غزة في العام 2008، وما يزال هذا المستشفى مستمرا منذ 14 عاما في عمله من دون توقف، رغم ما يعترضه من تحديات وصعوبات، بسبب حصار الاحتلال الصهيوني على القطاع منذ أكثر من 17 عاما.
وفيما يلي نص تقرير “النهار العربي” المنشور على صفحاتها أمس:
يعود أحد الضباط في الجيش الأردني بالذاكرة إلى العام 2009، عندما تلقى حينها خبراً يقول، إنه كان وما يزال الأكثر إسعاداً له، إذ اختير ضمن القوة التي ستتجه إلى المستشفى الميداني الذي أمر جلالة الملك عبدالله الثاني بإنشائه ذلك العام في حي تل الهوى بقطاع غزة.
ووفق الضابط، فإن الشارع الأردني حينها كان يعيش غلياناً واحتقاناً كبيرين، جراء العدوان الصهيوني الأول من حيث اتساع حجمه على القطاع يوم السابع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) في العام 2008، واستمر لمدة 23 يوماً، أي حتى الثامن عشر من كانون الثاني (يناير) 2009، مشيراً إلى أنه بعد انتهاء هذا العدوان الوحشي بنحو 10 أيام، بدأ المستشفى الميداني العسكري الأردني عمله في غزة كأول مستشفى عربي في القطاع.
ومن بين أبرز ما يستذكره الضابط خلال تلك الفترة، تبرع جلالة الملك أثناء اندلاع الحرب، بالدم لأهل غزة، مطلقاً بذلك حملة وطنية للتبرع بالدم، وبعدها كان الإيعاز للجيش بتجهيز المستشفى الميداني العسكري الذي استفاد ملايين الغزيين من خدماته منذ إنشائه وحتى اليوم.
ويشير الضابط، إلى أن الذهاب ضمن طواقم المستشفى الميداني إلى غزة، كان حلماً بالنسبة إليه ولزملائه في القوات المسحلة الأردنية- الجيش العربي، قائلاً إن الجميع حينها، كان يبذل كل جهده ليجد طريقة يلتحق بها بطاقم المستشفى، مندفعين بحس عال من المسؤولية تجاه الأشقاء في غزة، وهم يواجهون كارثة إنسانية، وسط ضغط كبير على المستشفيات في القطاع، جراء الأعداد الكبيرة للشهداء والمصابين.
توالت بعد ذلك دفعات الطواقم التي تغادر المملكة إلى المستشفى الميداني، إذ يجري استبدال الطاقم كل شهرين، قبل أن تصبح عملية الاستبدال كل 3 أشهر، بدءاً من العام 2020، بينما وصل عدد دفعات الطواقم منذ إنشاء المستشفى حتى الوقت الحالي إلى 76 دفعة.
علاقة محبة أبعد
من حدود المستشفى
وعن مشاركته في إحدى دفعات العام 2019، يقول ضابط آخر لـ”النهار العربي”، إنه لطالما تمنى وسعى لأن يكون أحد أفراد طواقم الجيش الطبية التي تغادر إلى القطاع، وعندما تحقق له ذلك، يقول: “كانت فرحتي لا توصف”.
ووفق الضابط، فقد خرج مع طاقم قوامه بين 180 إلى 220 شخصاً، يشمل معظم الاختصاصات، من أطباء وممرضين وصيادلة وفنيي مختبرات وأشعة، إضافة إلى طاقم خدمات مساندة كالتي تعمل على غسل الملابس وكيّها وإعداد الطعام والحراسة.
ويشير إلى أن المستشفى يحتوي على غرفة عمليات وأجهزة تعقيم وعيادة أسنان مجهزة بالكامل، وعيادات أخرى للاختصاصات الباطنية والجراحة العامة وجراحة العظام والنسائية والتوليد والجلدية، وباحث نفسي طبي وعلاج طبيعي ووظيفي، وغرفة طوارئ تعمل على مدار 24 ساعة، ومختبر فحوصات وأشعة، وصيدلية كبيرة تنقسم إلى قسمين، الأول: للمستهلكات الطبية كالكراسي المتحركة والعكازات وما شابه، والثاني: مخصص للأدوية.
وتحدث الضابط عن حجم المحبة التي يكنها أهالي غزة لطواقم المستشفى الميداني الأردني، قائلاً “إنهم كانوا حريصين على التعامل معهم بود ومحبة وحرص على استضافتهم، والتقرب منهم وإبداء استعدادهم دوماً لأي خدمة يحتاجونها أياً كانت”، مشيراً إلى أنهم “كانوا يشاركوننا مناسباتنا الوطنية، بالحضور للاحتفال معنا فيها، مثلما كان الأردنيون يحرصون في الوقت ذاته، على مشاركة أهالي غزة المحيطين بهم مناسباتهم”.
عمل صعب لا يقل عن القتال
عضو مجلس الأعيان، استشاري جراحة الدماغ والأعصاب والعمود الفقري د.إبراهيم البدور، وسبق أن عمل في المستشفى لأكثر من 3 أشهر، قال “إن الأطباء في القطاع يخوضون عملاً لا يقل صعوبة عن الأعمال القتالية، وسط إجهاد كبير ونقص في المعدات والمستلزمات والإمدادات، مقابل التزايد الضخم في أعداد الجرحى الذين لا يكاد يتوقف نقلهم إلى المستشفيات”.
لذلك، يرى البدور في حديثه إلى “النهار العربي”، “أن الحاجة تبرز أكثر فأكثر لأي جهود تسند عمل القطاع الصحي في غزة، ومن بينها ما يقدمه المستشفى الميداني من جهود التي يجسد عبرها جانباً إنسانياً من عمق الموقف الأردني العام والثابت في نصرة القضية الفلسطينية، والوقوف الدائم إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني ومساندته بكل الأشكال”.
ويقول “إن مخزون المستشفيات في غزة، مهما كان كبيراً، فإنه ومع حجم ما يحدث، سيستمر في النفاد المتسارع”، مشيراً إلى أن الأولوية في ظروف مثل هذه، تكون للمستلزمات الطبية الأساسية والأجهزة الحيوية، لا سيما الأكسجين ومواد التخدير والخيوط الجراحية، وتوفير أكبر عدد ممكن من الطواقم والأسرّة.
ودعا البدور، إلى تكثيف الخطاب الإنساني أكثر فأكثر في سياق العدوان الوحشي الصهيوني، وإفراد مساحات أوسع بهذا الخصوص في وسائل الإعلام، معتبراً أن الأولوية هي لسلامة الأرواح وضمان تقديم الخدمات الصحية والطبية لمحتاجيها كافة، بالتوازي مع تكثيف دخول مساعدات أخرى، لا تقل أهمية عن المستلزمات الطبية، في مقدمتها الأغذية.
دور أردني مكثف
لمساعدة غزة
ورغم القصف الهمجي للصهاينة على القطاع، والذي دائما ما يشكل خطراً كبيراً على المستشفى الميداني، ويهدد استمرار عمله في غزة، إلا أن جلالة الملك، وجه بالإبقاء عليه في القطاع، والاستمرار بعمله، لإسناد المنظومة الصحية في علاج الجرحى والمرضى.
وفي الحديث عن الدور الإنساني الرسمي للأردن في القطاع، لا يمكن القفز عما تبذله الهيئة الخيرية الهاشمية من جهود، في تقديم المساعدات المختلفة لأهالي القطاع، سواء في أوقات السلم أو الحرب، إذ كان لافتاً تكثيف نشاطها بهذا الخصوص منذ بدء الحرب الاجرامية الأخيرة على القطاع بعد عملية “طوفان الأقصى” للمقاومة الفلسطينية، ومن ضمن أعمالها، إطلاق حملة تبرعات نقدية وعينية مفتوحة بالتعاون مع وزارة الداخلية، ومشاركتها بإرسال المملكة أول طائرة مساعدات حطت في مطار العريش المصري، إضافة لشحنات مساعدات إغاثية أخرى.
وأخيراً، قدم الأردن تمويلاً لعمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القطاع بمبلغ 3 ملايين دينار، بينما خصصت وزارة الصحة معدات طبية وأدوية بقيمة نصف مليون دينار أردني، وأطلق التلفزيون الرسمي كذلك يوماً خيرياً “تيليثون” لمصلحة غزة، جمع فيه ما يفوق 11 مليون دينار.
ويأتي ذلك في غمرة موقف شعبي عارم بالتضامن مع غزة ودعم أهلها، إذ تشهد المملكة يومياً، تظاهرات وفعاليات مختلفة، إضافة لانطلاق حملات تبرعات مالية وعينية، وما شابه من أشكال الدعم، بينما اتخذت المملكة، الأربعاء الماضي، قراراً باستدعاء سفيرها في تل أبيب التي أبلغها عدم عودة سفيرها إلى عمان، احتجاجاً على إصرار جيش الاحتلال على الاستمرار بإطلاق النار، وسط تواصل الجهود السياسية والدبلوماسية الأردنية في الإقليم والعالم، سعياً لوقف الحرب والحد من تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة أكثر فأكثر.
تطوع 850 طبيباً
للذهاب إلى غزة
نقيب الأطباء الأردنيين زياد الزعبي، يؤكد أن 850 طبيباً، بينهم 250 مختصاً في الجراحة، سجلوا أسماءهم كمتطوعين للذهاب إلى غزة، بينما قرر مجلس النقباء إنشاء مستشفى ميداني في القطاع، بالتعاون مع النقابات الصحية الأخرى، وبدعم مالي كامل من المجلس.
الزعبي، تحدث كذلك عن “اتصالات تجرى حالياً مع الهلال الأحمر المصري واتحاد الأطباء المصريين، ليكون المستشفى الميداني في رفح، إذ يجري استقبال جرحى من غزة، كما تُجرى اتصالات مع جهات دولية أخرى، لتأمين موقع للمستشفى في القطاع أو على الحدود مع الجانب المصري”، لكنه أكد أنه لم يتلق أي إجابة حتى اللحظة.
وقال “إن مجلس النقباء سيعرض اقتراحاً على القوات المسلحة الأردنية ليكون المستشفى الميداني المقترح بجانب المستشفى الميداني الأردني العامل في القطاع، أو تزويد المستشفى الحالي بالأطباء والكوادر الصحية الأخرى المتطوعين من النقابة”.
الغد
التعليقات مغلقة.