“الميناء الأموي” بالعقبة.. قيمة أثرية وسياحية تحت التراب

العقبة – بين أجزاء مدفونة تحت التراب وأخرى تغمرها مياه البحر، يعاني ميناء أثري يعود للعصر الأموي في مدينة العقبة تم اكتشافه في العام 2018 من الإهمال، بانتظار تسليط الضوء عليه وإخراجه من عتمة التهميش ليكون حاضرا على المسار والخريطة السياحية بشكل يليق بمكانته الأثرية والمدينة الإسلامية التاريخية التي كان يخدمها.
ويطالب مواطنون وسياح بضرورة إعادة عماليات التنقيب والبحث في جولة ثانية للميناء للكشف عن الأجزاء المدفونة ووضعه على الخريطة السياحية ليضاف كمنتج سياحي جديد للعقبة التي تشهد تدفق آلاف السياح من مختلف دول العالم.
وكانت أعمال تنقيب بحرية أجرتها الجمعية العلمية لحماية البيئة البحرية بداية العام 2018، أظهرت وجود ميناء بحري يعود إلى الفترة الإسلامية الأموية، فيما يعد الميناء الغارق تحت المدينة التي عرفت باسم “أيلة” في العصور القديمة أول عمارة بحرية غارقة يتم الكشف عنها في المنطقة.
ويطالب سكان بإيلاء المدينة الإسلامية ومينائها الغارق تحت البحر والتي يعود بناؤها الى أوائل عصر الدولة الإسلامية (650) ميلادي، الاهتمام والعناية بها، ووضعها على خريطة العقبة السياحية والترويج لها بشكل يليق بمكانتها التاريخية.
وتبين أعمال التنقيب التي جرت العام 2018، أن المدينة الإسلامية هي امتداد لميناء “آيلة” الذي كان نشطاً في الفترة بين القرنين السابع والثاني عشر، وكان جزءاً من الطريق التجاري الذي يربط بلاد الشام بأجزاء أخرى من الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا.
وتقع مدينة آيلة الإسلامية على مساحة 16 دونما على شاطئ العقبة، بين أكبر المنتجعات السياحية، فيما لا يزيد ما تم اكتشافه منها على 40 %، في حين أن معظم المدينة ما يزال مدفونا لعدم توفر مخصصات لاستمرار الحفريات، إضافة الى أن الموقع لم يحظ بالاهتمام الذي حظيت به مرافق أخرى في المدينة.
الإطلالة الفريدة للمدينة الإسلامية على الشاطئ دفعت سكانا بالعقبة الى المطالبة من الجهات المعنية، وعلى رأسها دائرة الآثار العامة وسلطة العقبة الخاصة، بجعلها متنفساً سياحياً للزوار المحليين والأجانب، مؤكدين أن المكان ما يزال غير معروف عند بعض أبناء العقبة.
ويقول المواطن منتصر الهواملة، إن مدينة آيلة الإسلامية تعاني من تهميش في الترويج السياحي، رغم وجود ميناء بحري أثري، مؤكداً أن الموقع على وضعه الحالي غير مهيأ لاستقبال السياح والزوار بسبب عدم وجود أماكن للسير عليه، إضافة الى عدم وجود لوحات إرشادية تعريفية للموقع.
ويبين المواطن ماهر البطايبة، أن الاكتشاف الكبير الذي جرى في العام 2018 لا يمكن أن يترك دون تحرك رسمي، للتنقيب في الموقع والإعلان عن الميناء البحري، لزيادة قيمة العقبة السياحية والأثرية والتاريخية، مؤكداً أن الجهات ذات العلاقة لا تقوم بدورها كما ينبغي، مشيراً الى أن الميناء كنز أثري يجب التوسع بالترويج له وربطه بالمقومات السياحية كافة الموجودة في العقبة، قائلا “هذا الموقع لو أنه منشأة سياحية لوجد الاهتمام والمتابعة”.
ويتابع “أشعر بخيبة أمل كبيرة نتيجة إهمال الموقع بهذه الصورة”، مؤكدا أن السلطة الخاصة ودائرة الآثار العامة مقصرتان بحق أقدم مدينة إسلامية أثرية في بلاد الشام والإهمال بوجود ميناء بحري لا نسمع عنه أي شيء.
يذكر أن مدينة آيلة الإسلامية هي أول مدينة أُنشئت خارج حدود الجزيرة العربية، وتحتل مساحة في الجزء الشمالي الغربي من مدينة العقبة، ويعد وجود أطلال هذه المدينة خير دليل على عراقة وأصالة تاريخ مدينة العقبة.
كما يشير التاريخ إلى أن مدينة آيلة قد اتخذت أهمية كبيرة عبر التاريخ؛ لتميز موقعها الجغرافي الاستراتيجي، الذي اعتبر بمثابة حلقة وصل بين مناطق الشام، والحجاز، ومصر.
وتحكي آثار آيلة الإسلامية في شمال العقبة قصة مدينة العقبة ومجدا تليدا عاشته، حيث أقيمت مشاريع حديثة اتخذت من آيلة اسما لها كمشروع واحة آيلة الذي يعد من أضخم مشاريع المدينة.
وبمحاذاة آثار المدينة الإسلامية تنهض بوابة العقبة معلما سياحيا يشد الأنظار بجمال تصميمه، الذي يختزل المدينة الآفلة، وفنادق فخمة اتخذت قاعات بداخلها اسم العقبة القديم.
ويقول الباحث عبد الله المنزلاوي، إن الروايات التاريخية ترجح إنشاء المدينة في العام 650 ميلادي، في عهد الخليفة عثمان بن عفان، لتكون أول مدينة إسلامية تأسست خارج الجزيرة العربية.
وأوضح المنزلاوي، أن الروايات تشير إلى أن المدينة التي تقع أطلالها في مدينة العقبة الشاطئية، ازدهرت في العصرين الأموي والعباسي، قبل أن تتراجع أهميتها أواخر القرن الثاني عشر، بسبب زلزال ضرب المنطقة ودمر المدينة، تبعه العديد من الغزوات العسكرية.
وقال المنزلاوي، إن أبرز المعالم الأثرية، التي تم الكشف عنها هي أسوار المدينة، خاصة الجزء الشمالي الغربي من سور المدينة بطول 80 مترا، ويتألف من جدارين متوازيين من الحجارة تم طمر المسافة بينهما بالطمم، وأبراج نصف دائرية تدعم الجدارين على مسافات متساوية محاطة ببوابة المدينة، كما امتدت أسوار أخرى من هذه البوابة الى الجنوب والشمال تحت طريق الكورنيش الحالي.
وبين المنزلاوي أن للمدينة أربعة مداخل أو أبواب تتوسط الأسوار المحيطة، وهي باب الشام وباب الحجاز وباب مصر وباب البحر، إضافة الى المسجد العباسي المقام على المنصة ويمكن الوصول إليه بواسطة الدرج الموجود على جانبيه.
وشهد العام 1986 أول عملية استكشاف للمدينة خلال أعمال التنقيب المشتركة بين الأردن والولايات المتحدة الأميركية، بالتعاون مع جامعة شيكاغو، وعثر خلالها على بقايا للمدينة على اليابسة، ورجح العلماء حينها أن بقايا هذه المدينة مدفونة تحت البحر.
ومن جهته، اكتفى مدير آثار العقبة ماهر العمريين، بالتأكيد أن هناك اهتماما كبيرا من قبل دائرة الآثار العامة بالميناء الأثري، وسيتم إجراء عملية تنقيب ثانية في أقرب وقت.

أحمد الرواشدة/  الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة