النزاع السوري المتجدد.. أين يتجه وما هي تبعاته على الأردن؟

تتجه الأزمة السياسية في سورية نحو مزيد من التعقيد، إذ تعكس مجريات الأحداث الدراماتيكية الأخيرة في الشمال، تصاعدا جديدا في نطاق النزاع المستمر بين الدولة السورية والمعارضة المسلحة التي اشتعلت شرارتها منذ أكثر من عقد.

ومع الهجوم الذي شنته “هيئة تحرير الشام” أو ما كانت تعرف بـ”جبهة النصرة” سابقا، على مدن وبلدات في الشمال السوري، تصاعدت أعمال العنف، وكشف الهجوم عما تواجهه الجهود الدولية والمحلية في إيجاد حل دائم للنزاع السوري السوري، من تحديات ذات تعقيدات هائلة، وتأثيرات مريعة على حياة المدنيين الذين لم تدمل جراحهم بعد من آثار استمرار هذا النزاع.

وفي ظل استضافة الأردن لأكثر من 1.4 مليون لاجئ سوري، يلقي التصعيد في الشمال السوري وتسارع الأحداث هناك، بتأثيراته على هذا الجانب، وغيره من المسائل التي ترتبط باللاجئين وأمن الحدود وما يتبع ذلك جراء النزاع الدائر، فيما تؤكد المملكة أهمية الحلول السلمية للقضية السورية، سعيا لاستقرار سورية الذي هو جزء من استقرار المنطقة.
الخبير الأمني والإستراتيجي د. عمر الرداد، بين أن تفجر الازمة السورية في هذا التوقيت يرتبط بعدة عوامل، أبرزها فشل النظام السوري في إنجاز تسوية سياسية داخلية، وتزايد الضغوط الدولية، الأميركية بالذات، التي تمارس على إيران، الحليف لسورية، الى جانب فشل مساري “أستانا” و”جنيف” بالوصول لحل ينهي النزاع في سورية، بمعنى الوصول لحل يكون مقدمة لتحييد العمليات العسكرية بين المعارضة والدولة.
وأضاف، “لا يمكنني تفصيل ما يجري بعد اجتياح الهيئة وغيرها من الفصائل المسلحة السورية وغير السورية في إدلب لمدن الشمال السوري الأخرى، عن الفضاء العام المرتبط بالإصرار الإسرائيلي والأميركي على إلحاق الهزيمة بإيران، ووكلائها بالمنطقة”، فـ”النظام السوري جزء من المحور التحالفي الذي صاغته إيران في الأعوام الماضية، وإن كان النظام أبدى منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، موقفا مختلفا عن بقية قوى المحور”.
ولفت الرداد، إلى أنه ثبت بأن هناك أوساطا في القيادة السورية مستمرة بالتعاون مع حزب الله وإيران، إلى جانب تمترس الرئيس السوري بشار الأسد برغم تعرضه لضغوط كبيرة، وراء رفض المصالحة مع تركيا، في إطار مبادرة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وهذا الإصرار سببه، أن تركيا لم تنسحب من الأراضي السورية، شرط الأسد للقبول بالتفاوض مع الأتراك، لافتا إلى أن تلك المفاوضات لم تحقق أي تقدم وبقيت متأرجحة، إلى أن سد الباب في وجهها، وفي وقت تجلس فيه هيئة تحرير الشام في ظل تركيا، فإن الخطوة الاخيرة ستصب في صالح أنقرة، خلال مفاوضات ستحتضنها الدوحة لاحقا.
وبين ان مسار المعارك بعد حلب وريفها، يمتد إلى حماة وحمص للسيطرة الكاملة عليهما، وهذا يؤشر إلى أن التصعيد يفصح عن أن إيران ستكون الخاسر الأول في النزاع، بعد الدولة السورية، تليها روسيا التي أصبح وجود قواتها في سورية يمثل أزمة عملياتية وعسكرية لها، إلى جانب تضرر موقفها السياسي جراء خسارتها لحلفائها.
وتوقع بألا تصل العمليات العسكرية إلى دمشق، ما يشي بأنه لن يمسّ بالنظام السوري، بمعنى أنه لن يكون أبو محمد الجولاني و”جبهة النصرة” البديل الحاكم لسورية، بخاصة وأن هناك تعليمات تركية باتجاه خفض ردود الفعل العربية والدولية تجاه ما يجري هناك.
وأشار إلى أن الأردن يتابع التطورات، ولديه موقف سياسي، يتضمن تحقيق تسوية شاملة في سورية لانهاء النزاع، إذ “لا يخفي أن الحدود السورية الجنوبية، جزء من فضائه وأمنه الإستراتيجيين، في ظل هكذا نزاع على غرار ما تذهب اليه تركيا حول أمنها القومي في الشمال السوري، فلتركيا أهداف من دخول الهيئة وجماعاتها الى الشمال، تتركز على إعادة نحو 4 ملايين لاجئ سوري لديها لبلدهم، وقد أعلنت ذلك صراحة، الى جانب رفضها لوجود كيانات كردية مستقلة هناك.
وقال الرداد “تعرضت مناطق الأكراد في الشمال لهجمات الهيئة، وكان واضحا أن تركيا تنفذ مخططا قديما جديدا بخصوصهم”، لافتا إلى أن هذه الحرب أعادت للأذهان، البدايات الأولى بشأن التغيير الديموغرافي لشمال سورية.
وأوضح أن الأردن ليس لديه هذه الحسابات الديموغرافية، وقد بادر لإعادة النظام السوري للجامعة والنظام العربيين، ضمن مبادرة “خطوة مقابل خطوة”، في إطار موقف تبنته الجامعة، لفك عرى ارتباط سورية الوثيق بإيران، مؤكدا ان للأردن حساباته، فهو معنيّ بعدم وجود جماعات موالية لإيران في جنوب سورية، إلى جانب رفضه القاطع لوجود “القاعدة” أو “داعش” أو أي تنظيمات ارهابية على غرارهما، قرب حدوده الشمالية.
وأكد أن عمان مع وجود دولة سورية قوية، تستطيع حماية حدودها، بحيث يكون للأردن مقابل تستطيع التعامل معه هو الدولة السورية، القادرة على تنفيذ قراراتها بحزم في انهاء الوجود الميلشوي، مشددا على أن هذا كلّه، عبّر الأردن عنه عدة مرات، داعيا لتسوية سياسية شاملة بالنسبة لدمشق.
وبين الرداد، أن المرجعية الأخرى لمواقف الأردن، هي اللاجئون السوريون، خصوصا وأنه يعاني من أوضاع اقتصادية واجتماعية ضاغطة، ولديه 1.4 مليون لاجئ، يشكلون جزءا من هذا الضغط، بحيث لم يعد بإمكانه تلبية احتياجاتهم، لذا سيكون حازما بخصوص هذا الأمر، إذا ما انفتحت المعركة في مناطق الجنوب السوري، وهذا متوقع، فهناك وجود لميليشيات حزب الله وإيران، وبعض جيوب لـ”القاعدة” و”داعش”.
وأشار إلى أن الأردن عانى بشدة من التسلل وتهريب المخدرات والسلاح لاراضيه، وهو يعرف عبر معلومات موثقة استخبارية، أن هذه المهربات تقف خلفها ميليشيات تتبع إيران والحرس الثوري، وتمكنت من بناء قواعد عسكرية ومراكز دعم وتخزين لها في الجنوب السوري، قريبا من حدوده.
من جانبه، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، إنه بات واضحا بأن سورية تمرّ بمخاض غير معروف فيه أين ستتجه أمورها، مؤكدا أنه في العام 2017 بدا أن نظام الأسد في طريقه للانتصار، لكن الظروف الدولية والإقليمية اليوم تبدلت، وتغيرت المعادلة، خصوصا وأن الروس منشغلون بحربهم مع أوكرانيا، وحزب الله الذي هيمن على الساحة السورية بمساندة ميليشيات إيرانية، فقد حاليا جزءا مهما من قوته.
وقال شنيكات، إن المعارضة السورية استغلت هذه الفرصة، ويبدو أنها تجهزت لها طويلا وتشن هجمات قوية في سورية، ما يفصح عن غموض مآلات الاحداث، معتبرا بأن وضوحها يعتمد على موقف الولايات المتحدة: هل ستدعم المعارضة السورية أم تقف على الحياد، أم ستدعم على نحو غير مباشر استمرار نظام الأسد.
أما الموقف الروسي، فاكد أنه غير معروف حاليا، متسائلا “هل ستقدم موسكو مساعدات عسكرية عاجلة لتزويد القواعد الجوية الروسية في سورية بالذخيرة، ثم القيام بعملية جوية شبيهة بالعملية التي شنتها في العام 2015 واستمرت تقريبا حتى نهاية 2017؟”.
وبالنسبة لموقف الأردن، فأوضح شنيكات بأنه ليس في مصلحتها إعادة “ثوران” الملف السوري وبالتالي “قدوم مزيد من اللاجئين”. مشددا على أنه تحمّل العبء الأكبر للاجئين السوريين مع توقف التجارة معها، وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي، وتهريب المخدّرات والإرهاب إلى حدوده الشمالية، وكلها قضايا أثرت على مصلحته، جراء عدم استقرار سورية والمنطقة ككل، ويرى أن حل النزاع السوري سياسي فقط.
وقال، ثمة غموض يحيط بحدوث عملية سياسية، تحل فيها الأمور في سورية، مبينا أنه يبدو حتى الآن ان “الصوت” للعملية العسكرية، لكن لن ينتصر فيها أي طرف، لأنها تمثل “استنزافا لمقدرات السوريين”.
بدوره، قال المحلل السياسي د. بدر الماضي إن الأردن يرى أن ما يجري في سورية يتعلّق بثلاث نقاط، الأولى، ملف النزوح واللجوء، والمملكة واضحة في ذلك كما كانت في العام 2018، إذ لم تستقبل أي نازح أو لاجئ جديد فهي وفق تصريحات سابقة “لم تُفتح حدودي من أجل أي موجة نزوح جديدة”.
اما الثانية، فتتمحور حول البعد الأمني، وخصوصا في محاولة لاستفزاز الاستقرار الأردني من بعض الجماعات المسلحة والمنفلتة في الحدود الشمالية لسورية، لافتا إلى أن الثالثة، تكمن في إيجاد مشروع سوري سياسي حقيقي، مبينا أن الأردن تحدث دائما حول ذلك، وإشراك كل السوريين في العملية السياسية.

 محمد الكيالي/الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة