“النقاد الأردنيين” تنظم ندوة بعنوان “الفلسفة والشعر”
أقامت جمعية النقاد الأردنيين، أول من أمس، ندوة نقدية بعنوان “الفلسفة والشعر”، تحدث فيها كل الأكاديميين: د. بسام قطوس، د. راشد عيسى، وأدارها الناقد د. محمد القواسمة، وذلك في مقر مكتبة الأرشيف.
وأكد أكاديميون العلاقة بين الشعر والفلسفة، فالشعر ينطلق من الفلسفة والفلسفة تنطلق من الشعر.
ومن جهته، تحدث الشاعر والناقد د. راشد عيسى عن ديوان “سماء أوديتي رؤاي” لزهير توفيق الذي صدر حديثا، قائلا “إن الديوان يحمل خطابا شعريا مبثوث من نفس تريد أن تتحمل أعباء الحزن الكوني وحدها، وتحاور أخطاء الكينونة وأسئلتها بعقلانية، فهو يبث شعرا متساميا عن السائد الشعري العام وموجها للنخبة من القراء أو الشعراء، ولا يقدر على تفكيك ترميزاته وإيماءاته إلا القارئ العمدة المحصن بثقافة فكرية رحيبة”.
وأشار عيسى الى أن هذا الديوان نأى عن البوح الرومانسي الساذج وعن الغنائية المجانية والعواطف المستهلكة، وتسامى عن اللغة التقليدية المألوفة المشمومة جدا، فكان الديوان صوتا مختلفا لا أصداء فيه لمداميك شعرية سابقة.
وبين أن الديوان يتألف من أربع قصائد طوال، حيث تتخذ القصيدة الأولى من شخصية “الرائي” أو العارف الذي هو مزيج من شخوص، وتتخذ منه محورا جوهريا في كشف العلائق السرانية بين عالم السماء وواقع الإنسان، بينما تعد قصيدة “كأس عصير”، ثمارا من الموروث الصوفي ومن فواكه الذهول الوجداني.
ومن جهته، توقف د. بسام قطوس عند أقدم النصوص الفلسفية عند كل من “أفلاطون وأرسطو”، مشيرا الى مظاهر تهميش أفلاطون للشعراء بطردهم من جمهوريته المثالية، في حين استوعب أرسطو الخيال ضمن نشاط الفكر بوضعه ضمن النشاط المعرفي، وجل من الشعر مرتبة متقدمة على التاريخ؛ لأن التاريخ يعبر عن الجزئي، في حين أن الشعر يعبر عن الكلي.
وقال قطوس “إن الشعر الذي لا ينهل من الفكر والفلسفة والفنون الأخرى، وليس له خلفية معرفية، ولا يدرك اغتراب الإنسان وضعفه، ومحدودية جسده، وهشاشته العميقة، ولا يشيع قيما روحية وأخلاقية، يظل شعرا مسطحا يغيب عنه الجوهر”، مشيرا الى الفلاسفة الذين كانت خلفيتهم شعرية مثل “نيتشه، وباشلر، وهايدجر، وكريستيان دوميه” وغيرهم، وكذلك الشعراء الذين كانت مرجعياتهم رؤيوية وفلسفية مثل “أبو العتاهية، أبو العلاء المعري، أدونيس، محمود درويش، ومحمد عفيفي مطر…إلخ”.
ولفت قطوس إلى أن الكثير من الشعراء دعوا إلى قراءة الفلسفة والتعمق في تأمل إنتاجها؛ فالعقل الشعري يختلف عن العقل الأداتي، فهو عقل جمالي إنساني أخلاقي يفكر بالجوهر، كما أن علم الجمال يعد فضاء مصالحة بين الفلسفة والشعر، بدليل ما يشير إليه كثير من الفلاسفة الذين رفضوا استبعاد أفلاطون للشعر من مدينته الفاضلة، مبينا أن ابن عربي، على سبيل المثال لا الحصر، وهو من أوائل من أثار قضية الكتابة الفلسفية البرهانية العلمية والكتابة الشعرية؛ يعد الخيال ملكة معرفية وفعلا وجوديا، وهو في مكانه ليس أقل شأنا من مكان العقل، لهذا سماه برزخا.
وأشار قطوس إلى بعض الفلاسفة الذين أحدثوا انعطافات أدبية، شعرية مؤثرة في الفلسفة، واستخدم بعضهم الأجناس الأدبية للتعبير عن نظرياتهم الفلسفية؛ مثلما فعل “سقراط” في محاوراته مع تلامذته. وفي فلسفة ما بعد الحداثة قدم نيتشه فلسفته على هيئة سرد روائي في كتابه “هكذا تكلم زرادشت”، وفعل كذلك “هايدجر”، الذي اعتقد أن الفكر والشعر كليهما يحملان قسطاً من المسؤولية في قول حقيقة الوجود، حتى أنه أقام حوارا فعليا بين الشعر والفلسفة، شكلا ومضمونا، ليكشف عن الأساس المشترك بينهما، وذهب إلى أن “الشعر بصفته شعراً يمثل نوعا من المعرفة غير العقلية أكثر عمقا من المعرفة الفلسفية”.
عزيزة علي/ الغد
التعليقات مغلقة.