انخفاض تهريب المخدرات من سورية.. هل يقتضي مواصلة الحذر؟
في الوقت الذي لم تسجل فيه الحدود الشمالية للمملكة محاولات تهريب للمخدرات والأسلحة، منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، أكد مراقبون أن هذا التراجع لا يعني الركون للمعطيات الجديدة، بل ينبغي أن تظل العيون الأمنية مفتوحة على هذه الحدود لإحباط أي محاولات للتهريب أو الاختراق، خصوصًا في المرحلة الانتقالية الحالية التي تشهدها سورية.
وقال هؤلاء المراقبون إن الأردن دفع تكلفة عالية في تعامله مع مجريات سنوات الصراع السوري، تمثلت في التصدي لعمليات تهريب المخدرات عبر استخدام مختلف أنواع الوسائل، العسكرية والأمنية وغيرها، ولا ينبغي بالتالي أن تضيع هذه الجهود سدى في قابل الأيام.
ومنذ الثامن من الشهر الحالي كانون الثاني (تاريخ سقوط نظام الرئيس السابق الأسد) لم تسجل أي محاولة تهريب مخدرات أو أسلحة على امتداد الحدود الشمالية للمملكة، في إشارة واضحة إلى أن النظام السوري السابق وأدواته كانت تشرف وتعلم عن هذه المحاولات، بحسب هؤلاء المراقبين.
ودعوا في أحاديث منفصلة لـ”الغد”، القيادة الجديدة في سورية إلى معالجة ملف صناعة وتهريب المخدرات في سورية بشكل جذري، انطلاقا نحو سورية الجديدة التي سيبنيها شعبها من جديد.
وفي هذا الإطار، يقول الوزير الأسبق مجحم الخريشا، تعامل الأردن في السابق كان مع حالات فردية، لكن في السنوات الماضية تطور الأمر وأصبحت عمليات التهريب تشرف عليها عصابات متخصصة، الأمر الذي يفرض تحديا كبيرا أمام القوات المسلحة الأردنية ممثلة بقوات حرس الحدود في التعامل مع تلك العمليات، في ظل إشراف عصابات متخصصة عليها.
وأكد الخريشا أن ما حدث في سورية من تطورات، يعد فرصة حقيقية أمام القيادة الجديدة للبلاد، لمعالجة ملف صناعة وتهريب المخدرات في سورية، بشكل جذري، انطلاقا نحو سورية الجديدة التي سيبنيها شعبها من جديد بعد سنوات من الدمار.
وتابع: “شكل وجود ميليشيات غير نظامية على الجانب المقابل من حدودنا الشمالية في زمن النظام السابق تهديدا حقيقيا لأمننا الوطني واستقرارنا، ومع القيادة الجديدة في سوريا تتزايد أهمية حجم الملف الأمني وطبيعة وآلية التعامل معه بعد سقوط نظام الأسد”.
ويبلغ طول الحدود الأردنية السورية الممتدة شمال وشرق المملكة أكثر من 375 كيلومترا، شكلت حالة أمنية للأردن منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وأصبحت فيما بعد أكثر سوءا بعد انسحاب روسيا، وانشغالها عن سورية بالحرب الأوكرانية، فضلا عن تمدد الوجود الإيراني في تلك المناطق الحدودية.
من جهته، يرى عميد كلية القانون السابق في جامعة الزيتونة الدكتور محمد فهمي الغزو، أن التحديات التي تفرضها الفصائل المختلفة والتطورات الميدانية المتسارعة داخل سورية، تتطلب التعامل بقوة وحزم كما المعتاد من جانب قواتنا المسلحة تجاه أي محاولة خرق للحدود، إذ لم تتضح بعد ملامح المرحلة القادمة في سورية، خاصة في ظل الدعوات لحل كافة الفصائل ودمجها في جيش موحد للدولة.
وأضاف الغزو “إنه وعقب فرض الإدارة الأميركية قانون قيصر على النظام السوري السابق عام 2020، ازداد اعتماد النظام والمليشيات المتحالفة معه الموجودة في سورية، على تجارة المخدرات، لتأمين مصادر الدخل من أجل الإنفاق على أجهزته ومليشياته”.
وتابع: “الجميع يعلم أن الأردن كان يخوض حربا بالنيابة عن دول المنطقة على امتداد حدوده الشمالية ضد ميليشيات وعصابات المخدرات المدعومة من قوى إقليمية تدفع من أجل التهريب والاعتداء على الأردن”.
وزاد: “الأردن أبلغ سورية وإيران مرارا وتكرارا، بعدم سماحه بتهديد حدوده من الجهة السورية بعمليات تهريب المخدرات أو الأسلحة، إلا أن العمليات استمرت على مدار السنوات الماضية وإلى ما قبل سقوط نظام الأسد في الثامن من الشهر الحالي، وقبلها أعلن الأردن عام 2021 تغيير قواعد الاشتباك، وهو أمر كان يجب أن يلقى تعاونا أكبر من الجانب السوري في السابق”.
بدوره، يقول الدكتور علاء حمدان الخوالدة، إن الأردن على مدار السنوات الماضية كان يحمي حدوده الشمالية ويمنع عمليات التهريب إلى البلاد، وتطور الأمر لاحقا إذ لم يعد التهديد الذي يواجهه الأردن من الحدود مع سورية مقتصرا على تهريب المخدرات وحبوب الكبتاغون، بل وصل إلى حد عبور الأسلحة والمتفجرات جوا باستخدام الطائرات المسيرة.
وأضاف الخوالدة: “تزايدت تلك المحاولات رغم بدء عمان ودمشق عمليات تنسيق من أجل تبديد التهديدات المتعلقة بالحدود، في أعقاب اجتماع أمني – عسكري عقد في عمان العام الماضي، لمناقشة مكافحة تجارة المخدرات المتنامية عبر الحدود المشتركة”.
وتابع: “حقيقة موقف النظام السوري السابق، وما كان يشكله من خطورة على دول الجوار، وتحديدا الأردن، وضعنا أمام مسؤولية تأمين حدودنا التي تمتد لنحو 375 كيلومترا، وهو أمر كان في غاية الصعوبة، نظرا لحاجته لكوادر عسكرية ضخمة، وآليات عديدة”.
وأضاف: “منذ أكثر من عامين شعر الأردن بالقلق بسبب الانفلات الأمني في الجنوب السوري، إذ تكررت اتهامات الولايات المتحدة بأن ميليشيات موالية لإيران تحميها وحدات من الجيش السوري تدير شبكات تهريب بمليارات الدولارات”.
وأشار إلى أن الأردن خاض حربا مستمرة على الجبهة الشمالية في مواجهة آفة المخدرات، وكل ما يرتبط بها من تهديدات، موضحا أن الأسلحة التي كان يتم ضبطها مع المهربين من صواريخ وقنابل وأسلحة ومعدات متطورة، تبرهن أن هذه ليست ميليشيات عشوائية، بل ميليشيات منظمة ومحمية من قوات النظام السابق، للوصول إلى ما وصلت إليه من استخدام المسيرات والرادارات في محاولات التهريب التي كانت تقوم بها على الحدود الشمالية الشرقية من المملكة.