بالأطباق الشامية.. سوريات يمكنَ أسرهن اقتصاديا ويعبرن لبر الأمان
عمان- تلك الظروف الصعبة التي مرت بها نساء سوريات، ومعاناتهن بسبب ويلات حروب عصفت باستقرار أسرهن، وخلفت ذكريات مؤلمة وندوبا عجزت السنين عن شفائها، قابلنها بقوة وإنجاز وقدرة على تجاوز كل الاحتياطات، و”لملمة” الجراح والمضي بها إلى بر الأمان. قصص نجاح سطرتها لاجئات سوريات في الأردن من خلال مشارع منزلية صغيرة ساعدتهن في تمكين أنفسهن وعائلتهن اقتصاديا، متجاوزات كل المحطات الصعبة التي مرت عليهن، ونصب أعينهن تأسيس بدايات جديدة.
البحث عن مصدر دخل تعيل من خلاله نساء عائلاتهن، كان يشغل بالهن، إذ أن صعوبة الحصول على وظيفة دفع الكثيرات للبحث عن مشاريع داخل منازلهن وهو ما قامت به أم فراس صاحبة مشروع “غذائي منزلي”.
تمتلك أم فراس التي جاءت إلى الأردن برفقة زوجها الذي أصيب خلال الحرب السورية في العام 2012، مطبخا إنتاجيا داخل منزلها المتواضع، تحضر فيه الأطباق الشامية بأنواعها المختلفة وأشتهرت بالكبة المميزة التي تصنعها.
بدأت أم فراس مشروعها في العام 2013 بعد أن شجعها الأهل والجيران الذين شهدوا بتميز أطباقها، فما أن بدأت بإعداد الأطباق والإعلان عنها حتى كان هنالك تهافت كبير على طعامها.
تقول؛ في البداية كنت أجهز أطباقا صغيرة، وكنت أساعد الجيران في الولائم”، لافتة إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها عائلتها بعد القدوم إلى الأردن جعلتها تفكر في إقامة مشروع منزلي تحقق من خلاله دخل لأسرتها، خصوصا وأن زوجها بقي ثمانية أشهر يتلقى العلاج بسبب إصابته بالحرب.
خبرة أم فراس في إتقان الأكلات الشامية بأنواعها المختلفة كالفوارغ، الكبب، اليلنجي، وغيرها من الأطباق منذ أن كانت في سورية، كان دافعا لها لفتح مشروع “أم فراس” لتقديم كل المأكولات الشامية والمفرزات والخضراوات المقطعه والمجففة والمخللات.
خبرة أم فراس في إدارة المشاريع المنزلية مكنتها من إقامته، وترخيصه وفق شروط الصحة والسلامة العامة التي تضمن تقديم وجبات طعام صحية وذات قيمة غذائية عالية.
مشروع أم فراس، فتح المجال أمام عشرات النساء السوريات في الأردن اللواتي عملن معها في التقطيع والتفريز ولف ورق العنب والمشاركة في الولائم والمناسبات الكبيرة، ليصبح هذا المشروع الصغير سندا لكثير من العائلات السورية رقيقة الحال.
“أم عزام” التي درست هندسة العمارة في سورية، وعملت لمدة عام في شهادتها في الأردن بعد لجوئها، ذهب بها المطاف لتصبح صاحبة مشروع منزلي، تعد من خلاله أشهى الأطباق السورية المميزة.
عمل أم عزام في هندسة العمارة كان يتطلب بقاءها لفترات طويلة خارج المنزل، الأمر الذي كان يدفعها للبقاء بعيدة عن أولادها وهو أمر كان صعبا عليها ما جعلها تفكر في مشروع منزلي يمكنها من البقاء بجانب أولادها.
تحديات كثيرة واجهت أم عزام، فالتحول من الهندسة إلى الطبخ لم يكن أمرا هينا لكن عزيمتها والواقع الذي فرض نفسه إبان الأزمة السورية جعلها تثابر للوصول إلى النجاح، فانطلقت لمواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحة على الفيسبوك للترويج عن الوجبات التي تقدمها.
وتتابع “نحن في بداية الطريق وأدواتنا بسيطة ولكن إنتاجنا يضاهي المطابخ الكبيرة”، لافتة الى أنها ملتزمة بأعلى معايير الصحة والسلامة وفي طريقة ترتيب الأطباق والتقديم، وهو ما يميز مشروعها.
ووجهت أم عزام رسالتها للنساء السوريات اللواتي يحملن شهادات بمجالات مختلفة أن لا يربطن بحثهن عن العمل فقط في الشهادة وإنما يسعين لتحقيق دخل لعائلاتهن من خلال مشاريع صغيرة تكفل لهم حياة كريمة.
تقول “بدأت بطبخ أنواع مختلفة من الطعام السوري وعرضه على مدارس بالحيّ الذي أقطن به”، ثم استثمرت معرفتها بمواقع التواصل لتنشئ صفحه على “فيسبوك” وتبدأ بالترويج لمنتجاتها، إذ تحضّر مختلف أنواع المأكولات والحلويات، كما أتقنت صناعة الأطباق الأردنية، اضافة إلى قدرتها على التحضير لموائد طعام كبيرة.
أما مشوار أم أحمد في الطبخ، فبدأ في المستشفى عندما رافقت ابنها الجريح في العام 2012 إلى الأردن بعد إصابته في الحرب السورية فبدأت تطبخ للجرحى في المستشفى وللوفود التي تأتي، ومن هنا جاءت الفكرة خصوصا أنها كانت تعيش ظروفا اقتصادية صعبة وتبحث عن مصدر دخل. وكما تقول، بدأ الطلب على الكبب الشامية، ومن هنا بدأ مشروعها، وبإمكانات بسيطة بإعداد أطباق أخرى، مثل الششبرك واليلنجي والتبولة التي كان الطلب عليها كبيرا.
نجح مشروع أم أحمد، وبدأ التهافت على منتوجاتها، ما جعلها تتوسع أكثر وتقوم بترخيص مطبخها المتواضع، وأيضا مساعدت النساء السوريات لمساندتهن وتمكينهن اقتصاديا.
وتسعى أم أحمد للبحث عن نساء سوريات يساعدنها ويستفدن أيضا، وهو ما نجحت به، وحين يجتمعن على مائدة طعام يجددن ذكريات جميلة، في محاولة لتجاوز اللحظات الصعبة وتحويلها إلى مصدر قوة وتحد.
وتمثل مشاركة النساء السوريات قطاعات الأغذية والمشروبات، الحصة الأكبر في توظيف اللاجئات السوريات (32 %)، يليها الخدمات (23 %)، والزراعة والثروة الحيوانية (16 %)، بحسب دراسة أشارت إلى أن هذا يختلف عن عملهن السابق في سورية، بحيث عملن في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية (42 %)، والتعليم (23 %)، والحكومة (9 %)، و4 % عملن بقطاع الأغذية والمشروبات قبل اللجوء.
وبينت دراسة “وضع اللاجئات السوريات في سوق العمل الأردني ومساهمتهن في الاقتصاد” والتي أطلقتها “تمكين”، عن أن العاملات السوريات يتقاضين في المتوسط 166 دينارًا شهريًا، فيما تبلغ مستويات الإنفاق الاستهلاكي الحالية لكل أسرة من 12.8800 أسرة لاجئة سورية، 3475 دينارا سنويا.
خبير علم الاجتماع الاقتصادي حسام عايش يشير بدوره إلى أن إحدى وسائل التكيف مع الظروف المعيشية الصعبة الناجمة عن كورونا التي أثرت بشكل كبير في اللاجئين السوريين سواء داخل المخيمات أو خارجها، كان من خلال اللجوء لأنشطة ومشاريع صغيرة مختلفة، وتحديدا تحضير الطعام وبيع المأكولات من المنازل.
ويلفت عايش إلى أن هذه الأنشطة عادت لتحتل حيزا كبيرا وفتح آليات الحركة وإعادة الأنشطة المهنية لتكون أحد مصادر الدخل المهمة بالنسبة لأكثر من 80 % من السوريين ضمن مناطق الفقر أو يعانونه بأشكاله المختلفة.
ويضيف “هذه المهن المنزلية التي تقوم بها النساء السوريات في الأردن مهمه في إعطاء دخل معقول إلى حد ما لسد احتياجات أسرهن”.
من جهة أخرى يرى عايش أن هناك إقبالا جيدا على هذه المنتجات، لوجود احترافية في الإعداد وهو ما ساهم في زيادة الطلب عليها، فضلا عن تطور وسائل التسويق سواء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي او المعارف والأسواق المفتوحة، الأمر الذي ساهم في تحسين نوعية تسويق المنتجات.
وتلعب النساء، بحسب عايش دور الضامن والحماية للأسر من خلال هذه الأنشطة المنزلية التي يقمن بها، وهذا عامل مهم، وتمويل هذه المشاريع وتقديم الدعم لها من قبل مؤسسات المجتمع المدني والمانحين الدوليين ومخصصات لدعم هذه المشاريع المنزلية باعتبارها أحد الضمانات الهامة لإبقاء الوضع الاجتماعي السوري في الاردن متماسكا وقادرا على تحمل نتائج خروجه من الأراضي السورية ومواجهة نتائج كورونا التي أثرت بشكل كبير، خصوصا من عمال المياومة.
ويبين عايش أن على الجهات المعنية التي تقدم المنح للسوريين أن تهتم بهذه المشاريع وتقدم الدعم المادي لها”، وتمكين النساء السوريات داخل منازلهن أو بناء مجمعات قادرة على أن تستوعب هذه النشاطات وتقديم المواد التي تسهل القيام بهذه الأنشطة، والتحول من فئات مستهلكة إلى منتجة.
وكانت أمانة عمان الكبرى فرضت مجموعة من الشروط التي وردت في التعليمات المنظمة لترخيص المهن من المنزل الخاصة بالمهن الغذائية لما لها من أثر مباشر في صحة الأفراد، وهي الشروط التي تضمن لصاحب العمل وللمستهلك أن يتم ضبط عملية إعداد المواد الغذائية المحددة على سبيل الحصر، وهي المربيات، المخبوزات المنزلية الكعك، المعجنات، كيك، بسكوت، حلويات، تحضير الخضار، حفر كوسا، ملوخية، جزر، الكبيس بأنواعه، الجميد ومنتجاته وتحضير الأعشاب والبقوليات.
وفيما يتعلق بالمعدات، فقد إشترطت أن تكون ملائمة لكل منتج غذائي، ومن النوع الذي لا يصدأ أو يصدر مواد سامة، واستخدام الكفوف ذات الاستخدام لمرة واحدة وعدم وجود مواد تنظيف وتعقيم تؤثر في صحة الإنسان.
كما اشترطت وجود ثلاجة لتبريد وتجميد لبعض الصناعات الغذائية، والتأكد من توفر الاشتراطات بزيارات غير معلنة، كما يجب نقل المواد الغذائية في أدوات حافظة حسب درجة حرارة المنتج لمنعه من التلوث بالجراثيم، وغيرها من الشروط.
منى أبوحمور/ الغد
التعليقات مغلقة.