بالإرباك الليلي.. بلدة بيتا تستلهم تجربة غزة لاقتلاع المستوطنين
لم يكن المستوطنون وهم يضعون اللبِنات الأولى للبؤرة الاستيطانية “أفيتار” على أراضي جبل صبيح جنوبي نابلس بالضفة الغربية المحتلة، يتوقعون أن يتحول ليلهم إلى جحيم لا يطاق، وأنهم لن ينعموا بنوم هانئ فيها.
الإرباك الليلي، أحد أبرز أساليب المقاومة الشعبية وأكثرها فاعلية، عرفه المستوطنون وجنود الاحتلال في السنوات الأخيرة فيما يعرف بمستوطنات غلاف غزة، لكنهم لم يعهدوه في الضفة الغربية المحتلة التي باتت مجالا حيويا للمستوطنين.
فمنذ بدء أعمال البناء ببؤرة “أفيتار” مطلع أيار (مايو) الماضي على أراضي بلدة بيتا جنوب نابلس شمال الضفة المحتلة، شرع أهالي البلدة بسلسلة فعاليات متدحرجة لاقتلاع هذه البؤرة من أراضيهم وطرد المستوطنين.
وبدأت هذه الفعاليات بمسيرات احتجاجية يوم الجمعة، ما لبثت أن تطورت بشكل متسارع إلى أن وصلت للإرباك الليلي، مستلهمة تجربة قطاع غزة التي أبدعت بهذا الأسلوب من المقاومة الشعبية وحققت نتائج ملموسة على الأرض.
ويقول “أبو ثائر”، أحد نشطاء وحدة الإرباك الليلي في بيتا لوكالة “صفا”: “خلال 50 يوما طورنا من أساليب المقاومة الشعبية لتصبح أكثر فاعلية وتأثيراً”.
ويضيف: “بعد أن كانت الفعاليات تقتصر على مسيرات يوم الجمعة، ارتقت شيئا فشيئا على شكل مواجهات يومية، ما لبثت أن تحولت إلى إرباك ليلي حتى الفجر”.
ويشهد جبل صبيح مواجهات ليلية مع قوات الاحتلال في عدة محاور، وبموازاتها تقوم وحدات الإرباك الليلي بمشاغلة الجنود والمستوطنين بأساليب إبداعية مبتكرة.
ويبين أبو ثائر أن مئات الشبان يشاركون كل ليلة بفعاليات الإرباك من خلال 10 وحدات عاملة، تختص كل منها بوظيفة محددة.
وتأتي في مقدمة تلك الوحدات وحدة الكاوتشوك، ومهمتها جمع إطارات الكاوتشوك من القرى والمدن وتوزيعها على المحاور، ومتابعة اتجاه الرياح من أجل اختيار أنسب المواقع لتوجيه الدخان إلى البؤرة.
وتتولى وحدة المولوتوف استهداف جنود الاحتلال بقنابل المولوتوف، بينما تختص وحدة المقاليع برمي الحجارة باستخدام المقاليع، فيما تختص وحدة المفاجأة بابتداع شكل جديد من أشكال الإرباك كل ليلة.
أما وحدة الرصد والمتابعة، فترصد تحركات الاحتلال والمستوطنين، وما يجري من أعمال التوسعة بالبؤرة، وما ينشر على المواقع الالكترونية العبرية حول البؤرة.
وهناك وحدة للدعم اللوجستي ومهمتها إعداد الطعام وتوزيع الماء والمشروبات، وتتولى هذه المهمة نساء بيتا، وكذلك وحدة الدعم المعنوي التي تقف عليها النساء من خلال بث الروح المعنوية في أبنائهن وحثهم على الاستبسال.
وتنشط وحدة الليزر بتسليط أشعة الليزر والأضواء الكاشفة على الجنود وعلى البؤرة، لعرقلة الجنود وإرباكهم وبث الرعب بين المستوطنين.
أما وحدة الصوتيات فتستخدم الأبواق لإصدار أصوات قوية ومزعجة، وبعد منتصف الليل، تتحول لبث القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت.
كما تعمل هذه الوحدة على توجيه رسائل صوتية لجنود الاحتلال باستخدام سماعات يدوية، بهدف ضرب روحهم المعنوية.
أما وحدة التدخل السريع، فتختص بإنقاذ الجرحى ونقلهم من الأماكن الوعرة إلى أقرب مكان يمكن أن تصله سيارات الإسعاف.
أنموذج يحتذى
ومع تطور الإرباك الليلي في بيتا، باتت البلدة تشكل أنموذجا يحتذى وأيقونة يحلو للبعض وصفها بـ”غزة الضفة”.
ويرى متابعون أن نجاح بيتا في نقل تجربة الارباك الليلي من غزة إلى الضفة، من شأنه أن يشجع قرى وبلدات أخرى على اتباع هذا الاسلوب الفاعل والمؤثر.
وأطلقت بلدة بيت دجن شرق نابلس مساء الاحد فعاليات للإرباك الليلي، بهدف اقتلاع بؤرة استيطانية أقامها المستوطنون قبل تسعة أشهر شرقي البلدة.
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأميركية د. أمجد أبو العز قال لوكالة “صفا” أن الإرباك الليلي يمثل أسلوبا كفاحيا يستخدم أدوات بسيطة ومبتكرة لإيصال رسائل مختلفة.
وأضاف أن ميزة هذا الأسلوب أنه يعكر صفو الجنود ويستنزفهم نفسيا وجسديا.
كما يشكل عامل ضغط في مناطق الاحتكاك، الأمر الذي يقلل عدد المستوطنين الراغبين بالانتقال للعيش في هذه البؤرة بسبب ما تتركه هذه الفعاليات من تلوث بيئي وإزعاج يحوّل البؤرة إلى منطقة طاردة للمستوطنين.
لن نستسلم
وبعد شهر ونصف من المواجهات دفاعا عن جبل صبيح، راح ضحيتها أربعة شهداء من بيتا وخامس من بلدة يتما المجاورة، وأكثر من 550 إصابة، تبدو بيتا اليوم أكثر إصرارا على مواصلة مقاومتها لطرد الغزاة.
ويشير أبو عماد، أحد منسقي وحدة الإرباك، إلى أن فعاليات الإرباك الليلي تستقطب المئات من الشبان، بمن فيهم جرحى المواجهات الذين يتعالون على جراحهم ويأتون على العكازات لمؤازرة الشبان. ويضيف لوكالة “صفا”: “رغم ما قد يصيب الأهالي من إزعاج الإرباك، إلا أن الجميع متفهمون ومدركون لأهميتها، ومستعدون للمضي فيها إلى النهاية حتى تحرير الجبل”.-(وكالات)
التعليقات مغلقة.