بعد استنفاد الحلول العلمية.. هل يصبح الإسلام ملاذا لحماية الأرض؟

يعدّ تعزيز دور العوامل الثقافية والدينية بتغيير الوعي والسلوك الإنسانيين، وزيادة مستوى المسؤولية تجاه حماية البيئة، وتحقيق التنمية المستدامة، بمنزلة مفاتيح كل عمل بيئي، مع بقية الحلول العلمية والتقنية، والنصوص القانونية، والسياسات في مختلف مستوياتها، ومن أجل تحقيق ذلك، جاءت وثيقة “الميزان: عهد من أجل الأرض”، التي تمثل الصوت الجماعي للمجتمع الإسلامي في القضايا البيئيَّة.

وتدعو المسلمين لتبنِّي موضوع الاستدامة في حياتهم اليومية والعمل معًا من أجل حماية كوكب الأرض، بيت الإنسانية المشترك.

ويعتبر تحقيق ذلك التوازن جوهر حماية البيئة والحفاظ على الأرض، انطلاقاً من الآية الكريمة “وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ، وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ”.
وتؤكِّد الوثيقة عددًا من المبادئ الداعية للحفاظ على البيئة وتحقيق التَّنمية المستدامة والعدالة البيئية؛ استرشادًا بالتعاليم الإسلامية التي تحث على ضرورة الترابط بين جميع المخلوقات وأهمية الحفاظ على الكوكب للأجيال القادمة.
ولأن العالم يواجه تحديات جسيمة، أكانت اقتصادية، أم اجتماعية، أم بيئية وسياسية، فإن ذلك دفع بصانعي القرار والسياسيين إلى اتخاذ أساليب مختلفة لحلها أو التعامل معها، خصوصا المشكلات البيئية، ومن بينها تلك القائمة على العلم الذي يؤكد أن سببها هو الإنسان، وفق مدير تحالف “الإيمان من أجل الأرض” التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة د. أياد أبو مغلي.
ومن خلال تسخير العلوم، قام صناع القرار بوضع سياسات معينة وتنفيذها على المستوى الوطني، وبما يتناسب مع وضع كل دولة، لكن لغاية الآن لم نصل إلى حلول كاملة، وفق تأكيدات أبو مغلي.
وقال: “لذلك، كان من المهم التفكير بأصل هذه المشكلات الناجمة عن السلوك الإنساني الذي بات عنصراً مهماً في تنفيذ السياسات العالمية، أو الوطنية المبنية على العلم، ما حدا ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى خلق مبادرة عالمية اسمها الإيمان من أجل الأرض”.
وأوضح أن “هذه المبادرة تهدف لإعادة تفكير الناس بأخلاقيات التعامل مع البيئة، ومن أهمها الأخلاقيات الدينية التي تنبع من آلاف السنين، ومن الممارسات والعقائد المتجذرة في روح وقلب وعقل الإنسان”.
وبناء على ذلك، ومن وجهة نظره، فإنه “من السهل إقناع الأشخاص، من خلال الأديان التي ينتمون إليها، بقضية معينة، أكثر بكثير من استخدام الحجج المبنية على السياسة والعلم”.
ولفت إلى أن “المبادرة عملت على استنباط الطرق التي تتعامل بها نحو 15 ديانة عالمية، مثل الإسلامية، والمسيحية، والبوذية، والهندوسية مع البيئة”.
وأضاف إن هذا العمل أكد وجود تناسق بين كل الأديان حول المبادئ المتعلقة بالعمل من أجل حماية البيئة، والذي أدى إلى أن يصبح نقاش الزعماء الدينيين للسياسات العالمية نابعاً من منطلق الأخلاق الدينية.
ومنذ العام 2019 شكل برنامج الأمم المتحدة للبيئة فريق عمل يضم ممثلين عن كل المذاهب الإسلامية، والذين أجروا مشاورات مع مئات المؤسسات الدينية الإسلامية في العالم كله، لوضع وثيقة الميزان “عهد من أجل الأرض”، التي تنبثق من مبدأ أساسي في خلق الكون، وهو التوازن أو الميزان.
وتابع أبو مغلي قائلا: “ومنذ البدء بإعداد الوثيقة قمنا بإدماج خمسين مبدأ من المبادئ الإسلامية مثل العدل، والإنصاف التي تحكم السلوك البشري في التعامل مع البيئة، والتي لا تنطبق على المسلمين وحدهم بل على العالم أجمع”.
وأكد أن “المبادئ البيئية العالمية كافة والتي تشكل نقاط بحث على الصعيد العالمي، موجودة في الوثيقة، والتي جرت مقارنتها بمبادئ الإسلام”.
وبين أن “الفصل الأخير من الوثيقة يتضمن خطة عشرية عالمية لتنفيذ وثيقة الميزان، في وقت يجري العمل مع مؤسسات دولية مثل جامعة أوكسفورد، لوضع مناهج بحثية عن الميزان والبيئة والعلاقة التي تربطهما ببعض”.
وأضاف أن “هنالك مليار مسلم يمثلون %25 من عدد سكان العالم، يتمتعون بثقل كبير على كافة الأصعدة، لذلك من الأجدى أن يكون المسلمون قادة في مجالات عديدة، وعلى رأسها كل ما يتعلق بالوضع البيئي”.
“ومن الضرورة أن يجري الترويج لمبدأ الميزان بطريقة الهندسة العكسية القائمة على استخدام البراهين والأدلة العملية خلال تنفيذ المشاريع التي تحقق التوازن الذي يعود بالنفع على حياة أفراد المجتمع”، وفق المدير التنفيذي للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه د. مروان الرقاد.
وبين الرقاد أن “لدى الأردن العديد من الإستراتيجيات العملية والتنفيذية المختلفة، لكن ما يميز وثيقة الميزان أن مضامينها تحتوي على كل ما يتعلق بأخلاقيات التعامل مع الأرض”.
وبرأيه فإن “تعزيز الثقة مع الأفراد والمجتمع لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت هنالك منفعة بيئية مباشرة، أو اقتصادية، أو اجتماعية، من أي نشاط تنفذه الشبكة لصالح هذه الفئات”.
وهذا ما دفع بالشبكة “لاتباع نهج جديد قائم على تحقيق التوازن بين أربعة عوامل هي: الماء، والغذاء، والطاقة والبيئة، والنابعة من النصوص القرآنية، أو السنة النبوية، التي تشير إلى أن المسلمين شركاء في ثلاث: الماء والكلأ (الأراضي الرعوية)، والنار (مصدر الطاقة)”، بحسبه.
وأضاف أن هذا المنطلق الأخلاقي، تسعى الشبكة إلى ترجمته على الصعيد العملي، عبر تطبيق قواعد الميزان، وصولاً للتأكيد أن هناك منفعة مشتركة محققة للأفراد، مثل تلك التي تمخض عنها مشروع سما السرحان.
وتعاني منطقة سما السرحان من استنزاف المياه الجوفية، وشح المصادر المائية، مقابل وجود واد مائي في هذه المنطقة لا يتم استغلاله بالشكل الأمثل، بل ويشكل خطراً على القاطنين من أهالي المنطقة.
ومن أجل حل تلك المعضلة “عمدت الشبكة إلى تنفيذ خطة لحصاد مياه الأمطار لإعادة استخدامها في ري مزروعات لا تستهلك كميات مرتفعة من المياه، مع الموازنة بين حقوق الانتفاع من المشروع وفئات المجتمع كافة”، بحسب الرقاد.
وأكد أستاذ الأديان المقارنة في جامعة آل البيت د. عامر الحافي أن “قضيتي حقوق الأرض والبيئة لم تأخذ بعد حقها على مستويات المؤسسات التعليمية الجامعية، أو على تقديم التصورات والمعلومات بشأنها، أم على مستوى النظرة الإسلامية”.
واعتبر الحافي أنه “برغم أن هنالك أبحاثا ودراسات تربط بين النظرة الإسلامية والبيئة، لكنها مجزأة، وغير مترابطة بشكل منهجي”.
ولفت إلى أن “وثيقة العهد من أجل الأرض”، تقدم رؤية متكاملة وشاملة حول نظرة القرآن الكريم للطبيعة، وأن الميزان أساس صحة العلاقة بين الإنسان والطبيعة، فالميزان يرمز للعدل والحق، والمساواة، والتي جميعها تصف طبيعة العلاقة الصحيحة بين الطرفين.
وتابع: “لذلك، فإن هنالك حاجة لتطوير المناهج التعليمية على مستوى الجامعات، وبشكل أخص في تلك التي تدرس في كليات الشريعة والتربية والعلوم والحقوق لإدماج علم البيئة والدين، ومواضيع حول الأرض ضمن محتواها”.
ولفت إلى أن “الحاجة لإيجاد جيل من الشباب قادر على أن يكون القائد في حماية البيئة والأرض باتت ملحة”.
وشدد على أن “الجامعات إن كانت تعرف أولوياتها، والقضايا التي يجب على الإنسان العربي المسلم معرفتها لحماية الأرض، فإنها ستخلق جيلا من الشباب واعيا ومؤثرا جدا في اتخاذ القرارات، وفي أي مكان سيتواجد به مستقبلا”.
وفي رأيه أن “الحوار بين الأديان، لا بد أن يتطرق إلى موضوع العمل من أجل الأرض، وتوحيد الجهود البشرية لحمايتها والحفاظ عليها، من خلال ما تنص عليه العقائد والديانات”.
وهذا ما جاء به “العهد من أجل الأرض الذي يمهد الطريق أمام البشرية بأن تتكاتف وتعمل معاً من أجل قضية واحدة ومهمة لنا وللأجيال القادمة كافة”، بحد قوله.
ومن بين المبادئ التي تستند عليها الوثيقة، على سبيل المثال، الفطرة الطبيعية للإنسان، وبالاستناد إلى الآية الكريمة “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”.
فهذه الآية، وفق الوثيقة “تنذر أنه لا ينبغي تغيير فطرتنا الإنسانية، ولفهم ذلك لا بد من تأمل السياق البيئي لفطرتنا، حيث خلق البشر ضمن مجموعة محددة من الأنواع الحية، المتأقلمة بعضها مع بعض، ومع ظروف مناخية سادت منذ العصر الجليدي الأخير”.

فرح عطيات/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة